الاثنين 25 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

عاطف أحمد: من يبصق على السماء فسيبصق على نفسه.. وصية عن تجربة لكل مسلم!

عاطف أحمد: من يبصق على السماء فسيبصق على نفسه.. وصية عن تجربة لكل مسلم! عاطف أحمد
في يوم كنت ألقي درسا عن الدين الإسلامي في كنيسة كاثوليكية وبينما اشرح اختلافات الإسلام مع نظرة المسيحية للوحدانية، احتج متطرفين مسيحيين جالسين في الكنيسة بمقاطعة الدرس، مدافعين عن المسيحية ضد شرح رؤية الإسلام للمسيح!  فأصبح راهب الكنيسة غاضبا  من  تصرفهما، بل قال لهم من لا يستطيع تقبل رسائل الأخرى والأديان الأخرى للرب وفهمها، لن يفهم الرب وما يريد منا، فمن يبصق على السماء فسيبصق على نفسه (حكمة مسيحية قديمة)...
كلام الراهب دفعني لتفكير كبير في ثقافتنا في ديننا وإيماننا فعلا، ذلك أننا نملك الحقيقة لوحدنا، فقد أظهر لي من الحب للإسلام، ما غير النظرة النمطية التي برمجنا بها عن نظرة المسيحيين وأصحاب الكتاب للإسلام.
 كل ذلك دفعني لقراءة جلال الدين الرومي وابن عربي والحلاج وابوا علاء المعري، فوجدت كل كلامه يقال بعمق أخطر وأكبر وكم كنت متجاهلا متهربا، لأنني كنت اعلم في قرارة نفسي ان معرفة الآخر ستؤرقني وكانت صفعة لي كلما تعلمت وقرأت أكثر عن الأديان والفلسفة.
لقد كنت أدرك مدى جهلنا بالآخر والكثير من الحكمة التي نضيعها بنظرتنا الضيقة والمركزية للأمور، أننا الحقيقة فقط وكل شيء خارج ثقافتنا خطأ ووهم، بل ظلال مبين. لكن كان أكبر درس في التسامح غير فكرتي عن التاريخ الإنساني ونظرتي السطحية والضيقة السابقة هو حكمة كتبت قبل 2500 سنة  في معبد في تدمر مدينة زنوبيا باللغة الأرمية، كانت تتضمن وصية أو لعنة على أفعال ستهلك الحضارات والأمم والإنسان وهي : لا تسب إلاها لا تعبده.
قبل 2500 سنة فهم الناس أهمية مبدأ التعايش والابتعاد عن التكفير وسب الآخر و تسفيه دينه وحضارته، لأنها لن تجلب الرخاء أو ستنصر الدين، بل فقط ستزرع الكراهية واللعنة والعداء من الآخر، بل ستكون سببا في الحروب وهلاك الإنسان بدعوى نصرة الدين وآلهته!
هذا ما ربي عليه المغاربة الذين كان يضرب بهم المثل في التسامح وتقبل الآخر كما هو،حتى في عصور الظلام، لأن المغاربة قديما فهموا القرآن وآياته ومنها :وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ.
لأن المغاربة قديما فهموا أن الدين الذي فرض بالقوة سيزول ودين الكراهية سينتهي وما نشر بالقوة سيزول بالقوة، لأن الدين يقوم بالحب والإيمان والإنسان بطبعه يحب كل ممنوع ويقتنع بالاختيار والاقتناع لا بالغصب، لذلك كل مجبر سيكون منافقا اجتماعيا، إن لم يكن كما هو فعلا، فالممنوع والمحرم مثلا مرغوب فيه خصوصا في المجتمعات الإجبارية التي تفرض بالقوة والقانون قيمها ولذلك تجد ان استهلاك المخدرات والحشيش في هولندا مثلا، المباح فيها بيع وتناول المخدرات أقل بكثير من 5 دول أوروبية كبيرة تعاقب على ذلك، لأن الممنوع ذو قيمة فقط، لأنه يعاكس المفروض.
إن الفخ الأكبر الذي قسم المسلمين مع بعضهم البعض قبل أن يدخلوا في صراعات تاريخية ودينية أخرى هو استغلال العاطفة الدينية فهي وسيلة سياسية التي دمرت البلدان الإسلامية، فكم من مبدعين وعلماء وكتب ومثقفين حكم عليهم بالإعدام فقط لأنهم كانوا مختلفين مع النظام والثقافة السائدة فقدتهم الحضارة الإسلامية والإنسانية وسيطر الجهلة والغوغاء فكان تخليها وانحطاطها نهاية واقعية .
