الجمعة 19 إبريل 2024
اقتصاد

محمد الديش: لابد من ملاءمة المشاريع والبنيات والمخططات مع خصوصيات المناطق الجبلية

محمد الديش: لابد من ملاءمة المشاريع والبنيات والمخططات مع خصوصيات المناطق الجبلية محمد الديش: قساوة الطبيعة في المناطق الجبلية والساكنة يعنون بصمت

ينتقد محمد الديش، رئيس الائتلاف المدني من أجل الجبل، الإجراءات اللحظية لمواجهة قساوة المناخ في المناطق الجبلية؛ مطالبا بضرورة ملائمة مشاريع البنيات التحتية مع خصوصيات هذه المناطق؛ معتبرا تشييد البنيات التحتية دون استحضار هذه المعايير هدرا للمال العام. وقال الديش بأن ميزانيات المجالس الجهوية تركز بشكل أكبر على المناطق المنبسطة والمدن الكبرى، وهو ما يشكل إقصاء واضحا للمناطق الجبلية التي تعاني ساكنتها في صمت.

 

+ لماذا يتم التعامل مع التساقطات الثلجية والتساقطات المطرية القوية بهذا الشكل الجنائزي في المغرب خلافا لبلدان أخرى، حيث يتم الاحتفاء بتساقط الثلوج في أجواء يطبعها الفرح والانشراح؟

- فعلا.. الخطاب الرسمي للحكومة هو خطاب جنائزي في ما يتعلق بالتساقطات المطرية والثلجية، ويظهر نوعا من الإحساس بالذنب من طرف مختلف الحكومات المتعاقبة التي لم تقم بالدور المنوط بها لتحسين شروط عيش ساكنة المناطق الجبلية، وهي تحاول التغطية على هذا العجز من خلال هذا البكاء، ومن خلال محاولة الظهور في وسائل الإعلام من خلال ما تعتبره لجان يقظة لمواجهة أو استباق العواصف الثلجية  خلال فصل الشتاء، علما أن المناطق الجبلية تظل مناطق مهمشة ومقصية من كل السياسات العمومية، ولا تتوفر لها الخدمات الضرورية مقارنة مع بلدان من نفس مستوانا التنموي.

 

+ في هذا الإطار هناك من يرى أن بعض الحملات الموسمية ذات الطابع الاجتماعي، ما هي إلا أقراص مهدئة، مطالبين بتعزيز البنيات التحتية لإخراج المناطق الجبلية من دائرة التهميش، ما رأيك؟

- تماما.. الأمر يتعلق بإجراءات لحظية مؤقتة، يكون فيها الخطاب أكثر من العمل، وتكون فيها اجتماعات اللجان أكثر من التدخلات الفعالة في الميدان، وهذا كله خطاب للتهدئة ومسكنات للمطالب المشروعة لساكنة ذنبها الوحيد أنها ارتبطت بالمجالات الجبلية التي عاشها فيها أجدادهم، والتي تعتبر جزء من الوطن، ولها خيراتها، ففصل الشتاء يمكن أن يشكل لحظة فرح لساكنة المناطق الجبلية وليس فقط لفائدة زوار هذه المناطق الذين قد يأتون لزياتها ليوم واحد من أجل الاستمتاع بالتساقطات الثلجية أو ممارسة رياضة التزحلق على الجليد، عبر توفير الشروط الضرورية لمواجهة قساوة المناخ.

 

+ لكن لماذا يتم تسليط الضوء على دور الحكومات فقط في هذا الإطار؟ وماذا عن دور المجالس المنتخبة وضمنها مجالس الجهة التي أضحت تتمتع بصلاحيات قوية من أجل النهوض بأعباء التنمية؟

