"للي بغا يسرق الجامع خصو اولا يحفر للصومعة ديالو؟"، هذا المثل الشعبي ينطبق بامتياز على السلطات المركزية التي سوقت الوهم للمغاربة حين بادرت إلى خلق شركات للتنمية المحلية بالدار البيضاء مدعية أن هذه الآلية يعمل بها بالدول المتمدنة لتسريع وتيرة التنمية وتقريب الأوراش والمرافق لكل المجالات الترابية المقصية والمهمشة.
لكن المراقب اللبيب، كان يدرك أن لجوء المسؤولين بالمغرب إلى آلية «شركات التنمية» لم يكن بهدف استلهام روح ما يجري بالمدن الأوربية بحثا عن النجاعة وتجنبا للبيروقراطية، بقدر ما كان القرار يروم التحايل على اختصاصات المجالس المحلية بالبيضاء لكي لا تسقط «الملايير» في يد «الخوانجية» ليفترسوا الصفقات في ما بينهم وبين حوارييهم، أو ليوجهوا الأوراش نحو قلاعهم الانتخابية، خاصة وأن الرهان يهم أغلفة تفوق 40 مليار درهم، وهو ما يوازي ميزانية 10 وزارات لمدة 5 سنوات.
المواطن لا يهمه الصراع بين السلطة العمومية واليسار أو مع الأصوليين أو مع الشناقة، بقدر ما يهمه أن يرى مدينته في أبهى حلة، وأن يرى شوارع حيه معبدة برصيف مبلط، وبأشجار مغروسة، وبإنارة عمومية مهيأة بأثاث حضري من الجيل الجديد، وبإشارات ضوئية ذكية، وبقناطر وأنفاق عملية تضمن انسيابية حركية السير والجولان.
للأسف، ما أن خلقت شركات التنمية بالدار البيضاء وتمت هيكلتها وفتحت حساباتها وسمنت أرصدتها وعين مدراؤها، حتى خاب الأمل في رؤية عدالة مجالية بالمدينة.
فموارد الدار البيضاء بالأساس تأتي من ثلاثة أحواض ضريبية وهي: الحوض الشمالي الشرقي الممتد من عين السبع إلى أهل الغلام، مرورا بالحي الصناعي سيدي البرنوصي. ثم الحوض الجنوبي الغربي الممتد من سيدي معروف إلى الحي الصناعي ليساسفة. وأخيرا حوض مولاي رشيد سيدي عثمان. فهذه الأحواض الثلاثة تنتج حوالي 20 في المائة من الناتج الداخلي الخام للمملكة ككل (وليس بالدار البيضاء)، و هي التي لها الفضل في تثبيت الاستقرار بالمدينة بحكم عدد اليد العاملة المشغلة بشكل مباشر فيها وبحكم المناصب غير المباشرة التي تخلق بفضل معامله ومصانعها.
لكن للأسف هذه المناطق هي الأكثر تغييبا من خريطة شركات التنمية المحلية بالدار البيضاء، حيث يتم التركيز دوما على وسط المدينة، وعلى الأحياء الراقية، وعلى الشوارع الرئيسية التي تعج بالمحلات التجارية لكبار النافذين.
فإذا أسقطنا الترامواي (وهذا الملف سنعود له لاحقا) نجد مثلا طريق ليساسفة حد السوالم عبر الدار 16 وكاريان «خيزو»، وهي الطريق التي تعد أحد أهم المعابر الطرقية بالمملكة، ومع ذلك فهي في وضع كارثي: محفرة ومظلمة وتشكل خطرا على حركة السير.
خذ شارع أبي بكر القادري بسيدي معروف، أو أفغانستان بالحي الحسني، أو طريق مولاي التهامي بالألفة: "شوارع كئيبة وإنارة ضعيفة واختناق رهيب بفعل غياب منافذ وعدم انجاز أعمال التهيئة للتوسيع والصيانة".
خذ طريق تيط مليل عبر التشارك أو شارع جودار أو شارع 10 مارس الممتد نحو الهراويين ستجد نفس الحكرة ونفس المعاناة.
خذ طريق كابلام بحي الأزهر أو الحسن السوسي بسيدي مومن أو طريق السبيت (بين سلام أهل الغلام وقشلة مولاي يوسف)، أو قنطرة مرجان نحو حي جوهرة أو طريق الشفشاوني عبر حانة الوردة ودوار حربيلي، ستعتقد أن هذه المناطق لا تنتج الثروة ولا تضخ ضرائب ولا تنفخ خزائن المملكة، والحال أن مصانع هذه المنطقة لوحدها توظف 65 ألف فرد وتجلب 10 في المائة من الناتج الداخلي الخام للمغرب.
أبعد كل هذا، هل يحق لمسؤول مغربي أن يفاخر الأمم بحصيلة شركات التنمية بالدارالبيضاء؟ إن كان الأمر كذلك، فمن الأحسن أن يقدمها بوصفها شركات قرصنة وحلب جيوب سكان الضاحية لتسمين الطرق والقناطر المؤدية لمشاريع وإقامات النافذين!!