هل من الضروري أن نؤكد على أن السياسي المعارض ليس من الضروري أن يسمى مناضلا، و لا داعي للتفصيل في كون معارضة الماضي للنظام تختلف جذريا عن المعارضات المتوالية طيلة ولايات العهد الجديد الحكومية، وهذه الأخيرة تدرجت من معارضة للسياسات اللاشعبية للحكومة إلى معارضة لأحزاب الأغلبية ثم معارضة للحزب المتصدر لنتائج الموعد الانتخابي ، وخاصة في ظل الدستور الجديد الذي خول ذلك للملك تعيين رئيس الحكومة ( بدل وزير أول ) . والحديث عن ديموقراطية الفعل السياسي سابق لأوانه ليظل النقاش والنقد ممكنان في حدود التساؤل عن مدى شرعية الممارسات دستوريا . وبذلك فالصراع لا يخرج عن موالاة او معارضة مؤسساتية ، وحتى داخل الحكومة نفسها ، يظل الصراع صراع نفوذ ومصالح فيما بين الوزراء، سواء كانوا حزببين أو تقنوقراطيين او موظفين في وزارات السيادة، وهذا ينعكس على المؤسسة التشريعية أيضا، ويمتد إليها رغم أن الحكامة التشريعية تقتضي أن تكون قبة البرلمان بغرفتيه هي فضاء يحتضن الصراع السياسي والتشريعي وحول كل ما يرتبط بالسياسات العمومية والمالية والأمنية حتى ، هذا الصراع المؤطر بترسانة قانونية وخرائط سياسية متوارثة عن التجارب والولايات السابقة عن بعضها البعض، إلى درجة يصعب الجزم بالقول أن تداعيات التزوير والمناورات الاحتيالية والتدليسية لسنوات الرصاص لم يعد لها وقع او صدى في التمثلات والعقليات والممارسات كتقاليد، ناهيك عن هيمنة السلطة التنفيذية، برأسيها، في التوجيه والتشريع بصيغة التوصيات والتعليمات، والتي تزرع بذورها في الدورة الخريفية عبر خطاب الافتتاح وعبرقانون المالية أوالموازنة ، فبعد الهندسة الدستورية للنظام السياسي ؛ يأتي دور خطاب التعليمات الملكية وقانون المالية . فما الذي تغير منذ ستينيات القرن الماضي، سوى أن الخريطة السياسية كان يتحكم فيها عن طريق تزوير الإرادات ، في حين التحكم صار تباعا يتم بموافقة الفاعلين وتوافقهم بواسطة القوانين ، وبالنظر لطبيعة نمط الاقتراع وميكانزماته ، فليس هناك معنى حقيقي لأغلبية مطلقة داخل المشهد السياسي أو البرلماني ، مما يعني أن الصراع السياسي والتشريعي لا يخرج عن ما هو متاح من قوة عددية وتكتلات مصلحية في ظل بنية تقليدانية تعتبر فيها أغلب الأحزاب صنيعة الدولة العميقة أو الإدارة الترابية، والحال أن حرية المبادرة التشريعية وشرعيتها لا يمكن تصورها إلا من مشروعية واستقلال القرار الحزبي وفك الارتباط عن أبوية النظام ووصاية السلطة التنفيذية . من هنا فإن انتقال النظام من منهجية القمع المباشر وما يترتب عنه من محاولات استئصال جذور المعارضة السياسية وبالقضاء على المشاريع المجتمعية الثورية أو الديموقراطية المخالفة أو البديلة ، وبقبول هذه الأخيرة بنقد التجربة والقيام بمراجعة في الفكر والممارسة ، وباسم الانفتاح تمت تسويات علنية صريحة او ضمنية، تحول الصراع بالتدريج ، من صراع حول السلطة إلى صراع من أجل المشاركة فيها ، ثم إلى المشاركة في تدبير الشأن العام الحكومي وفق السياسة العامة للسلطة العمومية ، ووفق قواعد اللعبة متعارف عليها موجهة، ومتوافق حولها طبقا لسياسة الأمر الواقع تسري ناعمة في شرايين الفضاء العمومي دون حاجة إلى فرضها قسريا وتعسفيا بالقوة . وكخلاصة أولية يصعب الجزم بأن من شأن إقرار القاسم الانتخابي الإخلال بقواعد الديموقراطية، لأن العمليات السياسية لم تكن أبدا ديموقراطية ، فهي صنيعة أبوية الدولة وارادتها المؤطرة بمنطق الإجماع أو التراضي التوافقي، وحول تجديد الخريطة أو تغييرها فليتنافس المتنافسون بنفس قواعد اللعب ، فليست السياسة إلا مصارعة الخصوم السياسين والحزبيين بالأفكار او القوانين في صيغة تنافس حول من يجلب التعاطف اوالأصوات او المقاعد .
كتاب الرأي