الخميس 18 إبريل 2024
فن وثقافة

عبد الإله التهاني يشرع نوافذ "مداراته" على سؤال الإبداع عند لطيفة باقا

عبد الإله التهاني يشرع نوافذ "مداراته" على سؤال الإبداع عند لطيفة باقا القاصة لطيفة باقا والزميل عبد الإله التهاني

استضافت الإذاعة الوطنية بالرباط، يوم الثلاثاء 26 ماي 2020، ضمن حلقة جديدة من برنامج "مدارات"، الكاتبة لطيفة باقا، في حوار أدبي، أداره الزميل عبد الإله التهاني؛ وتمحور حول تجربتها في الكتابة القصصية، ومسارها الثقافي، ومراحل تشكل وعيها الأدبي، وكذا انطباعاتها حول وجوه بارزة في الثقافة المغربية الحديثة.

"أنفاس بريس" تقدم لقرائها ومضات من هذا الحوار مع القاصة لطيفة باقا:

 

أصول الكاتبة لطيفة باقا

"أنا سلاوية الأصل، درست بمدينة الرباط. سلا لها عشق طفولي، لأنها هي بداية تشكل شخصيتي، وهي البدايات التي صنعتني. سلا لها دور كبير في وجداني وذاكرتي، وتحركاتي على مستوى المجال انعكس على شخصيتي... أما أكادير فأعتبرها فضاء مناسبا للكتابة وللحياة.. أكادير الهادئة والمريحة للأعصاب. وحتى لا أنسى مراكش، فهي الأصل لأن والدي مراكشي.. الكاتب مطالب بالتحرك في المكان"؛ هكذا افتتحت ضيفة "مدارات" لطيفة باقا الحديث عن تشكل شخصيتها ارتباطا بمجالها.

 

مسار تشكل وتأثر شخصية باقا

ركزت فيه الكاتبة على تقسيم مراحل النشأة والتفاعل والتطور والإنتاجات الأدبية.. فـ "الإرهاصات الأولى ارتبطت باليوميات التي كتبتها كتلميذة، لتليها مرحلة الدخول للكتابة القصصية بالصدفة"، مؤكدة على أن "الكاتب قارئ قبل أن يكون كاتبا"، على اعتبار أن القراءة سلاح فعال لاقتحام "مجال خارق للعادة اسمه الأدب".

 

وكشفت لطيفة باقا عن ابتلائها بالكتابة الذي كان نتيجة إيمانها العميق بـ "أدب القرب الاجتماعي الضاج بالصور الاجتماعي من الواقع المغربي بأسلوب شيق مثله الجيل المؤسس"؛ لكنها عندما تعود بالذاكرة إلى الوراء، فارتباطه بالأدب لقح بإنتاجات "الأدب العربي وبعض الكتاب المشارقة، مثل جورجي زيدان، المنفلوطي، إحسان بعد القدوس، طه حسين، ونجيب محفوظ.."

 

هذا التراكم الغزير في القراءة وفر للكاتبة شحنة أدبية قوية جعلتها "تنفتح في مرحلة ثانية على الأدب المغربي وكتابه الكبار من أمثال محمد زفزاف، الذي انبهرت بعوالمه؛ ثم الكاتب عبد الكريم غلاب وإدريس الخوري، وأسماء أخرى لها حضور وازن في الساحة الأدبية المغربية".. مضيفة: "لقد استفدت من التعليم المزدوج، مما يسر لي الانفتاح كذلك على قراءة إنتاجات الأدب الغربي".

 

وفي سياق متصل بإنتاجاتها القصصية باحت الكاتبة لطيفة باقا لمستمعي برنامج "مدارات" بأنها "تشتغل منذ مدة على نص روائي" لاكتشاف عوالم تقنيات الكتابة الروائية. مصرة على أن "تجربة كتابة القصة بكل مقوماتها هي تجربة صعبة"، على اعتبار أن "التكثيف الذي يحدث في القصة أكثر صعوبة".. لكنها أكدت بالقول "أعتبر نفسي قاصة ضمن الكاتبات المغربيات، لقد وجدت صوتي داخل هذا الجنس الأدبي".

 

إخلاص ضيفة "مدارات" لجنس القصة يستشف من نموذج قصة "الغرفة المجاورة" كنص قصصي يمتاز بنوع من تقنيات الكتابة الراقية، والتكثيف والشخوص -حسب معد البرنامج الزميل عبد الإله التهاني- الذي أثار في سياق اللقاء سؤال الكتابة الروائية؟ ومن هذا المنطلق شددت الكاتبة لطيفة على أن "نصوصها القصصية ترشح بنفس روائي"، الشيء الذي "جعلها تدخل هذا التحدي".

