السبت 20 إبريل 2024
فن وثقافة

التفاعل مع العيطة الزعرية والخريبكية من خلال القول الشعري لمتنها (3/5)

التفاعل مع العيطة الزعرية والخريبكية من خلال القول الشعري لمتنها (3/5) الباحث عبد العالي بلقايد (يمينا ) وشيخ العيطة الزعرية المايسترو ولد امبارك

تعتبر العيطة الزعرية في نظر العديد من الباحثين بأنها عيطة تحريضية ثورية حماسية، على اعتبار أن نصوصها الشعرية الغنائية تعج بمواضيع متنوعة، تؤرخ لشجاعة الفرسان وحماسهم ومواجهتهم للمستعمر، وتوثق أيضا لأحداث التصدي ضد العدو، والجهاد في سبيل الوطن.

إن الشجن والنوستالجيا في العيطة الزعرية "يربطنا بملاحم شعبية كانت أرض ورديغة مسرحا لها، وخريبكة واحدة من مكونات جغرافيتها، كما تشكل جغرافيا المقاومة التي تصدت للآخر الغاصب للأرض".

في الحلقة الثالثة من سلسلة نقاش في العيطة الزعرية التي تنشرها "أنفاس بريس" استمرارا لدعم مجهودات لجنة البحث بتنسيق مع الباحث الأستاذ عبد العالي بلقايد، نقدم للقراء ورقة في مسألة "التفاعل مع العيطة الزعرية والخريبكية من خلال القول الشعري لمتنها"

 

أدرجنا في مقالات سابقة بموقع "أنفاس بريس" العيطة الزعرية بكافة أصنافها، والملالية ضمن العيوط الإيقاعية، مع العيطة الحوزية لاشتراكها في خاصية الميازين تجنبا للتصنيف الجغرافي الذي يسقط الفن في أتون الجهوية أو القبلية التي لا تسعف على ملامسة الخصائص الجمالية للفن، و العيطة مكون أساسي من مكوناته.

فحين ندرج هذه الألوان ضمن خصيصة أو حساسية فنية واحدة، فصنيع كهذا، تمليه الكثير من القواسم المشتركة، لعل أبرزها الإنطلاق من مقول شعري واحد، وخاصة حين يتعلق الأمر بالبنية الثقافية، التي نعني بها الحضارة التي تحدد تصرفاتنا وسلوكاتنا، وتفاعلنا مع القيم المشكلة للعمران.

فما تقوله العيطة الزعرية تلميحا تحاول الحوزية والملالية أن تبرزه تصريحا، فحين تقول العيطة الزعرية :(نعناع البور / تحش في عاشور) ، فإن القارئ غير المطلع لا يفهم القصد من هذا الكلام ، وحتى المطلع والذي يبقى عند حدود منطوق النص ، لا يصل إلى معنى القول.

 

فتأتي العيطة الحوزية "خالي يا خويلي"، أو  "الشجعان" لكي تفصل أكثر، ويفصح النص عن مغالقه أمام المتلقي :

(.... رآه ليلة عاشوراء

رآه الفردي وشرشورة

رآه زناقي مكسورة

على الخامس زين الصورة

ياك الملك المحبوب

رآه في جميع القلوب

إيلا كنت مسلم حر

يا لاه معانا لقصر

نزورو لمخنثر

تركة الأنبياء..)

 

والإستنتاج هو أن ما قالته العيطة الخريبكية تلميحا، أبرزته العيطة الحوزية تصريحا، لأن المواجهة أصبحت مفتوحة بين من يقف مع الشرعية، ومن يصطف مع الأخر الغاصب للأرض والمتطاول عليها (أي على الشرعية).

إن الشذرية الخريبكية، و الحوزية، والملالية، كتفصيل نصي، تومئان إلى الأحداث التي عرفها المغرب، والتي كانت شوارع المدن مسرحا لها. إلا أن طريقة بناء النص تختلف من لون إلى آخر، فواحد اعتمد بلاغة تكثيف المعنى في القليل من المبنى، والثاني اعتمد أسلوب السرد القصصي التفصيلي ليجعل المتلقي في قلب الحدث.

إلتقاء اللونين معا في الحكي متحوز عليه من خاصية النفس الملحمي الذي طبع فنا يريد أن يحكي، أن يسرد من خلال العيطة، يسرد، يقول، يغني ملاحم هي من صناعة الإنسان الشعبي الذي سكن سهول تادلة، وخريبكة، واد زم، الحوز ، عبدة، الشاوية ، زعير، سهول المغرب وجباله ( الكبير والمتوسط والصغير والريف)، ألم تشير العيطة إلى أيت عطا، و أيت بوزيد؟ ألم تقل ( حس لبكا في توزنة)، (العيطة الملالية).

إن القول الشعري للعيطة يتحوز على نصوص سردية تضارع في طريقة بنائها تلك التي جاءت على لسان شهرزاد والتي لقيت حفاوة كبيرة من نقاد مغاربة كانوا دائما مبهورين إما بالشرق، أو الغرب .

سرد تم بطريقة شعرية تخالف تلك الموجودة في ألف ليلة وليلة التي يتداخل فيها الغرائبي مع الواقعي، إن من يحكي في الملاحم الشعبية المغربية هو واحد من صانعي الحدث: "اوحيدة"، و "بنت المعطي"، و "ربوحة "...هي شخصيات واقعية فاعلة ومتفاعلة مع الحضارة المغربية.

لماذا دائما مقامات المشرق هي مقودنا سواء في الغناء، أو السرد؟ سؤال يقتضي إخراج تراثنا الشفوي من الغميس إلى المفكر فيه، و اعتبار تراثنا الغنائي موسيقى تقليدية بتعبير الباحث والشاعر حسن نجمي كسائر موسيقات الشعوب التي أضحت عالمية تنتج الثروة المادية والمعنوية.