الاثنين 25 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

عبد السلام انويكًة: حول سؤال العلائق والإيجابية في الوسط التربوي بالمغرب

عبد السلام انويكًة: حول سؤال العلائق والإيجابية في الوسط التربوي بالمغرب عبد السلام انويكًة

ثقافة سلطة وطاعة وتراتبية وإرادة راشد عبر قوة وعنف وعقاب وتخويف..، هي طبيعة علاقة عمودية كانت بين أسرة وطفل وبينه وبين مدرسة ومدرس في نهج تربوي تعليمي تقليدي، ما كان يروم أساساً واجب تقدير كبار من قِبل من هم صغار دون وعي بموقع هؤلاء كحاجات نفسية خاصة، تقتضي جملة قيم تجمع بين قدوة وسلوك وتأطير تواصل وتسامح وليونة وثقة ورضى..، وبقدر نجاعة هذا الأسلوب في ماضي واعتقاد الأسرة والمدرسة لتأمين إرثٍ ما وتحقيق قواعد وثوابت على مدى قصير، بقدر ما تبين افتقاره لاحقاً كمقاربة لكل قيمة ضمن مدى بعيد لدرجة نتائج عكسية، وأن العقاب مثلاً في نهج كهذا لا يكون سوى بأثر سلبي على مدى بعيد وفق ما انتهت اليه جملة دراسات علمية نفسية عصبية خاصة، ومن تمة حاجة الأسرة والمدرسة والفاعلين التربويين على حد سواء لورش تربية على ما هو ايجابية وسلوك حسن في الحياة، مع تنمية ثقافة وقيم تعاونٍ عبر تفاهمٍ وتواصلٍ وإكسابِ ما ينبغي من لطافة كذا استثمار ما هناك من تعدد ذكاءات.

ولعل من جملة ما تستهدف التربية على اللطافة  l'éducation bienveillante، موقعاً وسطاً في المدرسة عبر ما ينبغي من علاقات أفقية يتم فيها تثمين ما هو نفسي وجداني من حاجات متمدرسين، حتى لا تكون الغاية تحقيق طاعة ما ضمن علاقة ما مثلاً، بل بناءها في اطار تعاون واحترام بين "طفل" و"راشد" باعتبارهما كائنين انسانيين يتقاسمان قيماً مشتركة. وغير خاف ما كان من هاجس بحث للمدرسة والمدرسين والتربية والتربويين والتأطير والمؤطرين في الماضي، عن ثقافة وقيم وسلوك طاعة واحترام بشكل سريع دون رأي ولا وجهة نظر وفق ما يتماشى وينسجم مع وضع سسيو ثقافي كائن.

وإذا كانت هذه هي معالم تربية وتكوين ومن تمة طفل متمدرس صالح بين قوسين في نهج ماضي تربوي، ففي الوعي الحديث وعمل التربية على حسن السلوك والايجابية يتم اعطاء أهمية أكثر لِما يكتسب عبر سبل فهم وقناعة، مع آخذ حاجات الآخر النفسية بعين الاعتبار كما الطفل مثلاً دون إلزامه بأي سلوك، عبر اعتماد ما يسمح بتعاونه وخلق علاقات ثقة بينه وبين راشدين لبلوغ أهداف ما بعيداً عن كل ضغط وقوة وعنف وتخويف. ومن هنا فالتربية على الايجابية في الحياة وحسن السلوك والعلاقة تقوم على ما ينبغي من تثمين وتحفيز وبحث عن حلول وقدوة، وتجاوز كل عقاب يخص ما ينعت بالسلبي في سلوك أطفال متمدرسين بالبحث عن فهمه وتمثله لإيجاد حلول له، مع أهمية مصاحبة هؤلاء وحل مشاكلهم عبر تعاونهم وتعميق العلاقة معهم من أجل ما هو أفضل. ولعل التربية على السلوك الايجابي تقوم على علوم الانسان ومنها الدراسات النفسية العصبية التي كانت بأثر على أنظمة وأساليب التربية بالمؤسسات التعليمية، فالأبحاث العلمية التي توجهت بعنايتها لدماغ الانسان وأنشطة التعليم، بقدر ما اتسعت خلال العقود الأخيرة بقدر ما انتهت بنتائج هامة تخص التربية دون عنف.

وعلى أساس قيم كونية فإن لطافة تعامل وسلوك، كثيراً ما تروم حاجات نفسية من أجل انتماء ونشاط جمعي منسجم يستهدف حماية توازن وأمن وجداني فضلاً عن دعم وخدمة علاقات، تسمح بسلوكات من قبيل تعاون وصدق وتساهل وتسامح وتضامن ومسؤولية وثقة واخلاص...، وغير خاف ما عرفته قضية السلوك من تناول خلال السنوات الأخيرة، ذلك أن الأمر يخص سؤال واقع تسامح وتجاوز في الوسط المدرسي وايجابية ووضع لا عنف. وإذا كانت الدراسات العلمية النفسية تقول بكون الايجابية ولطافة السلوك تقوم على حاجات وجدانية أساسية، فإن الايمان بقدرة الأطفال المتمدرسين على التعلم يعد أساس كل عملية تعليمية، وأن بإمكان المدرسين أن يكونوا بتأثير وأثر على هؤلاء الذين يرتبطون بموارد وصعوبات ونسبة تطور خاصة.

