السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

هشام مدعشا: ملاحظات حول التقرير السنوي لمجلس أمينة بوعياش لسنة 2019

هشام مدعشا: ملاحظات حول التقرير السنوي لمجلس أمينة بوعياش لسنة 2019 د.هشام مدعشا
أصدر المجلس الوطني لحقوق الإنسان تقريره السنوي لسنة 2019 ،خلال شهر مارس الماضي ، ولقد أثار هذا التقرير العديد من ردود الأفعال والنقاشات والملاحظات سواء من حيث المنهجية المتبعة في إعداده أوما يتعلق بمضامينه، وقد ترواحت هذه الآراء بين منوه بالتقرير على اعتبار أنه يقدم صورة واضحة عن أوضاع حقوق الإنسان، وبين منتقد له لأنه لا يعبر عن الوضعية الحقيقة لحقوق الإنسان في بلادنا.
وتأتي هذه الورقة/الدراسة، التي ستنشرها "أنفاس بريس" في سلسلة مقالات للأستاذ الجامعي، الدكتور هشام مدعشا ، الباحث السابق حول السياقات التاريخية والسياسية للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان لدى هيئة الإنصاف والمصالحة والمساعد القانوني لها، و أيضا الإطار العالي السابق المكلف بالدراسات والمنازعات القانونية والمراقب المحلف لدى الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري . لتقدم عدد من الملاحظات الشكلية والمنهجية والموضوعية القيمة حول هذا التقرير الذي يعتبر الأول من نوعه بعد إعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان في مارس 2018 بمقتضى القانون رقم 76.15 ، وبعد تعيين الرئيسة الجديدة أمينة بوعياش وأعضاء المجلس الجدد والأمين العام الجديد ورؤساء اللجن الجهوية.
وتتناول هذه الورقة الإشكالات المنهجية والمفاهيمية للتقرير وجوانب النقص التي تعتريه، وتحاول تقديم قراءة نقدية بناءة لغاية المساهمة في إغناء النقاش العمومي بشكل موضوعي حول هذا التقرير وحول عمل هذه المؤسسة الوطنية التي من المفروض أن تسهر على حماية واحترام الحقوق والحريات:
 
أصدر المجلس الوطني لحقوق الإنسان تقريره السنوي لسنة 2019 ،خلال شهر مارس الماضي من هذه السنة (2020)، ولقد أثار هذا التقرير العديد من ردود الأفعال والنقاشات والملاحظات سواء من حيث المنهجية المتبعة في إعداده أوما يتعلق بمضامينه، وسنحاول في هذه الورقة (سلسلة مقالات) أن نثير الانتباه إلى بعض الملاحظات التي لا تقلل من قيمة التقرير أو تبخس عمل أصحابه رغم كل ما يمكن أن يسجل من ملاحظات، وإنما يعتبر الهدف الأساسي من تقديمها هو المساهمة المتواضعة في النقاش الوطني حول وضعية حقوق الإنسان في بلادنا بشكل موضوعي بعيدا عن المزايدات أو التنقيص من العمل الذي يتم القيام به، وأيضا لإثارة الانتباه إلى ما يمكن اعتباره نقصا أو تعثرا في عمل هذه المؤسسة الدستورية التي تعتبر مكسبا وجب تطوير عملها مركزيا وجهويا لتكون فعليا مؤسسة وطنية تعددية مستقلة تسهر على حماية واحترام حقوق الإنسان والحريات.
من بين الملاحظات الأولى التي طرحت من قبل العديد من المتتبعين والملاحظين، هو ما يتعلق بطبيعة هذا التقرير، هل هو تقرير لرصد الأوضاع العامة لحقوق الإنسان في بلادنا، أم هو تقرير عن حصيلة عمل المجلس، أم هما معا؟ومما يبرر طرح هذه الملاحظة هو مضمون الفصل 160 من الدستور والمادة 35 من القانون المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
وجدير بالتذكير أن الفصل 160 من الدستور ينص على أن "المؤسسات والهيئات المشار إليها في الفصل 161 إلى الفصل 170 منه تعمل على تقديم تقرير عن أعمالها، مرة واحدة في السنة على الأقل، الذي يكون موضوع مناقشة من قبل البرلمان. ".
