السبت 20 إبريل 2024
سياسة

رشيد لبكر: التصاميم الجهوية لإعداد التراب هي البرنامج المستقبلي للتنمية

رشيد لبكر: التصاميم الجهوية لإعداد التراب هي البرنامج المستقبلي للتنمية رشيد لبكر

صادقت الحكومة، مؤخرا، على مرسوم وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، يحدد كيفية إعداد التصميم الجهوي لإعداد التراب؛ والذي يقتضي استطلاع رأي اللجنة الوزارية لإعداد التراب الوطني، في شأن توجهات السياسة العامة لإعداد التراب.

"أنفاس بريس" ناقشت الموضوع مع رشيد لبكر، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بسلا جامعة محمد الخامس بالرباط، ضمن الحوار التالي:

 

+ صادقت الحكومة مؤخرا على مرسوم لوزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، حول كيفية "إعداد التصميم الجهوي لإعداد التراب"؛ وما يقتضيه الأمر من استطلاع رأي اللجنة الوزارية لإعداد التراب الوطني،  فما هي مكونات هذه اللجنة؟

- بالفعل فقد صادق مجلس الحكومة  مؤخرا على مشروع المرسوم القاضي بإحداث لجنة وزراية لإعداد التراب الوطني، تفعيلا لمقتضيات المادة 2 من المرسوم رقم 2.17.583 الصادر في 28 شتنبر 2017 بتحديث مسطرة إعداد التصميم الجهوي لإعداد التراب وتحيينه وتقييمه. ومعلوم أن هذه المادة، كانت قد نصت على إسناد مهمة إعداد التصميم الجهوي لإعداد التراب، إلى السلطة الحكومية المكلفة بإعداد التراب الوطني، والتي هي وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، مع مراعاة الإطار التوجيهي للسياسة العامة لإعداد التراب، والذي تشرف على وضعه -حسب نفس المادة- هذه اللجنة التي جاء الآن هذا المشروع بالتنصيص على إحداثها وتأليفها وكيفية تسييرها. فمن المهام الأساسية لهذه اللجنة، إذن، وضع التوجهات العامة لسياسة إعداد التراب المعتمدة على المستوى الوطني على أن تقوم السلطة الحكومية بإعداد التراب بتبليغها لكل الجهات عن طريق والي الجهة، من أجل الاهتداء والالتزام بما تضمنه من توجيهات عند اعتكافها على إعداد مشاريع تصاميمها الجهوية لإعداد التراب. وذلك كله، من أجل توحيد الرؤية وضمان الالتقائية بين جميع المكونات الجهوية، عن طريق الإنزال الأمثل لمضامين هذا الإطار التوجيهي على مستوى كل الجهات، ومن تم توفير سبل التنسيق الموضوعي والفعال بين السياسات العمومية وكافة المتدخلين على الصعيد الترابي، بما يضمن وحدة الرؤية الانسجام والفعالية بين شتى المتدخلين. وعلى هذا الأساس، فإن من المفروض أن تضمن هذه اللجنة التمثيلية في عضويتها، لكل القطاعات الحكومية المعنية بالتنزيل الترابي على المستوى الجهوي، فهي لجنة متعددة الاختصاصات بتعدد مجالات التدخل العمومي على الصعيد الجهوي من تعليم وصحة وتجهيز ونقل وخدمات وصناعة وبيئة وغيره. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هذه اللجنة الوزارية أتت لتخلف "اللجنة الوزارية المختلطة لإعداد التراب الوطني" التي سبق أن أحدثت بمقتضى المرسوم الملكي المؤرخ في 06 غشت 1968، وكانت في البداية يرأسها الملك شخصيا، وتضم في عضويتها مختلف الوزراء المعنيين بسياسة إعداد التراب الوطني، وكانت تستهدف دون الدخول في التفاصيل، سن طريقة جديدة في التنمية تدعى الإعداد الإنمائي للتراب الوطني، تتوخى بالأساس إيجاد تنسيق فعال بين أعمال مختلف الوزارات فيما يرجع للحصول على المعلومات ولتنفيذ المشاريع، على هذا الأساس، يمكن القول، إن هذه اللجنة تأسست طبقا للمفهوم الجديد للتخطيط  الذي عرفه المغرب آنذاك، حاول من خلاله، دمج المتغير المكاني (الجهوي أو المحلي) قصد إرساء تخطيط يمكن من إعادة التوازن بين الجهات، ويضمن نموا متوازنا لها، وتبعا لذلك، فقد كلفت هذه اللجنة برسم الخطوط العريضة لسياسة التهيئة الترابية والعمل على التنسيق بين مختلف المصالح على الصعيد الجهوي. والواقع أن هذه اللجنة على الرغم من أهميتها والطموحات التي علقت عليها، فإنها لم تعرف الطريق الصحيح في ممارسة مهامها، بل إن هذه اللجنة لم يكن لها إلا وجود نظري، اللهم اجتماعها الوحيد الذي عقدته سنة 1971 عندما دعتها الضرورة للنقاش حول الخطوط الأولى التي يجب اتخاذها لصالح المشروع الجهوي لسنة 1972. وهو  الأمر الذي استدعى إصدار مرسوم آخر بعد النقاش الوطني الذي عرفه المغرب بداية سنة 2000 كان من نتائجه، تغيير إطار عمل هذه اللجنة، حيث أصبح يرأسها الوزير الأول بدل جلالة الملك، لغاية التسريع في وتيرة عملها، مع ذلك، يمكن القول، إن سياسة التراب بالمغرب، ظلت في حالة تيه دائم، بين إلغاء مرسوم وصدور آخر.. ولحد الساعة، ما زالت لم يستقر وضعها على قرار، ولعل هذا من بين أسباب التعثر الذي تعرفه السياسة الجهوية، بل والترابية بالمغرب، المطبوعة بالتشرذم في الاختصاص، وكثيرة المتدخلين وغياب الحكامة. وأشير في هذا الباب أيضا، أن المرسوم الأخير، الذي نحن بصدد الحديث عنه الآن، أتى أيضا تفعيلا لمقتضيات القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات ولاسيما المادة 89 منه، الذي سعى إلى تمكين مجالس الجهات من آليات قانونية وتشاورية تمكنها من بلورة رؤية استشرافية للتهيئة الترابية، من خلال انجاز تصاميم جهوية لإعداد التراب يمتد أثرها على مدى لا يقل عن 20 سنة ومستلهمة مضامينها من إطار مرجعي واحد، أوكل المرسوم الجديد إلى هذه اللجنة الوزارية أمر وضعه والإشراف عليه، هذا شيء مهم وإيجابي.. ولكن الأهم الآن هو ما سيسفر عنه من نتائجه، وكيف سيكون تفعيله على أرض الواقع، كمتتبع، أرجو أن يشكل قيمة مضافة ونهاية سير، وليس مجرد محطة جديدة في طريق طويل لا نعرف متى سيؤذن بنهايتها.