وإذا كان السلوك الايجابي في الوسط المدرسي نتاج عيش ممتد في الزمن وجزء من إرث انسان وثقافة، ففي بعده الحديث يروم البحث عن حلول وبناء علاقات على أساس احترام متبادل وتعلم مهارات عيش وتطوير كفايات وثقة في النفس، لمعرفة سبل تدبير وضعيات ومواقف صعبة وفق ما ينبغي من تعاطف واحترام ذاتٍ وآخرَ ولا عنف. وعليه، فإن التربية على سلوك ايجابي تعاوني تطرح على التربويين عموماً جملة أدوات من شأنها تعديل تقاليد قائمة، من خلال تربيةِ ناشئةٍ متمدرسة على كفايات حياة وفق ما يقوم على احترام حاجات طرفين "أطفال" و"راشدين".

ولعل من جملة ما ينبغي اكسابه للمتمدرسين سبل عيش حسب وجدانهم وعواطفهم مع تعبير عنها بطرق محترمة في محيطهم، فضلاً عما يحتاجونه من مصاحبة دون اشعارهم بالخوف من الخطأ، وفضلاً عن قدرة تحديد ما يختفي من حاجات وراء سلوكات صادرة مثيرة للسؤال بالوسط المدرسي. كل ذاك من أجل اعتماد مبادئ سلوك ايجابي في المعالجة عوض ما هو عنف، ليبقى المهم والأهم اعادة نظر في علاقة ما قائمة بين آباء ومدرسين وتربويين ومؤطرين من جهة وبين متمدرسين من جهة ثانية، لتجاوز حاجز تقاليد سائدة واعتقادات مجتمعية صوب تربية مؤسسة على سلوك ايجابي.

 إن التربية على السلوك الحسن تسمح للمتمدرسين بكفايات حياة، وبالتالي سبل تعليم مدرسين وترويين ثقة هؤلاء في أنفسهم، فمع كل تقدم يحققونه يصبحون كائنات حية وجدانية ايجابية أكثر قدرة على التفكير، قادرين على اتباع قواعد وفي نفس الوقت تقويمها عارفين بسبل تدبير اخفاقات واحباطات، مع سير وتفاعل بثقة في الحياة وقدرة على مواجهتها لتحقيق تطلعات دون اكتراث بأحكام آخرين. من هنا فإن التربية على الايجابية في الحياة ولطافة سلوك وعلاقة وتعاون وتفاهم، هي دعوة للاشتغال على الذات كآباء ومدرسين ومؤطرين ومدبرين، وعلى وجدان جمعي ودرجة ثقة في المستقبل من أجل نماء وناشئة، كذا على ما هو إرث ثقافي وأسلوب تواصل كأفق وتطوير ذاتي من شأنه أن يسهم في تحقيق أهداف منشودة، ولعل هذا الورش من الاشتغال والتغيير الذي ينبغي أن يشمل جملة واجهات منها الأسرة والمدرسة والعمل والعلاقات مع الآخر...، ليس قضية اختيار تربوي بل خيار حياة.

 يذكر أن السلوك الايجابي في التربية والتكوين، تيار تربوي نشأ في الولايات المتحدة الأمريكية خلال تسعينات القرن الماضي تأسيساً على أعمال عالمة النفس Jane Nelson، وقد بلغ هذا التيار فرنسا قبل عدة سنوات بفضل عالمة النفس الاكلينيكية الفرنسية Beatrice Sabaté التي كيفت دراسات "جان نيلسون" مقترحة تكوينات للأسر ومؤسسة لجمعية فرنسية للسلوك الايجابي. ولعل التربية على الايجابية في الحياة والسلوك، تشكل خطة عمل لتسهيل ومرافقة عيش جماعي بتركيزها على المتمدرسين من الأطفال وعلى محيطهم وتنشئتهم، مقاربة تتوجه لكل الآباء والتربويين والمدبرين والمؤطرين واضعة ما هو تحفيز وتشجيع في قلب العلاقة الكائنة بالوسطين التربوي والمدرسي، وعياً بأن تربية الناشئة وتأهيلها ورش هام لبناء راشدين ومن خلالهم مستقبل مجتمع ونساء ورجال غد.