وبالموازاة مع ذلك نصت المادة 35 من القانون 76.15 المتعلق بإعادة تنظيم هذه المؤسسة([1])،على أن المجلس يرفع إلى نظر جلالة الملك تقريرا سنويا عن حالة حقوق الإنسان بالمملكة،كما يرفع إليه،عند الاقتضاء،تقارير خاصة وموضوعاتية في كل ما يسهم في حماية حقوق الإنسان والدفاع عنها على نحو أفضل.و توجه نسخة من هذه التقارير إلى رئيس الحكومة ورئيسي البرلمان ويعمل المجلس على نشرها وإطلاع العموم عليها.كما يقدم رئيس المجلس، تطبيقا لأحكام الفصل 160 من الدستور،تقريرا عن أعماله مرة واحدة في السنة على الأقل يكون موضوع مناقشة من قبل البرلمان .ونص القانون على أن هذه التقارير المذكورة تنشر في الجريدة الرسمية.
وبناء على المادة 25 من القانون المتعلق بإعادة تنظيم المجلس يستنتج أن المجلس ملزم بإعداد ثلاثة أنواع من التقارير:
- الأول، تقرير سنوي عن حالة حقوق الإنسان بالمملكة يرفع إلى نظر جلالة الملك وتوجه نسخة منه إلى رئيس الحكومة ورئيسي البرلمان ويعمل المجلس على نشره وإطلاع العموم عليها؛
- الثاني: تقرير، مرة واحدة في السنة على الأقل، عن أعمال المجلس يقدمه الرئيس ويكون موضوع مناقشة من قبل البرلمان، وذلك تطبيقا لأحكام الفصل 160 من الدستور؛(آخر تقرير قدمه المجلس الوطني أمام البرلمان كان سنة 2014(16يونيو) )
- الثالث: تقارير خاصة وموضوعاتية في كل ما يسهم في حماية حقوق الإنسان والدفاع عنها على نحو أفضل.ترفع،عند الاقتضاء، إلى نظر جلالة الملك، وتوجه نسخة منها إلى رئيس الحكومة ورئيسي البرلمان ويعمل المجلس على نشرها وإطلاع العموم عليها.
لذلك، ففي اعتقادنا، من المفروض أن يعد المجلس ثلاثة أنواع من التقارير، (أ)تقرير سنوية عن حالة حقوق الإنسان بالمغرب هدفها تقييم وضعية حقوق الإنسان والحكم على حجم التقدم الذي أحرزته بلادنا في هذا المجال وتشخيص الأسباب التي تقف وراء التعثرات والفجوات والإخفاقات.(ب) وتقرير سنوي آخر عن أعمال المجلس لتقديم ما يكفي من المعلومات عن عمل هذه المؤسسة بشكل شفاف لتقييم مدى تفعيلها لمهامها وصلاحياتها بشكل جيد وبحكامة. ويمكن له أيضا(ج) أن يعد تقارير خاصة وموضوعاتية في كل ما يسهم في حماية حقوق الإنسان والدفاع عنها على نحو أفضل.
ويمكن نظريا أن يصنف هذا التقرير الذي نشره المجلس في مارس 2020 في خانة التقرير الأول المتعلق بحالة حقوق الإنسان بالمغرب وهذا استنادا إلى مايلي:
1- العنوان الذي تم اختياره للتقرير:" التقرير السنوي عن حالة حقوق الإنسان بالمغرب 2019"؛
2- كلمة الرئيسة في التقرير: التي تحدثت فيها فقط عن حالة حقوق الإنسان، ومما جاء فيها:"ينشر المجلس الوطني لحقوق الإنسان تقريره السنوي عن حالة حقوق الإنسان في بلادنا باعتباره فرصة لجميع الفاعلين للتوقف لتقييم، بما يكفي من مسافة وتبصر، اللحظات القوية التي طبعت الأحداث ذات الصلة بحقوق الإنسان في المغرب خلال سنة. وأوضحت أن أحد أهداف هذا التقرير تتمثل في تقديم مجموعة من المعلومات الموثوقة والمحققة للقارئ(ة)، ومن ثمة الحكم على مدى التقدم الذي أحرزته بلادنا في مجال حقوق الإنسان، وتشخيص الأسباب التي تقف وراء التعثرات والفجوات والإخفاقات."
