الخميس 2 مايو 2024
منبر أنفاس

اسماعيني بناصر: حراك الريف التاريخ يعيد نفسه.. مرت المأساة، هل نعيش المهزلة؟

اسماعيني بناصر: حراك الريف التاريخ يعيد نفسه.. مرت المأساة، هل نعيش المهزلة؟

في إطار موضع المرحلة وما تمر منه البلاد في ما يسمى بحراك الريف، كثر الحديث عن استرجاع أحداث تاريخية عرفتها المنطقة مند عقود، فهناك من يوقف عقارب الزمن في سنة 1958، وهناك من يمر بها مسرعا ليصل إلى مقاومة عبد الكريم الخطابي، والغالبية ممن يساندون الحراك تحدثوا بمقولة مشهورة، وهي "التاريخ يعيد نفسه".. وفي أقل الأحوال وظفها بعضهم على شكل سؤال مفتوح: هل التاريخ يعيد نفسه؟ وهي مقولة للفيلسوف الكبير كارل ماركس في كتابه "18 برومر لويس بونابارت" موظفا مقولة لهيغل عندما قال "في مكان ما إن جميع الأحداث والشخصيات العظيمة في تاريخ العالم تظهر، إذا جاز القول، مرتين". وأضاف ماركس "وقد نسي أن يقول المرة الأولى كمأساة والمرة الثانية كمهزلة"، للرد على تباهي لويس بونابارت بأمجاده...

فالكل يعلم أن الريف عاش مأساة مع الاحتلال في عهد عبد الكريم الخطابي، وكذا مأساة 58، وحاليا نتحدث عن الحراك الذي انطلقت شرارته إبان استشهاد محسن فكري مطحونا مع النفايات.. هل يمكن الحديث على أن التاريخ يعيد نفسه؟ إنها تعليقات وأقوال ربما توظف لتوصيفات أو كشعارات حماسية لها أثر إيجابي على نفسية الحركين والمتضامنين، لكن يجب أن نعي المرحلة جيدا، وربما أن الشطر الثاني من المقولة قد ينطبق حاليا على واقعنا، وقد يعتبرها البعض قساوة في هذا الوصف إذا رأينا الامور من الناحية العاطفية.. لكن بزاوية نظر واقعية في حقيقة الأمر إننا نعيش المهزلة.. طحن محسن مع النفايات، ولم تشكل لجن دعم على المستوى الوطني لتتبع الملف، تحركت الاحتجاجات في جزء واسع من مناطق الريف ولم تلق الدعم المطلوب وبقيت معزولة حتى اعتقل متزعمو الحراك ووضعوا في السجون، ولم تشكل أيضا لا لجن دعم ولا تنسيقية وطنية ولا جبهة دعم... ويا لها من جبهة بالمفهوم الدارجي، أي "السنطيحة" لدى بعض المتشدقين بالدفاع عن حقوق المواطنين والمواطنات وتبنيهم لهموم أبناء الشعب...

نعم إنها المهزلة مهزلة من تشدق بقوله إن مدينته تذبح في حوارات صحافية مستغبيا الشعب وكأنه لا يعرف من يقوم بذلك.. نعم إنها المهزلة مهزلة الندوة التي نظمت بالحسيمة.... "فيك الخصام وأنت الخصم والحكم" (المتنبي).. نعم مرة أخرى إنها المهزلة ما راج من طرف الدولة نفسها عن مآل مشروع منارة المتوسط، وبقيت دار لقمان على حالها.. نعم إنها المهزلة، فالتنظيمات التي تتغنى في خطاباتها بالشعبوية والراديكالية وانحيازها للفقراء والمحرومين، الآن تخفي رأسها في الرمل ولا تقوى إلا على الصياح كصغير الخراف الفاقد لأمه.. نعم إنها المهزلة أن يرمى أبناء الشعب الشرفاء في السجون ونحن في المقاهي نتفرج على فرق كرة القدم الإسبانية.. نعم إنها المهزلة أن يبدأ الدخول الاجتماعي وبعض الفئات تتكلم عن برامج نضالية بسبب الاقتطاعات أو بعض المطالب المادية، ولا تستحضر معتقلي الحراك إلا في بعض الخطابات الجزيئة، من أجل توظيف ذلك بشكل انتهازي.. نعم إنها المهزلة أن تبقى النضالات مشتتة وجزئية وفئوية، وهناك من لا يخرج للاحتجاج إلا للمطالبة بالزيادة في الأجور أو من أجل الإدماج... وخلافا لذلك فالاحتجاجات الأخرى تبقى كفرا.. نعم إنها المهزلة، فما تنظمه الحانات من تجمعات لأشباح المناضلين يوميا لا تنظمه إطاراتهم النضالية في الشهر من أجل النضال في حد ذاته.. نعم إنها المهزلة أن نتفرج في لعبة قدرة نعلم مسبقا فصولها دون أن تتحرك شعرة من كبريائنا.

وتتوالى أشواط المهزلة واحدة تلو الأخرى، عندما نتحدث عن تطبيق القانون ويخرج علينا مسؤول في خطاب لا يجيد حتى قراءة ما بين يديه، ولا يتحكم حتى فيما يخرج من بين شفتيه..

نعم إنها كُبريات المهازل عندما نرفع شعار "الموت ولا المذلة".. لكننا لا نموت، ولكننا نعيش المذلة.. نعم هكذا يا وطني التاريخ أعاد نفسه.