إن كل ما يتأسس على دعمٍ وتحفيزٍ واقناعٍ وقدوةٍ وتعميق ثقةٍ..، هو تربية على سلوك ايجابي وحُسْن ولطافة علاقة، ما يروم جعل الناشئة أكثر مسؤولية واستقلالية وتفتحاً. وكان هذا الأسلوب التربوي كمفهوم قد انتشر من خلال ما حصل من اهتمام حول أهمية الحوار دون عنف، مقاربة اهتمت أساساً بالأفراد مركزة على ما هو نفسي وجداني، بحيث من المفيد فيها التواصل انما دون أحكام مسبقة حول الآخر ودون عنف. ولعل الثقة هي قلب أي سلوك ايجابي وحسن علاقة من أجل حسن انصات وتشجيع واستجابة، ولسيت هناك طريقة خاصة يمكن اتباعها في هذا النهج التربوي فقط نصائح ذات أهمية منها تجنب السلبية.

ولعل التربية على الايجابية والسلوك الحسن..، تقتضي انتماء الى جماعة ما وحاجة ما وتواصل وتبادل للرأي وفق ما ينبغي من احترام، كذا وعي بكون العقاب رؤية بمدى قصير وأن كل سلوك له سبب وجود. ولتنزيل ورش تربية ايجابية وثقافة لطافة من المفيد تحقيق تواصل قبل أي تصحيح مع وجود علاقة وثقة، كذا وعي بالخطأ كأداة اكتساب وإغناء مع أخذ الوقت لإعادة تواصل مع الذات، فضلاً عن طرح أسئلة تهم حب استطلاع وأخيراً بناء عنصر ثقة.   

من أجل هذا وذاك من رهان رمزي وتطلعات في المدرسة المغربية فضلاً عما هو مادي، وفي اطار تعاون مغربي أمريكي يروم تجويد سلك التعليم الاعدادي والثانوي عبر مشروع المؤسسة وتحسين بنية داعمة  للتعلم، مع رفع قدرات وكفايات الأطر الادارية والتربوية من أجل مهَمة وانخراطٍ أوسع فيما هو منشود من أهداف. كانت مدينة فاس بداية فبراير 2021 على موعد مع أشغال تكوين مكونين، استهدفت مؤطرين تربويين عن الأكاديمية الجهوية لتربية والتكوين ومكونين باحثين عن المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بجهة فاس مكناس. وبقدر ما توزعت أشغال تكوين المكوين هذه على محاور بطابع بيداغوجي ديداكتيكي، بقدر ما استحضرت ضمن أفق آخر أهمية تجديد معارف ومهارات وتحسين أساليب تدخل في تربية وتعليم وتكوين وتأهيل متمدرسين، من خلال محاور ومجالات بطبيعة عرضانية ذات بعد قيمي انساني سلوكي علائقي تفاعلي، كما بالنسبة للتربية على اللطافة وحسن العلاقة والسلوك الايجابي.

ولعل هذا المحور في عُدة تكوين المكونين الذي أطرته الباحثة في علوم العلاقات الانسانية والتفاعل البيني المؤسساتي دة. فوزية مسعودي، يشكل موضوعاً على قدر عالٍ من الأهمية والقيمة المضافة والرهنية لفائدة الأطر الادارية والتربوية. مع أهمية الاشارة الى أن التربية على البعد الايجابي في الحياة وقيم الحُسن والتواصل والتعاون والتقاسم والتفاهم..، لا تزال مساحة بدون ما هو كافٍ وشافٍ من عناية وموقع في مجال التكوين الأساس للأطر والتكوين المستمر. وغير خاف عن تربويين ومهتمين بمنظومة بلادنا التربوية ما هناك من اشارات حول أهمية ورهان التربية على الايجابية والسلوك الحسن في الوسط المدرسي والتربوي المهني، مثلما ورد في الميثاق الوطني للتربية والتكوين كذا تقارير المجلس الأعلى للتربية والتكوين، فضلاً عما احتوته مذكرات وزارية عدة ومعها دلائل ومشاريع تربوية وغيرها.

  يبقى وعياً بقيمة الانسان في حد ذاته ووبما هناك من علاقة للسلوك بمنظومة القيم، ووعيا بدرجة تطور الوعي بمكانة الانسان والمؤسسات وطبيعة ما هو كائن من علاقات، ووعيا أيضاً بكون تنمية السلوك الايجابي بات حاجة ملحة لترسيخ علاقات أكثر مسؤولية بين الجميع كل من موقعه أفراد ومؤسسات ومجتمع. يبقى وعياً بكل هذا وذاك أهمية الرهان على ما يمكن أن تسهم به المدرسة والأثاث المدرسي في هذا المجال، كذا الايمان بما يمكن أن تسهم به التربية على اللطافة وحسن العلاقة والسلوك الايجابي ، على مستوى ما هو تربية وتنشئة فضلاً عن تنمية ثقة ومواقف وسلوك حسن وتواصل وتضامن وتسامح وتقدير وايجابية علائق. 

 مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث