Thursday 5 June 2025
كتاب الرأي

السعود الأطلسي: من قلب الصحراء المغربية... شكسبير يؤجج على البوليساريو سؤال الوجود

السعود الأطلسي: من قلب الصحراء المغربية... شكسبير يؤجج على البوليساريو سؤال الوجود طالع السعود الأطلسي

عمر هلال، سفير المغرب لدى الأمم المتحدة، قال في بورما يوم 22 ماي المنصرم، بأن 116 دولة تعترف بمقترح الحكم الذاتي حلاًّ وحيدًا، جدِّيا وذو مصداقية لحل نزاع الصحراء المغربية... ولم يقل السفير، حتى اليوم... خلال الأيام القليلة التي تفصلنا عن ذلك التَّصريح، عدد الدول الداعِمَة لمُقترح الحكم الذاتي زاد كمًّا، والأهم نوعا...

سوريا انحازت للحق المغربي في الحفاظ على وحدة ترابه الوطني، وتدعم مقترح الحكم الذاتي، وهي التي تَجهز لكي يكون لها مَوقع فاعل في الشرق الأوسط، إنها الرقم 117...

رئيسُ وزراءِ ووزيرُ خارجية كينيا حلَّ بالمغرب، الأسبوعَ الماضي، ليقول وبالصورة والصوت أنه مع المغرب جُملةً وتفصيلاً، وأن كينيا ترى في الحكم الذاتي المقترحَ الوحيدَ، الجدِّي والواقعي والمُمكن لحلِّ نزاع الصحراء. وأعقب ذلك افتتاحُ سفارةَ كينيا في الرباط، يوم 26 ماي... كينيا ليست مجرّد رقم 118 في لائحة الدول التي تدَعم مقترح الحكم الذاتي، هي رقم إفريقي وازن سياسيا واقتصاديا، وانحيازها للحق الوطني المغربي يُفقد الجزائر داعِما أساسيا لسياستها العدوانية ضد المغرب، ويغني المدَّ السياسي الواقعي الإفريقي، المفيد لإفريقيا والساعي لتقدمها...

الانحياز للحق الوطني المغربي يتسارع ويتعاظم نوعيا... فيما يشبه سُرعة الأمتار الأخيرة في السِّباقات، والحال أن نزاع الصحراء المغربية في مرحلته الأخيرة... في فاتح يونيو، هذا الجاري، سيُدوِّي في الفضاء الديبلوماسي الدولي الاعتراف البريطاني بأنه "الأساس الأكثر مصداقية، وقابلية للتطبيق وبراغماتية لتسوية النزاع"... ويُضيف البيان الصادر عن زيارة وزير الدولة البريطاني في الخارجية للرباط، ديفيد لامي، بأن بريطانيا "ستواصل العمَل على الصعيدَيْن الإقليمي والدَّولي، وِفقا لهذا الموقف، من أجل دعم تسوية النزاع"...

بالطبع ليست بريطانيا، مجرد رقم 119 من لائحة الدول الداعمة لمقترح الحكم الذاتي... موقفها هو مُفاعل "نووي" آخر، سِلمي يكتسبه المقترح المغربي، وبه يسري ويشع في التعاطي الدولي مع نزاع الصحراء... وليس فقط في مجلس الأمن بالأمم المتحدة، ولكن في دائرة الاشعاع الديبلوماسي البريطاني، وهي واسعة، في إفريقيا وفي آسيا...

بريطانيا، عبر وزيرها في الخارجية، أرفقت انحيازها السياسي للمغرب بتطوير علاقاتها الاقتصادية معه، وخاصة في أقاليمه الصحراوية، مع وعدٍ باستثمار أزيد من خمسة ملايير جنيه إسترليني في المشاريع التنموية التي تقع في المنطقة...

كتبتُ، في مقالات سابقة منشورة في "العرب"، توقّعت أن تُفصح بريطانيا عن انحيازها للمغرب إسنادًا للحق الوطني، وأن الأمر لا يعدو أن يكون مسألة وقت... الواقعية السياسية والتي تُعزِّزها الديناميكية الاقتصادية، كما نهَجتها المملكة المغربية، وما أنتجته من زَخَم دولي داعم لها، ما كان لبريطانيا إلا أن تُلاحظه، بل وتسعى للانْخراط فيه... وهو ما حدا بها إلى أن تَلحق بالولايات المتحدة الأمريكية وبفرنسا زميلتيْ بريطانيا في مجلس الأمن... ولعل الوضوح البريطاني يسرِّع من الاستعداد الصيني للتعبير عن انحيازه الصريح للمسعى الوحدوي المغربي، وللصين جاهزية لذلك من ثراء علاقاتها مع المغرب، وأصالة حرصهما على الوحدة الوطنية... وحاجة الصين إلى كسب رهاناتها الجيواستراتيجية في إفريقيا، تقريبا أكثر وأكثر مع المغرب...

