الاثنين 25 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

حمزة نيازي: المغرب وإسبانيا.. تاريخ متأزم ومستقبل ضبابي!!!

حمزة نيازي: المغرب وإسبانيا.. تاريخ متأزم ومستقبل ضبابي!!! حمزة نيازي

يمكن الجزم أن العالم لا يخلو من الأزمات والمشاكل التاريخية المتجذرة ما بين دولتين متجاورتين تربطهما حدود جغرافية؛ أو عُقَد عرقية وتاريخية ما بين شعبين أو أكثر... الأمثلة كثيرة جدا، مثل باكستان والهند، كوريا الشمالية والجنوبية... المملكة المغربية بدورها لديها أزمات من هذا القبيل، أبرزها العلاقة التاريخية المتوترة مع إسبانيا الجارة التي تفصل ما بيننا حدود بحرية مسافتها 14.3 كيلومتر وبرية في احتلال "سبتة و مليلية" على التراب الوطني .

 

يمكن القول عامة أن التاريخ العلاقاتي بين المغرب وإسبانيا ليس بتاريخ عادي، بل هو مضطرب ومتأزم وأسهمه في طلوع ونزول، منذ زمن بعيد، عندما انهارت الأندلس سنة 1492م وتم طرد المسلمين وتعذيبهم وقتلهم وممارسة الوحشية ولا إنسانية عليهم... هذا يعتبر وصمة عار في تاريخ الصليبيين، مارسوا تصرفات نابعة من الحقد الأسود الدفين في قلوب الملوك الإسبان وعدم تقبلهم ازدهار الأندلس ووصولها للقمة في العلوم والثقافة والتعايش ما بين المسلمين واليهود والنصارى... المهم رغم الحسرة على هذا التاريخ الرائع فهو أحد الأسباب غير المباشرة التي يمكن القول إنها تساهم إلى الآن في العلاقة المضطربة بين الدولتين .

 

نقطة أخرى في التاريخ الحديث هو الاستعمار الفرنسي والإسباني للمغرب الذي انتهى سنة 1975 بالمسيرة الخضراء المباركة واسترجاع الأقاليم الجنوبية التي كانت تحت الاستعمار الإسباني، رغم الدعوات العالمية وبناء عالم بنفس جديد بعد الحرب العالمية الثانية وتأسيس الأمم المتحدة وإرساء قيم حقوق الإنسان... إسبانيا ظلت مستعمرة جنوب المملكة المغربية حتى سنة 1975، تصرف يندى له الجبين مع العلم أن الأمم المتحدة قد وجهت لإسبانيا مطالب بإنهاء احتلال الصحراء المغربية سنة 1965 .

 

هناك محطات أخرى في الصراع الإسباني المغربي، مثل أزمة جزيرة "تورة" وغيرها...  نخلص بهذه الأمثلة أن العلاقة الإسبانية المغربية في توتر منذ زمن طويل إلى يومنا هذا، خاصة مع التصرف الإسباني الأخير غير المبرر الذي يخرق المواثيق الدولية والاتفاقيات ما بين المملكة المغربية وإسبانيا من جهة والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى .

 

استقبال مجرم وبطريقة ممنهجة وتواطؤ النظام الجزائري بتسليمه جواز سفر مزور مع علم الدولة الإسبانية بذلك، هذا يضرب عرض الحائط كل تلك الشعارات التي يغرد بها النظام الإسباني من حرية وعدل وفصل السلط، وإن اسبانيا اليوم تسعى إلى تكريس قيم الديمقراطية ومحاولة استدراك التجاوزات التاريخية مثل ممارسات نظام فرانكو الديكتاتوري... ابراهيم غالي مطلوب دوليا مرتكب جرائم اغتصاب وجرائم اعتقال تعسفي وتعذيب وقتل للمغاربة الصحراويين في معسكرات غير نظامية بتندوف، والغريب في الأمر أن القضاء الإسباني أصدر في حقه مذكرة دولية بأنه شخص مطلوب للعدالة الإسبانية .

 

ما نستنتج أن النظام الإسباني يعمل بازدواجية وخرق تام للاتفاقيات والتحالف الاستراتيجي والتعاون الأمني الذي يجمعه مع المغرب، الصمت وتعمد استقبال مجرم حرب، وتجاهل الدولة الإسبانية لضحاياها الذين عذبوا وقتلوا من قبل المدعو غالي ابراهيم، يمكن القول إن وراءه عقلية متخلفة وقديمة للنظام الإسباني؛ كما صرح وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة "مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس" وهذا التصريح يحمل في دلالته الكثير، الزمن تغير والمعاملة يجب أن يعاد النظر فيها ويجب أن تكون العلاقة ثنائية بالتوازي بين الطرفين.

 

تصريح سفيرة المملكة المغربية بإسبانيا كريمة بنيعيش كان جد مفصل وشامل ونخبوي، يعبر على الموقف المغربي ملكا وحكومة وشعبا، فيه رسالة واضحة ويضعنا في ترقب لما ستخطو عليه الدولة الإسبانية وما ستقوم به السلطة القضائية الإسبانية المستقلة بين قوسين في الأيام القادمة، وأي تواطئ أو تهريب لمجرم حرب لا وطن له، سيخلق أزمة كبيرة.

 

الدولة العميقة والنظام الإسباني بجميع أجهزته الظاهرة والباطنة، يجب أأن يعي بأن وصية "إليزابيث الكاثوليكية" التي تحمل الحقد والضغينة والشر للمغرب قد مر عليها قرون، فمنذ القرن 15 و16م شهد العالم أحداثا ومحطات راسخة وثورات ومتغيرات، فلا يجب تعمد إيقاف عقارب ساعة إسبانيا في الماضي، لأن الحاضر والمستقبل يحمل في طياته ترسيخ قيم الديمقراطية والتطور والمساواة... البشرية الآن في أرقى العصور، إذ نعيش في تطور وعولمة شاملة.