الأربعاء 27 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

زكية حادوش:استعطافاتٌ إلى من يهمه الأمر...؟

زكية حادوش:استعطافاتٌ إلى من يهمه الأمر...؟

اختفى هذا الركن الأسبوعي يوم الجمعة الماضي. وهذا ليس خبراً لأني متأكدة أنه أمر غير ملحوظ، فنحن - من ابتلانا الله بالكتابة كيفما كان نوعها- نقرأ "زبورنا" ونصيح في الوادي. اختفى هذا العمود لأن الحمى نالت مني بسبب المرض. وهذا كذلك ليس خبراً لأن الجميع يمرض.

لكني أستغل هذه الفرصة لأتوجه باستعطافات صادقة إلى من يهمه الأمر. الاستعطاف الأول يعني الإدارات العمومية والبنوك وأصحاب المقاولات الخاصة المتوفرة على مقرات وكذا المقاهي والمطاعم ووسائل النقل "الراقية" إلخ. أرجوكم (الله برحم الوالدين) لا تطلقوا أجهزة التكييف إلا عند الضرورة، أي حين تتجاوز عندنا درجات الحرارة حدود الاحتمال من طرف أي جسم بشري. فهناك أشخاص كُثُر إذا تعرضوا للتكييف مرضوا مباشرة، كما هناك فيروسات تستوطن المكيفات، خصوصاً تلك التي لا تخضع دورياً للصيانة) ولا تنتظر سوى فرصة الانتقال إلى الرئات البشرية. هذا من جهة أما مربط الفرس فهو أننا لسنا خليجيين. ليس هناك سبب لكي تصبح أماكن عيشنا عبارة عن ثلاجات لأن طقسنا معتدل ونستطيع التكيف معه كما عاش فيه أجدادنا لآلاف السنين، بدل إغناء الشركات الشمولية المحتكرة لسوق المكيفات واستهلاك طاقة نستورد جلها وتسبب لبلادنا عجزا في الميزان التجاري يمتد لمئات الأعوام.
الاستعطاف الثاني موجه للمدخنين. وهنا أوضح أني مع الحرية الفردية بشتى أنواعها، وأرى أن تدخل دولة "الأخ الكبير" (Big Brother) في "الشاذة والفذة" نوع من الاعتداء الرسمي الممنهج على الفرد. من حق الإنسان أن يعيش حياته وليس حياة غيره، من حقه أن يستهلك ما يريد وأن "يضبط" دماغه بمواد طبيعية أو كيماوية تجعله يتحمل ما يصعب احتماله في هذه البلاد. من حقه أن يقصر حياته، فتلك أمانة منحت له وليس لغيره. لكن قبل إشعال سيجارة في فضاء عام (يكتظ يوما عن يوم) أرجو عزيزي المدخن أن تفكر في أشخاص قد يرسلهم دخان سيجارتك إلى المستعجلات.
وها قد وصلنا إلى الاستعطاف الأخير. كما قلت سلفاً المرض شيء عادٍ، غير أنه لا أحد يريد أن يجد نفسه في المستعجلات ولا أحد يتمنى حتى لألد أعدائه أن يمرضفي هذا البلد السعيد. فبالإضافة إلى المرض العضوي، تنضاف إلى المريض (سلوا المجرب لا تسالوا الطبيب) "فوبيا" النظام الصحي بالمغرب! لا أحد منا يريد أن يجد نفسه ملقى على قارعة الطريق وسيارة إسعاف الجماعة مشغولة بنقل الأصحاء وبضائعهم أو أنها من مخلفات دمار همجية القوم (مثلما حدث في مراكش حيث كسر "شباب" سيارات بما في ذلك سيارة إسعاف). لا أحد يتمنى أن يبقى مطويا من الألم أمام بوابة المستشفى، أو محمولا على نقالة لسحب النقود من الشباك الأوتوماتيكي (ما وقع لمريض إسباني في طنجة). لا أحد منكم يتمنى أن يقطع مئات الكيلومترات ويبيع كل ما يملك أو يتيه في إجراءات بيروقراطية لا تنتهي ليتلقى حصة العلاج الكيماوي أو الإشعاعي في العاصمة الإدارية أو يجري عملية في العاصمة الاقتصادية. ثم لكي يحصل على العلاج حيث يقطن على سكان المنطقة شيبا وشبابا وعن بكرة أبيهم أن يخرجوا في مظاهرات لشهور ويقال عنهم رسميا انفصاليين (كأنهم أعلنوا عن استفتاء مثل الأكراد والكاطالان) وتُعسكَر مدينتهم ويُعتقَل شبابهم ويحاكموا، ويموت من يموت.
الاستعطاف هنا ليس من أجل إطلاق سراح معتقلي "حراك الريف" لأن الحقوق لا يُستعطَف عليها بل تُطلَب. الاستعطاف موجه لوزير الصحة ومعه للحكومة ورئيسها، أرجوكم كفى من مهزلة "صباغة" المخزن من قبيل "تسليم سيارات إسعاف في الحسيمة من طرف السيد حسين الوردي". وهو يعرف كطبيب أنه من المستحيل إنعاش الجثة...