ولن يبقى من أعضاء الفيتو في مجلس الأمن سوى روسيا، وهي التي لم توقِف القرارات السابقة لمجلس الأمن المكتوبة من مِحبَرَة الحكم الذاتي... ويُقربها مع المغرب الاحترام المتبادل وتُعمِّقه المصالح التجارية المتراكمة، بينما تبايُن المصالح الاستراتيجية، في ليبيا وفي الساحل، يباعدها مع الجزائر، فضلا عن هُزال وَزن الجزائر في التحوُّلات الجيواستراتيجية الجارية... وحِدَّة حرب روسيا مع الحلف الأطلسي في أوكرانيا، تقودها إلى تفضيل الاسهام في إخماد توتُّر نزاع الصحراء... والمغرب فتح لذلك مسارا ملكيا بمقترح الحكم الذاتي... لن تتأخر روسيا عن الانضمام لمدِّ العقل والصواب والممكن في شمال إفريقيا.

وزارة الخارجية الجزائرية سارعت إلى التعبير عن "أسفها" من الموقف البريطاني، كما فعلت سابقا مع التصريح الأمريكي بمغربية الصحراء، وعلى خلاف حدة غضبها من إسبانيا ومن فرنسا لنفس السبب... مع بريطانيا لا تملك غير "الأسف"... ليس لها مَعها نفس الاشتباكات في العلاقات التي لها مع إسبانيا ومع فرنسا.

في بيان الخارجية الجزائرية سعي للتقليل من وضوح الاعتراف البريطاني، وهو تخفيفٌ لتحمُّل رجَّة الموقف البريطاني لها... قيادة الجزائر تعرف بأن دَعم مُقترح الحكم الذاتي هو اعترافٌ بالسيادة المغربية على أقاليمه الصحراوية، وتقول في بيان الخارجية غير ذلك... ونفس القيادة تعلم بأن بريطانيا "ذاهبة إلى الصحراء المغربية للاستثمار فيها والانخراط في عرضها التنموي الشامل والواعد، وتقول في بيان الخارجية غير ذلك... كما أن الجزائر تعرف بأن الحكم الذاتي أحد الأجوبة الواقعية على "تقرير المصير"، ومعمولٌ به وناجحٌ في عدّة بلدان عبر العالم، وتتجاهل ذلك، كما أن المغربَ في الأصل ودائما كرّر بأن مُقترح الحكم الذاتي هو أرضية للتفاوُض، له ملامح وعناوين، وبالمفاوضات على قاعدة السيادة المغربية، يتشكل ويتوضّح بالتفصيل... وذلك ما أقنَع هذا العالَم وهذه الدول التي تراه اليوم صائبا وسديدًا ومشروعًا جديا وحيدا... إنما هل تملك الجزائر غير الكذب في قضية هي من افتعلها أصلاً بكِذبة ونفخ فيها على مدى نصف قرن بنفَسٍ كاذب... وفقد النفس اليوم حرارته، وانقشعت أمام العالم الكذبة...

الاعتراف البريطاني بالمقترح المغربي لحل نزاع الصحراء المغربية يغذي المدَّ الدولي العارم والداعم لمقترح الحكم الذاتي بفعالية نوعية أخرى، تسرع ديناميكيته... وتؤجج في البوليساريو وحواليْها سؤالَ الوُجود... المجتمع الدولي يُصرح بنهاية الوهم الانفصالي الذي أنتجته الجزائر لحساب وهمها بتحجيم المغرب... والبوليساريو التي وُظِّفَت في هذا الوهم أمامها اليومَ أن تلج إلى الكيْنونَة المغربية، فاعلا في تضاريسها السياسية والاجتماعية، ومُتفاعلةً داخل الحراك الديمقراطي المَغربي، تغتني به وتُغنيه...

قيادة الجزائر ستواصل عنادها، لحساباتها الخاصة، وهو عنادٌ لن يَطول، وهي خاسرةٌ فيه... وستكون البوليساريو في اختبار قدرة قيادتها على إدراك الفرصَة التاريخية التي أمامَها... أن تتجاوب مع نداء التاريخ وتتحوَّل من أجير لدى الجزائر إلى فاعلٍ، كريمٍ، في وطن مَغربي، رحْب، مُفعم بالحيوية ومشدود إلى المستقبل.