اعتبرت المحكمة التجارية بالدار البيضاء أن أغنية «خويي» من المصنفات الفنية المشمولة بحقوق المؤلف لصاحبها عبد القادر الراشدي، وورثته خاصة وأن هناك عقدا أبرمته لطيفة رأفت مع الشركة منتجة البرنامج الفني تنازلت بموجبه عن كل الحقوق المرتبطة بالأغنية، وهو ما يشكل مساسا بالحقوق الفنية لمورث المدعين.
هذا وحكمت المحكمة التجارية الاستئنافية بالدار البيضاء على لطيفة رأفت بأداء تعويض عن الضرر المادي والمعنوي محدد في مبلغ مليونين و416 ألف درهم.
لمناقشة هذه القضية المثيرة اتصلت "أنفاس بريس" بعبد الحكيم قرمان الخبير المهني المتخصص، رئيس الائتلاف المغربي للملكية الفكرية وأعد الورقة التالية:
علاقة بما قضت به المحكمة التجارية بخصوص ملف الدعوة التي رفعها ذوو الحقوق من عائلة الملحن الراحل عبد القادر الراشدي في مواجهة الفنانة المغربية لطيفة رأفت، على خلفية إقدام هذه الأخيرة على إدخال تعديلات فنية على الأغنية الشهيرة "خويي"، وتقديمها في عرض عمومي بإحدى القنوات التلفزيونية.
وهي الأغنية التي جمعت بين الثلاثي المقتدر: المؤلف الراحل أحمد الطيب العلج، الملحن الراحل عبد القادر الراشدي، وأداء الفنانة القديرة لطيبة رأفت أطال الله في عمرها، وهنا وجب التذكير بالتوضيحات التالية:
بداية، وبالاحتكام إلى القواعد القانونية المؤطرة لمضمون ومجالات ومدة الحماية المنصوص عليها في القانون 00.02، المعدل بالقانون 34.05 والمتمم بالقانون 79.12، فإن الأغنية (خويي) موضوع الدعوى، تعتبر مشمولة بالحماية القانونية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة وفقا للصيغة الفنية والتربية الأصلية (كما تم التصريح بها عند صدورها أول الأمر)، حيث يعتبر الملحن الراحل عبد القادر الراشدي والطيب العلج كاتب كلماتها، المؤلفين الأصليين للأغنية، بالتالي فهما من يملكان (الحقوق المادية والمعنوية معا). الأول مؤلفا بلحنه، والثاني مؤلفا بكلماته. وبالنسبة للسيدة لطيفة رأفت فهي المطربة التي أدت المقطوعة بصوتها، وهي بذلك تدخل في حكم "فنانة الأداء"، وتبعا لذلك، تنتج عن صفحتها تلك حقوقها (المادية فقط) من زاوية الحقوق المجاورة، المترتبة عن أدائها لكلمات ولحن محميين لمؤلفيهما الأصليين.
وتأسيسا على ذلك، فقد كان للراحل عبد القادر الراشدي، قيد حياته (وأصبحت لذوي الحقوق من أهله، طيلة 70 سنة بعد وفاته) كل الحقوق الاستئثارية على هذا المصنف (الأغنية)، أي أن له، أو لمن يقوم مقامه اليوم، حق الأبوة الحصري على المصنف من زاوية اللحن، بالتالي فليس لأي جهة كيفما كان وضعها ومساهمتها، ضمن المكونات المشكلة للمصنف المحمي، الحق بالتصرف أو تغيير أو تعديل أو إعادة توزيع العمل الفني الاصلي إلا بعد موافقة المؤلف الأصلي، إن كان حيا، أو بإذن من ذوي الحقوق من أهله.
ومن ناحية ثانية، فإن إقدام فنان (ة) الأداء الذي ساهم (ت) في بلورة أداء الأغنية بشكلها الأصلي لحنا وكلمات، كما صرح بهما لدى المكتب المغربي لحقوق المؤلفين، سواء بإدخال أي تعديل أو تشذيب أو تطوير سواء في اللحن أو في الكلمات، فإنه (ها) يضع نفسه (ها) بموجب القانون، تحت طائلة "التعدي" على حقوق المؤلف، ويتحمل الآثار القانونية والمادية الناجمة عن ذلك. كما أن تقديم "المصنف المحمي" بصيغة مشذبة أو منقحة او مزيدة، أمام الجمهور أو للعموم، يعرض الطرف المقدم على هذا الأمر، للمساءلة، لكونه (ها) يخرق حق الأبوة للمصنف، وهو حق معنوي أبدي لصيف بشخصية المؤلف، لا يسقط بوفاة المؤلف. ومن ثمة، يمكن مطالبة ذوي الحقوق من أهله بالتعويض وجبر الضرر في جانبيه المعنوي والمادي الذي لحق المؤلف، أو ذوي الحقوق القائمين مقامه.