 

+ وما هي طبيعة رأي هذه اللجنة، وهل هو رأي تقريري أم استشاري؟

- المرسوم يقول إن دور هذه اللجنة سيتمثل في خلق إطار مؤسساتي للتشاور والتنسيق بين مختلف القطاعات الوزارية حول الأوراش الكبرى المفتوحة في ميدان التنمية وإعداد التراب، وذلك وفق مقاربة تشاركية كفيلة بضمان تعزيز التنسيق الانسجام بين السياسات والبرامج القطاعية على صعيد كافة المجالات الترابية. ويضيف بأن اللجنة تقوم بـ ”إبداء الرأي في شأن توجهات السياسة العامة لإعداد التراب على المستوى الوطني، وكذا إبداء الرأي في شأن مشروع الإطار التوجيهي للسياسة العامة لإعداد التراب الوطني على مستوى الجهة، إذن فالمرسوم واضح بهذا الخصوص، ولعل هذا التنصيص مستلهم .من مضمون المادة 2 من المرسوم رقم 583-17-2 صادر في 7 محرم 1439 (28 شتنبر 2017) بتحديد مسطرة إعداد التصميم الجهوي لإعداد التراب وتحيينه وتقييمه، الذي ينص على أن هذا التصميم، يتعين إنجازه من طرف وزارة إعداد التراب مع مراعاة الإطار التوجيهي للسياسة العامة لإعداد التراب بعد استطلاع رأي اللجنة الوزارية  المعنية، وأخذا بعين الاعتبار التنزيل الأمثل للسياسات القطاعية الحكومية على مستوى الجهة، كما أن المادة 9 من نفس المرسوم، تشير إلى أن مشروع التصميم وبعد أن ينهي جميع مراحل صياغته، يقوم رئيس مجلس الجهة بعرضه على اللجنة الدائمة المكلفة بإعداد التراب لدراسته، ثلاثين (30) يوما على الأقل قبل تاريخ عقد المجلس للدورة العادية أو الاستثنائية المخصصة للمصادقة عليه. إذن فدور اللجنة هو الدراسة والتقويم والاستشارة وأبداء الرأي، أما المصادقة  فتبقى للمجالس الجهوية.

