Saturday 31 May 2025
كتاب الرأي

محمد عزيز الوكيلي: هل سيحُل البوليزاريو نفسه؟ مستحيل أن يغعل ذلك !!

محمد عزيز الوكيلي: هل سيحُل البوليزاريو نفسه؟ مستحيل أن يغعل ذلك !! محمد عزيز الوكيلي
بدايةً، عليّ ان أعتذر لأنني "جيت من الآخر"، كما يقول إخواننا في أرض الكنانة، فوضعتُ النتيجة بالعنوان بدلاً من السير إليها أخذاً بالأسباب والمقدمات، كما ينبغي ان يكون الأمر، لولا أنني، وكما هي العادة، سأناقش هنا أموراً تتعلق بجار لا وجهَ له ولا قسمات، حتى أنه لا يُعرف وجهُه من قفاه... ولذلك وجدتُني أنا الآخر أقلب المعادلة وأبدأ من الخلاصة، ثم أنطلق منها مشياً بالقَهْقَرَى إلى الوراء لأوضح الأسباب والحيثيات أولا بأول!!
 
فكرة "حل البوليساريو لنفسه" طالعتني هذا الصباح من خلال حلقة تحليلية للدكتور عبد الرحيم المنار أسليمي، عَنْوَنَها بالنصف الأول من العنوان أعلاه، بيد أنني لم أطّلع على مضمون الحلقة حتى لا أتأثّر بشيء منها، لأن لدي أفكاري الخاصة حول الموضوع ذاته، وقد سبقتُ أن لمّحت إليه بسرعة خاطفة في مقال سابق خصصته لخبر استعدادِ حركة حماس لنزع سلاحها، واشتراطِها أن يتم ذلك في "مصر السيسي" تحديداً، وأن يضمن لها الرئيس السيسي شخصياً سلامة وأمن قِيادييها وأسرهم وأبنائهم... إلى آخر ذلك الخبر المنمّ عن قمة السقوط والدناءة، لأن أهداف حماس وقيادييها المتاعيس لم يكن سوى تحصيل الثروات وتأمين تقاعُد مريح في إحدى الجنّات الأرضية، بعيدا عن المساءلات والمحاكمات وما شابه... وطز في الشعب الغزّاوي كما سبق أن ذكرت في ذلك المقال!!
 
غير إن الفارق بين الحالتين والموقفين، عند حماس وميليشيات البوليساريو، أن الأولى كانت مربوطة بحبل سري مع الرحم الإيراني، في دولة يُثبتُ حكامُها يوماً بعد يوم أنهم جبناء ولا يُؤمَن جانبُهم، وهذا يعطي لحماس هامشا واسعا للمناورة زاد في توسيعه تَخَلّي الملاوي ومخابراته عن هنية ومشعل والسنوار.. وحتى عن حزب الشيطان اللبناني؛ بينما الفارق عند البوليساريو أن هؤلاء مربوطون بنفس الحبل السري ولكن، مع رحم امرأة مجنونة شمطاء فاقدة لكل أشكال البوصلات وأنواعها، ولذلك فهامش الحركة عن عصابة الحرامي إبراهيم غالي يكاد لا يوجد، لأن الجزائر لن تتركهم كما فعلت إيران مع حماس، فحماس كانت تؤمّن لإيران واجهة نضالية مفبركة ومغشوشة لم تعد إليها الآن أدنى حاجة ولذلك تخلت عنها وباعتها بأبخس الأثمان؛ في حين أن البوليساريو يشكّلون بالنسبة لنظام عجزة الموراديا عِلّة وجودهم وبقائهم على رأس ذلك النظام، وبالتالي فتفكيك البوليساريو يعنى التعرض للمساءلة الشعبية عن مئات الملايير من "الغازودولار" التي أُنفِقت على قضية خاسرة منذ بداية تصنيعها على يد غير المأسوف عليه بوخروبة، وفوق ذلك، فالبوليساريو وقواته المسلحة والمدرَّبة لا يوجد خارج الجزائر، كما هو حال حماس الموجودة بعيدا عن التراب الإيراني، بل شرذمة إبراهيم الرخيص تسكن منطقة بالكامل، هي تيندوف المغربية، المحتلة إلى أجل مسمى من لدن بيادق الاستعمار الفرنسي!!
 