- ملاحظة وجيهة.. المجالس المنتخبة لها أدوارها، وخاصة مجالس الجهات التي تتمتع حاليا بصلاحيات واسعة، وقد كنا دائما نقول إنه كان لنا رهان كبير على الجهوية الموسعة فهي الوحيدة القادرة على وضع مخططات عن قرب لفائدة المناطق التابعة لها، علما أن 9 أو 10 جهات كلها معنية بشؤون المناطق الجبلية، لكن للأسف فميزانياتها تركز بشكل أكبر على المناطق المنبسطة والمدن الكبرى، وهي تحاول تبرير ذلك بوجود حاجيات أكثر إلحاحا في هذه المناطق، لأنها تضم كثافة سكانية، وتضم مواطنين يطالبون بحقوقهم بشكل أكبر، خلافا لساكنة المناطق الجبلية التي تعاني في صمت، وبالتالي فمن المطلوب من المجالس المنتخبة الاضطلاع بالأدوار التي تدخل في صلاحياتها مثلا المجالس الإقليمية مطلوب منها تشجيع التمدرس عبر مشاريع النقل المدرسي.. وإذا لم تكن الميزانيات متوفرة من حقها الترافع من أجل الرفع من مواردها المالية، والمجالس الجهوية يفترض فيها التخطيط وبرمجة مشاريع للنهوض بالمناطق الجبلية، ويمكنها أيضا الترافع من أجل توفير ما يكفي من شروط العمل، وتوسيع صلاحياتها من أجل الاستجابة لمتطلبات المواطنين. وسأعطيك مثال من جهة فاس-مكناس، حيث تقدمنا كمواطنين بعريضة أطلقنا عليها عريضة بويبلان. وبالمناسبة فبويبلان كانت تضم محطة للتزحلق على الجليد، تعد من أقدم المحطات خلال فترة الحماية الفرنسية، لكن تم إغلاقها، وملجؤها الوحيد الذي يمكن أن يستفيد منه الممارسون للرياضات الشتوية تعرض للتهميش، وهو حاليا يتعرض للانهيار يوما بعد يوم. وقد تقدمنا بمشروع قطب سياحي مندمج تستفيد منه أزيد من 52 جماعة ترابية تنتمي لثلاثة أقاليم (تازة، بولمان، صفرو) يكتسي أبعادا سياحية، بيئية، إذ إيكولوجية.. لكنه للأسف رفض المشروع بذريعة أن المشروع لا يدخل في صلاحيات الجهة، وغير مدرج في مخطط التنمية، علما أن خبراء في القانون وأعضاء بمجلس جهة فاس- مكناس أكدوا لنا خلال ندوة عقدناها آنذاك أن المشروع يدخل في الصلاحيات الذاتية للجهة، وبالتالي فأنا أقول إن العيب لا يكمن في الائتلاف المدني من أجل الجبل، بل العيب يكمن في مخطط التنمية الذي وضعته جهة فاس- مكناس، حيث أن الدراسة المتعلقة بهذا المخطط لم تراع هذا المجال، ومن هنا أقول إن المجالس المنتخبة لا تعاني من فقر مالي فقط، بل أيضا من ضعف في التخطيط وفي التفاعل مع الأفكار والمشاريع التي يطرحها المواطنون والمواطنات.

 

+ البعض يقول إن من جملة المشاكل التي تعاني منها المناطق الجبلية هو أن المشاريع التي تبرمج في هذه المناطق لا تراعي خصوصياتها المجالية، وهو الأمر الذي يتسبب في هدر الأموال العامة في مشاريع فاشلة، واستمرار معاناة ساكنة المناطق الجبلية من التهميش والإقصاء؟

- من جملة مطالبنا سواء التي ضمناها في المذكرة أو في مقترح قانون الجبل هو ملاءمة المشاريع والبنيات والمخططات للمجال الذي ستقام فيه، فلا يعقل أن تقام البنيات التحتية بأنفكو أو طاطا أو تازة بنفس المواصفات التي تنجز بها في الرباط. وللأسف هناك تصميم نموذجي للمدارس يتم تعميمه على مختلف المناطق المغربية، ولهذا نحن نطالب ببناء مدارس ومنشآت اجتماعية وطرق تتناسب مع معطى المناخ ووعورة التضاريس في المناطق الجبلية، علما أن البنيات التحتية التي أنجزت بالمناطق الجبلية في عهد الحماية تم إنجازها وفقا للمواصفات المطلوبة، فهي تحافظ على الحرارة وتقاوم عوامل التعرية، وتسربات مياه التساقطات المطرية، في حين نجد أن المدارس التي تنجز حاليا لا تكاد تمر عليها مدة عام حتى تسجل فيها تسربات للمياه، وشقوق في الجدران.. طبعا الأمر يعود الى الغش، بالإضافة الى غياب الملائمة من جهة فلا يعقل أن يتم اعتماد نفس التصميم المعمول في الدار البيضاء في الحسيمة وميدلت وبولمان وغيرها، كما أن الطريق التي يتم تشييدها في المنبسط لا يمكن أن تكون بنفس مواصفات الطرق في المناطق الجبلية سواء من حيث سمكها أو نوعيتها.. وبالمناسبة فقد سبق لأحد الوزراء أن تحدث معنا عن كلفة المتر المربع في المناطق الجبلية، والتي اعتبرها مكلفة مقارنة مع كلفتها بالمنبسط ونفس الأمر بالنسبة لكلفة للمستوصف وغيره من المنشآت. ولكن دعونا نفكر في كلفة عدم إنجاز المستوصف في المناطق الجبلية، فعواقب عدم التدخل تكون أكثر كلفة في هذه المناطق بسبب عدم إنشاء مستوصف لإنقاذ النساء الحوامل أو رعاية الشيوخ والأطفال، حيث تتفشى الأمراض، كما أن كلفة عدم بناء المدارس تكون مضاعفة نتيجة تفشي الجهل في الزمن والمكان.. إذاً، هذه هي المواصفات التي يفترض في واضعي المخططات في البلاد مراعاتها...