إن خدع السياسة لن تنتهي سواء من الداخل أو الخارج ،فالصعب إذن هو الوقوف أمام فخاخ الكراهية المرصودة سواء التي تستغل العاطفة الدينية أو التي تستفزها،لأنهما وجهان لعملة واحدة قوامها المصالح الضيقة والتي ستضر المسلمين بالتفاعل معها وإعطائها قيمة.
لأن نشر الحب والسلام وتكذيب الصورة التي تحاول النيوليبرالية الدينية ترويجها عن الإسلام، على أنه دين الشر والكراهية وعدو الإنسانية الأول، فقط بسبب تعارض قيمه مع السيطرة الاقتصادية التحكمية عبر استغلال حركاته الظلامية المتطرفة التي صنعها الغرب وأنظمة سياسية لمواجهة اليسار والحركات الحداثية .
لأن الإسلام ليس دينا يمكن تسويقه إلا بالمؤسسة وجب الخروج عن النص معه ومواجهته بالنسبة لماكرون ونيواليبراليين الجدد لأنه يتضمن الحاكمية الإلاهية ضد كل استغلال سياسي أو اقتصادي للإنسان ،لأن الإنسان اوالدين سلعة ،يمكن تسويقها وتبخيسها بسبب المصلحة  ! ...
لأن اللادينية النيوا ليبرالي هي في حذ ذاتها دين جديد يروج له باسم الحداثة وحقوق الإنسان ولذلك تتحرك موجات المعارضة المسيحية واليسارية لهذا الدين الجديد في العالم الغربي وتقاومه ...  
لذلك تعلموا التسامح، فالكراهية والحقد لن يجلبوا الخيرات لنا أو لغيرنا، فكارهي الإسلام أو كارهي الأديان عموما ،كيفما كانوا ومن أي دين أو ملة أو فكر ،سيستغلون اخطائكم و عاطفتكم لصالحهم فقط ،ذلك لأنكم تحسون بالضعف وتتجاوبون بالدفاع عند كل كلمة التصريح أو استفزاز عابر، عوض التركيز على بناء الحضارة وتدخلون صراعات مجانية ستبصقون فيها فقط على انفسكم ،بينما تحاولون البصق على الآخر. 
لذلك فالشعارات الفارغة الخارجة عن التاريخ والواقع والتي تجعل أمة ما معزولة ستزداد انعزالا ،وستمتهن الدفاع والبكاء على الماضي والمجد الكاذب وستتعود دور الضحية ولن تكون لها شخصية.
 بينما ستبني الأمم الأخرى حضارتها من خلال قيمها وثقافتها وتصحيحها وتطويرها، بما يقتديه تطور العصر وعلم المقاصد الذي همشناه لقرون ،بينما  طبقته اليابان والصين وكوريا وهو البرغماتية الواقعية، أي جلب المنفعة ودفع المفسدة بدون فقدان هويتها أو ثقافتنا الأصلية  ... 
لكن لكي نخرج من قوقعتنا يجب أن نكسر القوقعة ونعلم أنه في كل ثقافة أو دين دروس لنا، يجب فهمها وتعلمها، لأنه لا توجد صدفة في الاختلاف والتنوع فهو طبيعة ملكوت الله وطبيعة خلقه والطبيعة تحتوي على ملايين الأمثلة الحية، لذلك كي تكون مسلما عالميا وقادر على التأثير الإيجابي على الآخر، فستأثر فقط بتسامحك وأخلاقك وليس بردود الأفعال العاطفية وبكائيات الهيسترية المتكررة.
 فعش كالمعتزلة واعتكف كالصوفية واكتب كالعلمانيين وقدس النصوص وحفظها كسلفية وإقرأ كالملحدين وتأمل كبوذي واحزن على ما تحب وفرح له كشيعي وتسامح كمسيحي وحلل كيهودي وتواضع كهندوسي، ونظر للعالم ككنفوشيوسي وأقم علاقات الناس كفرويدي وتعامل مع الموت والحياة كرواقي، هذا مثال على فهم العالم ولك الاختيار في بناء شخصية عالمية على حسب اعتقادك وفهمك الديني المهم أن تأثر بالإيجاب على كل الأديان ولا تفقد هويتك وثقافتك بعقد التقص أو الدونية، بل يجب أن تخرج من النمط الانعزالي ولإقصائي الذي أقصانا من التاريخ والحضارة الإنسانية ،حتى نسينا انه من سيبصق على سمائنا فسيبصق على نفسه.