لعلنا لسنا في حاجة إلى سكب مزيد من المداد لوصف بؤس الحال ومظاهر التقهقر والتدهور التي أصبحت بادية لكل مهتم بقضايا مغاربة العالم على كل المستويات، فكل المؤشرات توحي أن التقدم ما زال محصورا وصوره محكومة بعدة اختلالات رغم بعض المحاولات التي تظهر بين الفينة والأخرى لتحريك مياه راكدة لم تجد طريقها إلى التصريف بسبب عقليات لازالت تنظر إلى الحاضر والمستقبل بإرث الماضي فتجدها تتحين الفرص وترصد الغنائم فتسعى من خلال تحركها لتحقيق " التثبيت الذاتي".
وقد دعانا هذا الحال إلى الكتابة ليس لإبراء الذمة فقط،، ولكن للمساهمة برأينا حول مسألة انتشرت بسرعة البرق وأصبحت مادة دسمة وموضوعا هاما للنقاش والكتابة على حد سواء، فأضحت المشاركة في المؤسسات لمغاربة الخارج ذات أسبقية وأولوية راهنية تفرض ذاتها ،نتيجة التحولات الديمقراطية التي تعرفها البلاد رغم تعثرها أحيانا فرصة ثمينة لبعض الفاعلين لاكتشاف وإعادة اكتشاف دور المجتمع المدني سيما بعد ظهور فاعلين جدد لعبوا إلى عهد قريب أدوارا طلائعية ووظائف داخل المنظمات المدنية.
وقد أدى هذا الظهور إلى خلط الأوراق من جديد وبداية مرحلة جديدة قوامها إنهاء حالة الاحتكار الذي ظل الحقل الجمعوي يمارسه ويقدم نفسه معبرا عن طموحات المهاجرين المغاربة لأزيد من عقدين من الزمن على الأقل كما يراه البعض رغم محدودية وضعف مردوديته بإجماع الآراء.
ومهما كان الاختلاف حول تقييم أداء المجتمع المدني في الخارج ، وتباين وجهات النظر حول ممارساته ومطالبه التي لم تتجاوز النمو المادي والخدماتي فلم يتمكن من ابتكار أشكال مستحدثة من الاحتجاج والضغط قصد الرقي بوعي المواطن تنظيما ومشاركة في صناعة القرار السياسي ببلده،فما كان إلا أن بدأت ترسم فضاءات جديدة وقواعد لعب أخرى ليس آخرها ظهور ما سمي تنسيقية الأحزاب السياسية بالخارج التي أثارت نقاشا كبيرا حول شرعية تواجد الأحزاب السياسية ببلدان الإقامة أولا ومشروعية ترافعها عن قضايا الجالية ثانيا .
إن حدا أدنى من الموضوعية يقتضي القول أن لا أحد في ظل وضع التشتت والانتشار الواسع والكبير للجالية التي تزيد عن خمسة ملايين وفي أكثر من مائة بلد أن يدعي تمثيليته، لكن من باب الجحود القول أيضا أنه ليست هناك أشكال تنظيمية تسعى إلى هذا الغرض ومن ضمنها هذه الأحزاب السياسية التي تستمد قانونية حضورها من أمرين اثنين:
-الأول أن الأصل في علوم القانون الإباحة في الأشياء ما لم يرد بتحريمه أو منعه نص صريح، ولذا فليس هناك في القانون الأوروبي ما ينص على خلاف ذلك.
-الثاني هو ما نقرأه في قانون الأحزاب السياسية المغربية في المادة الثانية :
يعمل الحزب السياسي، طبقا لأحكام الفصل 7 من الدستور، على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية وفي تدبير الشأن العام. وبما أن المواطن في الخارج في أمس الحاجة إلى التكوين والتطوير فإن وجود الأحزاب السياسية هي ضرورة إن لم نقل واجب بحكم ان المشاركة في الانتخابات ومجالس الحكامة تمر عبر الانتماء لهذه الأحزاب وأن تمويلها،أيضا، هو من دافعي ضرائب المواطنين المغاربة.
هذا طبعا من الناحية المبدئية أما تصرفات وسلوك هذه الأحزاب فيبقى تقييمها قابلا للنقاش كما هو حال خطوة تحرك التنسيقية التي كان سقف توقعاتها أكبر من حجمها خاصة وأن الأمر يتعلق بمشاركة مغاربة العالم في واحدة من المؤسسات السيادية والحاسمة في رسم معالم السياسة بالبلاد وفق الوثيقة الدستورية وكذا زمان هذا التحرك الذي يثير الشك والريبة ،هذا ناهيك على أن هذه الأحزاب هي نفسها من تقود الجهاز التنفيذي في المغرب والمخولة بتنزيل مضامين الدستور واحترام تصريحاتها عند بداية كل ولاية تشريعية.
خلاصة القول: أن هذا التحرك سبقته تحركات أخرى كحركة "دبا 2012" وما بعدها دون نتائج تذكر وهذا يبرز استمرار الأسلوب المخزني المحكوم بالتحكم في كل المبادرات السياسية وفي اختيار قواعد اللعب لوحده فيما يظل المجتمع المهاجر ينتج معارك هامشية وتوترات تزيد من ترهله وتراخيه وتظل"النخبة" أيضا تميل فقط مع هبوب رياح السلطة لتوهم الجميع أن حالها بخير وهو ما دفع التنسيقية إلى الاكتفاء بلاغها اليتيم الذي جاء بلغة خشبية وأبان أن الحاجة إلى فتح طريق جديد يعتمد التفكير الجماعي والعقلاني المتسم بالموضوعية لإعادة النظر في علاقة الدولة بالمجتمع المهاجر، ليتوجه إلى الجوهر ولا يمس فقط القشور علاقة يجب أن تتجاوز منطق الهيمنة وعدم الثقة في الكفاءات المغربية التي تعتبر مخزونا هاما من القيم يمكن الاستفادة منها في تأطير المواطنين وإصلاح ما أهلكه النفاق السياسي بتسهيل عملية ولوجها إلى كل مؤسسات الدولة من خلال إطار مناسب وإجراءات قانونية وتنظيمية بعيدة عن المحاصصة وعن الريع الذي ينخر هياكل البلاد.
عبدالله جبار، باحث في قضايا الهجرة