الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

شامة درشول: تساؤلات على خلفية قضية الطفل عدنان

شامة درشول: تساؤلات على خلفية قضية الطفل عدنان شامة درشول

حين علمت بخبر رحيل عدنان عن هذه الأرض بتلك الطريقة البشعة، أول سؤال تبادر إلى ذهني هو: "هل لدى عدنان إخوة؟ أبناء اقارب؟ أصدقاء؟ أولئك الذين هم مثله صغار، وصدموا من خبر اختطافه، واغتصابه، وقتله؟ إن كان لديه، وأكيد لديه"؛ هل تحدث إليهم أحد؟ هل أخضعهم لعلاج ما بعد الصدمة؟ هل ساعدهم على تجاوز هذا الفراق البشع وشرح لهم ما يحدث على هذه الارض التي أوتي بهم اليها؟ هل علمهم أحد اقل مبادئ التربية الجنسية؟ هل علمهم أحد أن جسدهم ملكهم وحدهم؟ هل علمهم كيف يحمون أنفسهم من محيطهم دون أن يكبروا خائفين منعزلين؟ هل راجع أحدهم مفهوم "الطاعة" للكبار الذي نتربى عليه، والذي نتربى على انه دليل أدب واحترام والذي يجعل الطفل عاجزا عن رفض طلبات "عمو"، حتى لا تغضب منا "ماما"، وحتى يرضى عنا "بابا"؟ هل أعاد أحدهم التفكير في طريقة تربيتنا لأطفالنا والتي تخلو من الحوار معهم، من الإنصات لهم، ومن الرد على أسئلتهم بأجوبة قاتلة من قبيل: "حتى تكبر وتفهم"، "منلي يكونو لكبار كيهضرو الصغار يسكتو"، وكل تلك الجرائم التي نرتكبها في حق أطفال نعتقد أن كل ما يحتاجونه منا هو أكله، وشربه، ولباسه، ولعبه، وطرح سؤال غبي عليه: "ماذا تريد ان تصبح حين تكبر؟"

 

إخوة عدنان إن كان له إخوة، أترابه، أصحابه، أقرانه، كلهم شعروا في تلك الليلة البشعة أنهم اختطفوا، اغتصبوا، وقتلوا، لكن هل جعلناهم يعبرون عن هذا الشعور؟ هل ساعدناهم على التعبير عن مخاوفهم؟ أم اكتفينا بتشديد الحراسة عليهم، وإهمال مخاوفهم التي يعجزون عن التعبير عنها بأنفسهم، والتي يعتقد الآباء أنه يكفي أنهم يعبرون عنها مكانهم بدل أن نعلمهم كيف يعبرون بأنفسهم عن أنفسهم، وكيف يحمون أنفسهم بأنفسهم، وكيف يميزون بين "عمو"، و"عمو"، خاصة وأن الاعتداء الجنسي يتم غالبا من المحيط القريب للطفل؟

 

جيد هذا النقاش المحموم حول طريقة القصاص من المجرم وإن كان بدأ يتم توظيف هذا الغضب سياسيا للأسف، وتحول إلى "سلعة للايكات" من صفحات المتاجرة بالأحداث، لكن إن كنا فعلا نفكر في إنقاذ أطفالنا من مجرمين قادمين، فعلينا أيضا الانتباه لتداعيات مثل هذه الأحداث على نفسية أطفالنا.

 

الكثير من الأمور التي نصمت عليها، أو نتعامل معها بالتجاهل، دون أن نعلم أن لا شيء ينسى في الحقيقة، وأن المشاعر السلبية تخزن في العقل الباطني، وقد تتحول إلى اضطرابات نفسية يصعب التعامل معها، وتؤثر فينا، وفي قراراتنا، وعلاقتنا دون أن ندري.

 

طريقة تعاملنا مع صدمة الفراق، وموت الفجأة، يجب أن تتغير، الصبر مفتاح المؤمن صحيح، لكن هذه أمور يجهل الطفل التعامل معها، تأثير خبر الموت، والفراق، على الأطفال، أمر نهمله، ونهمله أكثر حين نتكلم بالنيابة عنهم، ولا نترك لهم المسافة للتعبير عن أنفسهم بأنفسهم.

 

رحيل أخي الذي كان يكبرني بسنتين، بدون وداع، وأنا في سن التاسعة، ترك فيا شرخا نفسيا ما زلت أدفع ثمن تداعياته إلى اليوم من حياتي الشخصية، ووضعي الصحي، لأنه لم يعالج في وقته. إن كان الكبار تعلموا التعامل مع الفراق، وموت الفجأة، بالإيمان، والصبر، والبكاء، والصراخ، فالصغار يجهلون التعامل معه، يعتقد الكبار أن بكاءهم يكفي، أنا هنا أتحدث عن رحيل عادي، وليس عن رحيل مأساوي مثل الذين حدث لعدنان، وأطفال رحلوا بنفس الطريقة البشعة التي رحل بها عدنان.

 

رحيل عدنان أعاد إلى الواجهة النقاش حول عقوبة الإعدام، لكن توظيفه السياسي، والتجاري، بدل إنزاله من العالم الافتراضي، إلى المرافعة على الميدان، يهدد ليس فقط بتكاثر الوحوش الآدميين بيننا، لكن أيضا بجيل مجروح جديد، ينضاف إلى تلك الأجيال السابقة مثلنا، التي تربت على التستر على جروحها النفسية، لأننا مجتمع لا يهتم إلا بما ظهر، ولأننا نعتقد أن ما أصاب عدنان وأهله، لن يصيبنا لأننا شددنا الحراسة على أطفالنا.

 

إن كنا فعلا نريد حماية أطفال جدد من أن يتحولوا إلى ضحايا الاعتداء، أو أقله الخوف من التعرض للاعتداء، فعلينا أن نغير طريقة تعاملنا مع الأطفال، من خلال مساعدتهم على إدارة مشاعرهم ما بعد الصدمة، تركهم يتحدثون عن أنفسهم بأنفسهم، كسب ثقتهم وتفهم أنه لا يكفي أن تكون والدهم لتحصل على ثقتهم، التصالح مع التربية الجنسية بعيدا عن ثقافة "ويلي، عيب، حشوما".

 

البكاء على الماضي، وعلى ثقافة الحي.. لن يعيد عدنان، ولن يحمي أقرانه، هناك واقع يقول إن العائلة النووية لم تعد قادرة على حماية نفسها بعد انفصالها عن القبيلة، والعائلة الممتدة، وانعزالها عن الحي، وقتل المدرسة العمومية، وإنها تجد نفسها اليوم أمام واقع لا علاقة له بما عاش فيه الآباء، ما سيحمي هؤلاء الأطفال هو التمرد على ثقافة "الولد المطيع"، ومنحهم الوقت للإنصات اليهم بدل التعامل معهم على أنهم لعبة نقضي رفقتها بضع وقت حين العودة من العمل، وحين يكبرون نكتفي بإمطارهم بالتعليمات، والأوامر تحت سوط "ها السخط ها الرضا".

 

رحيل عدنان، هو فرصة لمناقشة جادة وغير مسيسة للقصاص، كما أنه فرصة للتصالح مع أطفالنا، ومع طفولتنا أيضا...