الجمعة 19 إبريل 2024
منبر أنفاس

البشير افديفي:موقع الدرس اللغوي من تدريس النص الأدبي

البشير افديفي:موقع الدرس اللغوي من تدريس النص الأدبي البشير افديفي
لقد اعتمدت جل المقاربات البيداغوجية، والمنهجيات المعتمدة في تدريس مكونات اللغة العربية على مفهوم المجزءة، حيث رسخت كل مرجعيات هذا المفهوم، و انطلقت منه مراهنة على تمكن المتعلم من الاشتغال على النص، و مقاربته انطلاقا من الأسس التالية :
* اعتبار القراءة المنهجية أداة أساسية في مقاربة النصوص.
* التركيز على البعد الوظيفي والتداولي لعلوم اللغة.
* جعل التعبير والإنشاء وسيلة للإنتاج وتحقيق التواصل في وضعيات محددة[1]."
والسؤال الذي ينبغي أن نطرحه في هذا الإطار يتمحور أساسا حول الوسائل الكفيلة للوصول إلى هذا الرهان، مع العلم أن التلميذ لا يمتلك العدة اللغوي المساعدة على بلوغ هذا المرمى. فهل يساعد الدرس اللغوي التلميذ على هذه المقاربة؟ وكيف نستطيع التوفيق بين مجال معرفي أكاديمي يتعلق خاصة بالدرس اللغوي (اللسانيات...) ومجال بيداغوجي مرهون بقياسات دقيقة، مع العلم أن هناك مفارقة بين لغة المدرسة ولغة التداول اليومي.
لقد فشلت أغلب المحاولات الرامية إلى الرفع من مردودية التحصيل في اللغة العربية ومكوناتها، خاصة وأن الواقع اللغوي للمتعلم يشي بالمفارقة بين التطبيق الفعلي للدرس اللغوي، وما يتم تمثله من نظريات لا تعرف طريقها إلى هذا الواقع الذي تتم فيه التوظيفات اللغوية بكثرة اللحن والخطأ، ويصبح تحصيل التلميذ مفتقدا إلى الفاعلية والبعد الوظيفي الذي تنشده هذه المقاربة.
إن الدرس اللغوي في التعليم الثانوي التأهيلي يراهن على "قراءة النصوص وتحليلها لغويا في ضوء علوم اللغة وقواعدها ومبادئها، من أجل خدمة الأهداف الرامية إلى تنمية الحس الجمالي والتذوق الفني لدى التلاميذ، وصقل قدراتهم التعبيرية نطقا وكتابة[2]".
إن تقصي الواقع التحصيلي للتلميذ في المجال اللغوي يبرز البون الشاسع بين ما ينظر له منهاج اللغوة العربية في هذا المجال، والاستعمال اللغوي لدى التلاميذ، ذلك أن تنمية الكفاية اللغوية التي تنشدها الأدبيات التربوية تتحقق بمعزل عن الجانب الوظيفي الذي يستدعي تنمية القدرات التعبيرية على المستويين الشفاهي والكتابي. فكلما ابتعد التلميذ عن الحصة التي يمرر فيها الدرس اللغوي، إلا وازداد خطأه في التوظيف اللغوي داخل مجالات وسياقات أخرى، الشيء الذي يدل على أن هناك عائقا يحول دون الاستفادة من هذا الدرس بالكيفية التي يسطرها المنهاج، كما وردت سابقا.
فأين يكمن الخلل إذن؟ أفي الدرس اللغوي المقرر في التعليم الثانوي التأهيلي أم في المستوى التحصيلي للتلميذ؟
يمكن الاستناد في هذا السياق إلى دراسة أنجزها الدكتور إبراهيم فليليح على عينة من تلاميذ السنة الختامية للباكالوريا، وأن النسبة الكبيرة من الأخطاء ترجع إلى عدم التمكن من القواعد الإملائية والنحوية والصرفية، مما يدل على أن الكفاية اللغوية لم تتحقق بالشكل المنشود.[3]
يعزي الباحث سبب الوقوع في هذه الأخطاء إلى كون برنامج اللغة العربية في التعليم الثانوي التأهيلي اهتم بالقراءة المنهجية للنصوص دون إيلاء أهمية للقواعد الإملائية والنحوية والصرفية، ولذلك فإن التلميذ لم يعزز الكفاية اللغوية التي اكتسبها في السلكين الابتدائي والثانوي الإعدادي. إضافة إلى أن الدرس اللغوي يركز فيه الاهتمام على البلاغة والعروض على حساب القواعد اللغوية. ورغم تناوله لبعض الظواهر التركيبية، فإنه قاربها من زاوية النحو الوظيفي.
لقد أعزى الباحث فليليح السبب في كثرة الأخطاء المرتكبة من طرف التلميذ إلى نسيان النحو العربي القديم، والدوران في دوامة النحو الوظيفي وجهازه المفاهيمي الخاص به، خاصة وأن هناك صعوبة في نقل المعرفة اللسانية ديداكتيكيا، إضافة إلى غياب التكوين المستمر للأطر التعليمية لتعزيز التحكم في النحو العربي القديم.
كل هذه الأسباب أدت إلى تفاقم الخطأ في المجال اللغوي بمختلف مكوناته وظواهره الإملائية والنحوية والصرفية.
إضافة إلى هذه العوامل الموضوعية، هناك عوامل أخرى ذاتية تتعلق بشخصية المتعلم الذي أصبح يعيش في فضاء بعيد عن المقروء، حتى تتعزز كفاياته اللغوية، فأصبحت الهواتف النقالة والصور هي المهيمنة على فكره، إضافة إلى تشتيت التركيز عند التلميذ الذي أضحى له منطق فكري خاص لا يسعفه على التعبير السليم الذي يحقق التواصل الإيجابي.
 

ذ/ البشير افديفي

أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي

............
 
[1] التوجيهات التربوية والبرامج الخاصة بتدريس مادة اللغة العربية بسلك التعليم الثانوي التأهيلي.
[2] المرجع السابق ص 20.
[3] د. إبراهيم فليليح : تبسيط القواعد ومناهج ترسيخها بالكفايات، أطروحة دكتوراه في علوم التربية، كلية علوم التربية، الرباط، 2007.