 

+ يتم الحديث في رأي اللجنة عن مشروع الإطار التوجيهي للسياسة العامة لإعداد التراب الوطني على مستوى الجهة؛ فما هي محددات ذلك؟

- كما جاء في البلاغ الصادر عن لوزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، فإن الغرض الأساسي من إحداث لجنة وزارية لإعداد التراب الوطني، يتمثل في خلق إطار مؤسساتي للتشاور والتنسيق بين مختلف القطاعات الوزارية حول الأوراش الكبرى المفتوحة في ميدان التنمية وإعداد التراب، وذلك وفق مقاربة تشاركية كفيلة بضمان تعزيز التنسيق والانسجام بين السياسات والبرامج القطاعية على صعيد كافة المجالات الترابية بما يساهم في تحقيق الالتقائية المنشودة تفعيلا للتوجيهات الملكية السامية في هذا الشأن. من هنا يمكن القول، بأن هذا الإطار التوجيهي، هو بمثابة الدستور الترابي، الذي يتعين على كل التصاميم الجهوية، التقيد بمضامينه، والتقيد بتوجهاته الكبرى، ضمانا للالتقائية المطلوبة بين مختلف الجهات الاثنا عشر المتواجدة ببلادنا.. فلا غرو، إذن، أن يتضمن هذا الإطار التوجيهي، وجهة نظر اللجنة الوزارية لإعداد التراب الوطني المتعددة القطاعات والتخصصات، في مختلف القضايا التي تهم التراب الوطني، والتي يتعين إنزالها من طرف كل الجهات، حسب خصوصية أي جهة، ولكن دون تجاوز لحدود الرؤية الترابية المؤطرة وطنيا من طرف هذه اللجنة الوزارية، التي تتمركز عندها كل الرؤى وتبلورها في إطار خطة واحدة مندمجة ومتكاملة، فإذا كانت رؤية كل جهة منحصرة في حدود مجالها الجهوي، فالمفروض في هذه اللجنة، أنها "التيرموميتر" الذي تتمركز عنده كل الرؤى، ويطل على الجهات وفق منظور واحد وشامل لكل أجزاء التراب الوطني، لذا، من الطبيعي جدا، أن يكون من بين مهامها: إبداء الرأي في شأن توجهات السياسة العامة لإعداد التراب على المستوى الوطني؛ إبداء الرأي حول التوجهات الكبرى للتنمية؛ إبداء الرأي في شأن الإطار التوجيهي للسياسة العامة لإعداد التراب على مستوى الجهة وتقييمه؛ التدابير والإجراءات المتعلقة بتفعيل التقائية السياسات العمومية القطاعية... فعلا هي مطامح مشروعة وأهداف مطلوبة وواقعية. لذا أكرر رجائي بأن لا تبقى حبرا على ورق.

 

+ كيف يمكن للتصاميم الجهوية أن تلعب دورها في إطار الجهوية المتقدمة؟

- طبعا، من المفروض أن تكون هذه التصاميم بمثابة الأوعية التي ستحتضن كل المشاريع التنموية  في كل الجهات، لا يجب أن تظل خططنا التنموية على الصعيد الجهوي، محكومة بالارتجالية و"المزاجية"، بل يجب أن تكون مقرونة بتصاميم محكمة، واستراتيجيات مضبوطة على مستوى الزمن والتمويل، ومرتبطة بدراسات رصينة ترتب الأولويات وتثبت الجدوى وتقدر المردودية بواقعية وموضوعية بالنسبة للجهة الترابية المعنية بها، وفي تكامل وتنسيق "مع" و"بين" باقي الجهات المجاورة، ومن الصعب صياغة هذه الرؤية في غياب تصاميم مدروسة، ومتشاور بشأنها. التصاميم الجهوية، إذن، برنامج مستقبلي للتنمية، يضم في خطة واحدة كل السياسات العمومية المزمع تنفيذها على الصعيد الجهوي، ويضمن بالموازاة الالتقائية والتنسيق بينها، باعتبارهما الغائبان الدائمان عن سياساتنا الترابية، إذن، فلا مجال للحديث عن جهوية متقدمة غذا، إلا إذا كانت متقدمة في آلياتها وأدواتها واستراتيجتها ورؤيتها وطرق اشتغالها.. وعليه فالمرسوم الجديد قد يشكل انطلاقة جديدة لفعل جاد، وهذا ما نرجوه حقيقة، فمجالنا الترابي، من طنجة إلى لكويرة، غني ومتعدد، وهو مقبل على تحديات تنموية كبيرة، ويجب أن يكون المغرب، كما كان دائما، في مستوى رفع هذه التحديات.