3- ما نص عليه التقرير نفسه في تقديمه(الصفحة 8)من أن التقرير:" يسعى إلىإجراء تقييم موضوعي وتحليل شامل لأوضاع حقوق الإنسان في بلادنا بارتباط مع المهام الموكولة إلى المجلس في مجالات حماية حقوق الإنسان والنهوض بها...،وأنه"...سيرفع إلى نظر جلالة الملك، كما ستوجه نسخة منه إلى رئيس الحكومة ورئيسي مجلسي البرلمان، وسيعمل المجلس على نشره وإطلاع العموم عليه...".
إلا أن التقرير سيقر بأنه سيتضمن، في ذات الآن،"حصيلة عمل المجلس لسنة في نطاق المهام والصلاحيات الموكولة له"، أي ما يمكن أن يصنّف ضمن النوع الثاني من التقرير التي يقدمها الرئيس وتكون موضوع مناقشة من قبل البرلمان، وذلك تطبيقا لأحكام الفصل 160 من الدستور.مما سيضع القارئ أمام نوع من الغموض والتناقض وسيجعله يكلف نفسه عناء البحث في التقرير عن الأوضاع العامة لحقوق الإنسان من جهة، وعن حصيلة المجلس من جهة ثانية مادام أنه من الناحية المنهجية والصياغة يصعب التمييز بينهما على مستوى متن التقرير في غياب تبويب لتيسير ذلك. وإن كان التقرير قد أشار في تقديمه على أنه"... سيقدم، في وقت لاحق، تقرير عن أعمال المجلس، سيكون موضوع مناقشة من قبل البرلمان"، مما يفهم منه أن هناك تقريرا ثانيا عن أعمال المجلس.
لذلك فإن المزج بين نوعين من التقارير السنوية يطرح مشكلا من الناحية المنهجية والعملية على اعتبار اختلاف أهداف وأيضا مآلات كل واحد منهما. فالتقرير الأول، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، يرمي إلى تقديم صورة عن وضعية وحالة حقوق الإنسان ببلادنا، للحكم على مدى التقدم الذي أحرزته بلادنا في مجال حقوق الإنسان، وتشخيص الأسباب التي تقف وراء التعثرات والفجوات والإخفاقات،ويرفع إلى نظر جلالة الملك وتوجه نسخة منه إلى رئيس الحكومة ورئيسي البرلمان ويعمل المجلس على نشره وإطلاع العموم عليها.
في حين أن التقرير الثاني يتعلق بحصيلة عمل المجلس وما قام به في إطار تفعيل ممارسة صلاحياته في جميع القضايا المتصلة بحماية واحترام حقوق الإنسان والحريات من خلال السهر على رصد وتتبع أوضاع حقوق الإنسان على الصعيدين الوطني والجهوي للحكم وتقييم عمل المجلس، ويجب أن يقدمه الرئيس ويكون موضوع مناقشة من قبل البرلمان، وذلك تطبيقا لأحكام الفصل 160 من الدستور.
وإن كان البعض يذهب في اتجاه عدم إمكانية الفصل بين مضمون هذين التقريرين،على اعتبار أن الحديث عن حصيلة عمل المجلس مدخل إلى الحديث عن حالة وأوضاع حقوق الإنسان ببلادنا وإن كان هذا الرأي أو الاختيار أو التوجه غير منسجم مع إرادة المشرع من خلال منطوق المادة 35 من القانون المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني الذي ميز بينهما بشكل واضح.
لذلك لا يستطيع القارئ التمييز بشكل منهجي وواضح،في التقرير، بين أوضاع حقوق الإنسان في بلادنا وحصيلة عمل المجلس لأن هناك خلط ومزج منهجي غير مفهوم بينهما، أو إغفال أو تغييب لأحدهما على حساب الآخر في بعض من أجزاء ومحاور التقرير، لذلك سيكون من الأفضل التمييز والفصل بينهما لاحقا وعدم دمج الثاني في الأول للاعتبارات السابق ذكرها وانسجاما مع المادة 35 من القانون المتعلق بإعادة تنظيم المجلس.
يتبع....
........هوامش.........
1- المجلس الوطني لحقوق الإنسان مؤسسة وطنية تعددية ومستقلة، تتولى النظر في القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وحمايتها، وبضمان ممارستها الكاملة، والنهوض بها وبصيانة كرامة وحقوق وحريات المواطنات والمواطنين، أفرادا وجماعات، وذلك في نطاق الحرص التام على احترام المرجعيات الوطنية والكونية في هذا المجال،حسب الفصل 161 من الدستور.