السبت 20 إبريل 2024
سياسة

مولاي الحسن تمازي: الاتحاد الأوروبي وسيناريو الاعتراف بمغربية الصحراء

مولاي الحسن تمازي: الاتحاد الأوروبي وسيناريو الاعتراف بمغربية الصحراء الأستاذ مولاي الحسن تمازي مع مشهد من افتتاح قنصلية الإمارات العربية المتحدة بالعيون

بعيدا عن العاطفة، وعن ثمن المساومة التي جعلت المغرب يقرر التطبيع مع إسرائيل، فإن المرسوم الرئاسي للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والقاضي بالاعتراف بمغربية الصحراء، يعتبر قرارا تاريخيا، حيث سيظل مثل الشوكة في حناجر البوليساريو والقيادات العسكرية الجزائرية الحاكمة.

 

النبش في الذاكرة التاريخية أعطى قناعة للأمريكيين بأن المغرب، عندما كان أول دولة اعترفت بالاستقلال الأمريكي، لم يكن منفصلا عن صحرائه.

 

وعلى هذا الأساس، فطنت العديد من الدول، سواء في إفريقيا أو في أمريكا اللاتينية، إلى ضرورة مساندة الحق التاريخي والقانوني للمغرب على أقاليمه الجنوبية، وذلك عن طريق فتح قنصليات لها بمدينتي العيون والداخلة، لاسيما بعد قضية الكركرات التي كانت ورقة رابحة بالنسبة للمغرب. لكن مقابل ذلك لمسنا تخلف دول الاتحاد الأوروبي إلى حدود كتابة هذه السطور، عن مواكبة هذه المتغيرات الدولية، رغم أن أغلبية دوله تؤمن بخيار الحكم الذاتي كحل لقضية الصحراء في ظل السيادة المغربية.

 

فما هي الأسباب وراء ذلك؟ وما هي الحلول المقترحة لإقناع الأوروبيين بأهمية الانخراط الإيجابي للاعتراف بمغربية الصحراء؟

 

أولا: موقف الاتحاد الأوروبي من قضية الصحراء المغربية

يبدو أنه على المستوى الواقعي والالتزام القانوني، تتعامل دول الاتحاد الأوروبي مع المغرب بسيادته الكاملة. فالشراكات الاستراتيجية التي تشمل القطاعين الفلاحي والصيد البحري على الخصوص، لا تفصل المغرب عن أقاليمه الجنوبية. وذلك على الرغم من بعض المناورات المكشوفة التي تحاول من خلالها الجزائر والبوليساريو إقحام قضية الصحراء المغربية داخل بعض المؤسسات الأوروبية، لاسيما البرلمان الأوروبي، المفوضية الأوروبية ومحكمة العدل الأوروبية.

كما أنه على المستوى التاريخي، جميع دول أوروبا، بما فيها فرنسا، إسبانيا، والبرتغال تعرف أن الصحراء كانت دائما جزءا من المغرب. ويكفي أن نذكر هنا دور المغرب خلال مرحلة القرون الوسطى حينما كان في عهد المرابطين والموحدين، يشكل جسرا للتواصل بين أوروبا وغرب إفريقيا ولم تكن هناك لا البوليساريو ولا الجزائر نفسها.

 

غير أنه سياسيا لا يوجد موقف موحد داخل الاتحاد الأوروبي على مستوى التعاطي مع قضية وحدتنا الوطنية. حقيقة إن أغلبية هذه الدول، كما قلنا أعلاه، تدعم مبادرة الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية. لكن هناك موقفان آخران: واحد يحاول الحفاظ على التوازن الاستراتيجي بين مصالحه مع الجزائر ومصالحه مع المغرب، ولذلك يكتفي هذا الموقف في كل المناسبات بترديد جملة واحدة وهي دعم المسلسل الأممي، وآخر يشمل دولا قليلة كبعض الدول الإسكندنافية التي تقف ضد المطالب المغربية المشروعة.

 

وعلى هذا الأساس، يصعب في الظروف الحالية إيجاد موقف موحد من طرف دول الاتحاد الأوروبي إزاء قضية وحدتنا الترابية، لاسيما وأن قاعدة الاجماع التي يعتمدها هذا الأخير على مستوى بلورة مواقف مشتركة، تشكل عرقلة كبيرة أمام المصالح المغربية.