أما بخصوص، الصخب والشنآن والأحاديث الكثيرة التي صاحبت هذه النازلة، ففي اعتقادي يوجد الكثير من الانزياحات والتأويلات المجانبة للصواب في هذا الاتجاه أو ذاك، وفي مجملها قراءات ذات أحكام قيمة، تحجب الانظار عن النقاش الموضوعي والقانوني الذي يفترض أن يفتح بناء على استقراء للوقائع ولحيثيات هذه النازلة بعيدا عن حصرها بالأشخاص. وبذلك فالموضوع في عمقه، يسائل مجمل مكونات العملية الإبداعية الفنية ببلادنا.
من جهة ثالثة، فمثلا هذه النازلة تسائل المنظومة القانونية والمؤسسية في بعدها التثقيفي والتحسيسي والمهني، في ارتباط بترقية الممارسات الجيدة من لدن الفاعلين والمتدخلين في العملية الإبداعية برمتها، وعبر تخليق المجال الثقافي والفني، وخلق آليات استشارية لمصاحبة الفنانين والمبدعين بالتأطير القانوني، وكذا مساءلة الهيئات المهنية عن مدى فعالية وجدية ومصداقية الترافع عن الأوضاع والشروط العامة والمحيط بعمل واشتغال المبدعين وعلاقتهم الشغلية مع الجهات والمخالفة.
ولذلك، فنحن في الائتلاف المغربي للملكية الفكرية، ركزنا كل جهدنا وأنشطتنا ومرافعاتنا الكثيرة طيلة الخمس سنوات الأخيرة، على جوانب التثقيف والتوعية ونشر ثقافة احترام حقوق الملكية الفكرية بكل أبعادها في الوسط الثقافي والفني، بالإضافة إلى الترافع عبر المؤسسات القضائية ومؤازرة ذوي الحقوق المعتدى على حقوقهم الأدبية والمادية.
ولكل ذلك، فإن قرار المحكمة التجارية القاضي بتغريم الفنانة لطيفة رأفت بمبلغ مادي كبير، كتعويض وكجبر للضرر الذي لحق بالملحن الراحل عبد القادر الراشدي، لا ينبغي النظر اليه فقط من زاوية أحادية، مفادها "انتصار المحكمة في ملف لطرف مطالب بحقوق في مواجهة طرف مدعى عليه.
إن الأمر أعمق من ذلك بكثير وأوسع معنى وإسقاطات مجتمعية بليغة. وهنا لا يسعنا إلا أن ننوه بالتراكم الملحوظ، خلال السنوات الأخيرة، في مجال التقاضي حول ملفات ونزاعات يرتبط موضوعها الأساس بحماية حقوق الملكية الفكرية في شموليتها، كما نسجل بارتياح تنامي البحث والدراسات الجامعية حول هذه المسألة الحيوية. لكن من جهة أخرى، نسجل بأسف كبير استدامة وتكريس الذهنيات والممارسات الماسة بمختلف الحقوق المرعية في مجال الملكية الفكرية، سواء من لدن الأفراد، أو المجموعات، بل وحتى بعض المؤسسات الخاصة والعمومية، لم تتطور بالشكل الملحوظ الذي تطورت به المنظومة القانونية والتشريعية ببلادنا في مجال المعايير المعتمدة.
وعلاقة بما سبق ذكره، فإن عددا من القضايا المعروضة على المحاكم حول ملفات ونزاعات بمضامين تمس الملكية الفكرية على أهميتها، كان بالإمكان معالجتها بشكل ودي، توافقي، تفاوضي بين أطراف النزاع، خصوصا إذا كان بعض هذه الأطراف او جلها، يحظون بمكانة اعتبارية وبتقدير كبير من لدن المجتمع، ولهم رمزية خاصة في الوسط الثقافي والفني، مثل ما وقع في ملف النزاع بين آل الراشدي والسيدة لطيفة رأفت.
وكان من الأجدر أن يقوم المكتب المغربي لحقوق المؤلف، باعتباره الهيئة المنوط بها حماية وتدبير الحقوق المادية والمعنوية للمبدعين، وتمثيلهم أمام الهيئات والمؤسسات الدولية المختصة او ذات الصلة بمجال حقوق الملكية الفكرية الأدبية والفنية والمجاورة.
لكن الواقع المؤسسي والتدبيري الراهن بالمكتب المغربي لحقوق المؤلف، لا يؤهله عمليا ومهنيا لذلك، بالنظر لعدد من الاختلالات البنيوية والممارسات والدهنيات السائدة.
وفي الأخير، يمكننا الدفع بمطمح الدعوة لجميع الشركاء المعنيين بالمجالس الفني التمثل ومضافرة الجهود، والعمل الجاد والمسؤول للخروج من "طقوس الحكي والفرجة" في تعاملنا مع ملفات ونزاعات "الملكية الفكرية" بمختلف صورها (وهي كثيرة ومتعددة)، نحول مباشرة الدولة عبر مؤسساتها التنظيمية والتشريعية والتدبيرية لإصلاحات جوهرية في القطاع الثقافي والفني، عبر إرساء آليات الحمامة الجيدة، وتخليق الممارسات، وتثمين الكفاءة والنزاهة وتعميق التوعية والتحسيس بأهمية الثقافة والفن في التنمية المجتمعية والبشرية وترقية الذوق العام للمجتمع.