هذا معناه أن الجزائر والبوليساريو يجمعهما عقد "زواج إيطالي الطبيعة والسمة"، بمعنى أنه زواج لا طلاق بعده إلاّ على يد ملَك الموت!! 
 
هذه الحقيقة تَتولّد عنها معطيات أخرى في غاية التعقيد... ذلك أنه إذا كانت حماس مدججة بأسلحة مركونة في مخابئ غزة والقطاع وأنفاقهما، بعيدا عن الحدود الإيرانية؛ فالبوليساريو مدجج هو الآخر بمختلف أنواع الأسلحة، بغض النظر عن كونها روسية ومتهالكة، إلاّ أنها أسلحة مكدسة داخل التراب الجزائري، وفي منطقة يعتبرها البوليساريو منذ سنوات خلت "مقرّاً" للجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية، حتى أنهم أرسَوْا فيها ثكناتهم، ومناطقهم العسكرية، وقواعدهم، وحوّلوا تيندوف مع مرور الوقت إلى عاصمة فعلية لجمهوريتهم الفضائية، بأمنها، وحرسها، ودركها، ومراكزها الأمنية، ومحاكمها وسُجونها... باختصار، دولة داخل الدولة، أو بالأحرى، "كيان غير رسمي لحكم ذاتي" لا تنقصه سوى زخّة من الزغاريد ليصير أمراً واقعاً ومُرَسَّماً يصعب بعد ذلك الارتفاع أو القفز عليه... و"هنا طاح الريال.. وهنا نلعبو عليه" كما تقول أهازيجنا الشعبية!!
 
ذلك، أنّ المشكلة لا تقف عند هذا الحد فحسب، والذي تحوّل مع مرور نصف قرن ويزيد إلى أمر واقع، بل تتخطى ذلك إلى اكتشاف عجزة الموراديا أنفسهم ومعهم مخابراتهم المضحكة أمام جيش على درجة معيّنة من التسليح والتدريب، ومِن "الهبال"، اقتداءً بقائده شمكار الرحامنة الأهبل، إبراهيم الحرامي، وفوق ذلك، يوجد على مرمى حجر من مؤسسات إنتاج الغاز والنفط الجزائريَيْن، المسروقَيْن من "حاسي الرمل" و"حاسي بيضا" المغربيتين، وهو الآن، وأكثر من أي وقت مضى، على أهبة الاستعداد للدفاع عن جمهوريته رغم كونها وهمية، والذود عن ترابه وكرامته ضد جيش جزائري يعلم مقاتلو البوليساريو عن كثب أنه لا يساوي ما حِيكَتْ حوله من سمعةِ ثالث أقوى جيوش إفريقيا بعد جنوب إفريقيا ومصر، أو ثاني الجيوش العربية بعد مصر، أو ثالثها بعد مصر والسعودية... المهم والأهم في آن واحد، أن البوليساريو لن يستطيع تفكيك ذاته حتى لو أراد ذلك، لأنه، فضلا عن كل الاعتبارات سالفة الإشارة، يعلم حق العلم طبيعة تركيبته البشرية، التي يختلط فيها الموريتاني بالمالي وبالتشادي والنيجري والبوركيني والكوبي والكوري وربما أيضاً بالمصري والليبي والتونسي... إلاّ الدم الصحراوي، الذي تنفرد به جموع المحتجزين من النسوة والأطفال وبعض العجزة المتبقّين مما تركته إسبانيا وراءها سنة 1975، ممن شملهم آخر إحصاء إسباني قبل الجلاء عن المنطقة بالكامل!!
 
فكيف إذن سيتسنى لحركة لقيطة كالبوليساريو أن تُفكّك نفسها، وأن تحُلّ آصرتها وتنزع سلاحها من تلقاء ذاتها، خصوصاً وأنها تدرك وتعي بأن نظام الجزائر استعملها كورقة خاسرة، أو بالأخرى كورقة توت لم تستطع أن تغطي شيئاً من عوراته، التي يُصبح العالم ويُمسي ضاحكاً ساخراَ من افتضاحها المتواصل إلى درجة الإدمان... الإدمان على العُري، وعلى الاختباء وراء السراب... والعبرة بما سيأتي به قريب الأشهر والأعوام... والأيام بيننا يا جيران الضياع!!!