 

فهل من حلول لخلق توافق إيجابي بين دول الاتحاد الأوروبي في اتجاه الاعتراف بمغربية الصحراء؟

 

ثانيا: وسائل الضغط على الاتحاد الأوروبي للاعتراف بمغربية الصحراء

نعتقد بأن المغرب يمتلك من الوسائل ما سيمكنه من الضغط على الاتحاد الأوروبي قصد الاعتراف بمغربية الصحراء. فلا يعقل أن يظل بلدنا مجرد شرطي لضمان واستتباب الأمن لأوروبا وحماية حدودها ومصالحها. ويكفي أن نذكر هنا دور المخابرات المغربية في تقديم معلومات، سواء استباقية لمنع حدوث بعض الجرائم الإرهابية داخل أوروبا، ولعل آخرها ما كان سيقع في إحدى الكنائس بفرنسا. أو تلك التي تم تقديمها بعد وقوع الأحداث الارهابية قصد الوصول إلى مساعدة هذه الدول كإسبانيا، بلجيكا وألمانيا، على فك شفرتها والوصول إلى منفذيها.

 

وزيادة على ذلك، يلعب المغرب بحكم موقعه الاستراتيجي، دورا كبيرا في التخفيف من حدة الهجرة السرية التي تؤرق الاتحاد الأوربي. فالمقاربة الأمنية الجدية والمسؤولة التي يعتمد عليها المغرب كشريك استراتيجي لأوروبا، لا يمكن أن تستمر إلى الأبد مادامت البوليساريو المدعمة من طرف النظام العسكري الجزائري، تبقى هي نفسها مصدرا للإرهاب، حيث إن هناك المئات من الإرهابيين المنتمين لتنظيم القاعدة (في بلاد المغرب الإسلامي) قد تلقوا تدريبات داخل مخيمات تندوف، ومع ذلك تحظى إما بدعم مباشر من بعض الدول الأوروبية، لاسيما الاسكندنافية، أو بسلوك محايد من دول أخرى، تحت ستار الحفاظ على التوازن في العلاقات الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي مع حلفائه.

 

وفضلا عن ذلك، فإن ملف الصيد البحري -الذي استطاع بموجبه المغرب أن يربك خصومه، بعد أن نجح في اقناع الاتحاد الأوروبي بالتوقيع على عدة اتفاقيات لعل آخرها اتفاقية يوليوز لسنة 2019 التي سيمتد سيرانها لمدة أربع سنوات على جميع مجاله البحري بما فيه أقاليمه الجنوبية- يمكن أن يعتبر وسيلة ضغط على الاتحاد الأوروبي للاعتراف الصريح بمغربية الصحراء.

 

وأخيرا، يمكن القول إن اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية، كأقوى دولة في العالم، بمغربية الصحراء، يمكن أن يعتبر ورقة ضغط كبيرة على الاتحاد الأوروبي.

 

حقيقة إن العلاقات كانت متشنجة بين أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية في زمن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، لكن يبدو أن الإدارة الأمريكية الجديدة مع جون بايدن مستعدة لضخ دم جديد مع الأوربيين. وهذا ما يجب استغلاله من طرف الدبلوماسية المغربية لإقناع الأمريكيين، قصد تقديم المزيد من الدعم والدعاية الإيجابية للقضية الوطنية، ومن ثمة إنهاء هذا النزاع المفتعل.

 

خاتمة:

لا شك أن اعتراف العديد من الدول بمغربية الصحراء، يشكل مكسبا مهما يمكن الرهان عليه لإنهاء هذا النزاع المفتعل الذي عمر لأكثر من أربعة عقود. وعليه، يتعين على الدبلوماسية المغربية سواء الرسمية أو الموازية بذل المزيد من الجهود بكل الوسائل المتاحة لإقناع، ليس فقط دول الاتحاد الأوروبي، وإنما كل المكونات الحزبية والمنظمات غير الحكومية المنتمية لهذه الدول، بضرورة الاحتكام لمنطق العقل والرزانة، والنأي عن منطق المصالح الضيقة غير المتوازنة. ولعل في قرار حزب الرئيس الفرنسي ماكرون «الجمهورية إلى الأمام»، فتح فرعين بالمغرب واحد بمدينة الداخلة وآخر بمدينة أكادير، ما يفيد أهمية التواصل مع هذه المكونات في أفق الاعتراف الأوروبي الرسمي الموحد بمغربية الصحراء.

 

- مولاي الحسن تمازي، أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بسطات