 

دراسة علم الاجتماع اختيار صائب

دراسة علم الاجتماع كان عاملا جيدا في مسار الكاتبة لطيفة باقا؛ فهل أسعفتها السوسيولوجيا ككاتبة قصة.. "من حسن حظي أنني قادمة من شعبة علم الاجتماع، التي جعلتني أطل من نوافذ متعددة على العالم، وأفهم الميكانيزمات التي تتحكم في حركية المجتمع، وكل جوانب الحياة". وقالت بألق أنها "تابعت الدراسة التي تحب وتريد، وفي حاجة إليها، وكان القرار صائبا". السوسيولجيا بالنسبة للكاتبة "فتحت أمامها أبواب الإبداع بشكل مضيء وواسع، وانعكس ذلك على انفتاحها على المجالات الاجتماعية".

 

الحركة النسائية المغربية وسؤال الإبداع

 انجذبت لطيفة باقا بالكاتبة "فرجينيا وولف" وتماهت مع كتاباتها، حيث "تعرفت عليها منذ زمن بعيد، واكتشفت فيها صوتا مختلفا، إنها تكتب من زاوية حادة".. هذا الموقف تصادف وانخراط الكاتبة لطيفة باقا في الحركة النسائية المغربية التي كانت تحدد مطالبها في الحقوق الاجتماعية والقانونية، حسب قولها. مؤكدة على أن الحركة النسائية بالمغرب "لم تنفتح على حقوق المرأة المبدعة". وتساءلت في هذا الشأن، قائلة: "ماذا قدمت الحركة النسائية المغربية للمرأة المبدعة؟ "

وعن مراحل الكتابة قسمتها لطيفة باقا بحسب طرحها لسؤال "ما الذي نفعله؟ ثم مرحلة الاستفادة من الزمن الضائع والتصالح مع الذات، ثم مرحلة الإعلان عن الاتخراط في فعل الكتابة.. الفعل الثقافي المتحرر".

 

أما سؤال الترجمة لنصوص ضيفة "مدارات"، فقالت "لقد ترجمت نصوصي القصصية إلى عدة لغات من بينها الفرنسية، والإسبانية، والألمانية، والبرتغالية..." وأبدت أسفها على أن "القصة لا تقرأ في فرنسا، وليس هناك اهتمام بهذا الجنس الأدبي"، بخلاف "الثقافة الأنجلوساكسونية التي تهتم بالقصة بشكل كبير..."

 

قلة المنتوج الإبداعي النسائي مقارنة مع الكتاب يعود بالنسبة للطيفة باقا إلى "معاناة المرأة"، على اعتبار أنها "ظاهرة عالمية تبرز أن المرأة في مجال الإبداع أقل من الرجال"، مع العلم تؤكد نفس المتحدث أن "المسألة لا تقاس بالكم ولكن بالكيف".. واستطردت موضحة بأنه "لا يعني وجود كتاب بشكل وافر أن هناك قيمة إبداعية في الإنتاج الأدبي... والتاريخ كفيل بغربلة العمل الحقيقي والأعمال الزائفة".

 

الأقلام الشابة بالمغرب وسؤال الكتابة والإبداع

 وعن سؤال اطمئنان الكاتبة بمشتل الشباب المبدع أجابت "أنا مطمئنة، هناك أقلام شابة قادمة، أقلام مستقبل الأدب المغربي المكتوب باللغة العربية الجميلة"، وشددت على أن "استمرارية الكتابة في حاجة إلى نوع من الاحتضان، فالتاريخ لا يمنح كتاب كل سنة (10 سنوات نحتاج لظهور كاتب)". واستغربت الكاتبة لطيفة باقا كون "المؤسسة الثقافية، والمؤسسة التعليمية، لا تقومان بعمل الاحتضان"، كاشفة أن التراجع قد طال "دور المعلم الذي كان يؤطر الأنشطة الثقافية ويحفز على القراءة الكتابة والإبداع".

 

إشكالية جودة السيناريو في علاقة مع الكتاب

أما سؤال عدم انخراط الكتاب في كتابة السيناريو وتأليف الأعمال الدرامية للرفع من جودة المنتوج في الساحة الفنية فأفادت فيه باقا بأن "الضعف الذي يعرفه مجال الانتاج التلفزيوني والسينمائي مرتبط بكتابة السيناريو... غريب جدا هذا الوضع في المغرب المتمثل في عدم انخراط الكتاب في كتابة السيناريو".. موضحة بأن "عدد كبير من الروائيين لا يهتمون بالسينما". واستغربت كون "المخرج المغربي يكتب السيناريو بنفسه، ويقوم بإخراجه، ويمثل في الفيلم".. وتأسفت على عدم "احترام التخصصات"؛ مؤكدة أن "الأدب يجب أن يعانق السينما لإنتاج إبداع يشبه المغاربة ويتصالح مع وطنيتهم وانتمائهم".

 

الخيط الناظم بين المرنيسي وزفزاف وزينب فهمي

الزميل عبد الإله التهاني اختار أسماء لامعة في مجال الإبداع قدمها لضيفته:

فاطمة المرنيسي؟: "أستاذتي رحمة الله عليها، أعتبرها كاتبة اختارت نضال الكلمة، تركت لنا ثروة كبيرة جدا في الدراسة السوسولوجيا، إنها امرأة شجاعة، أغنت ببحثها في التراث وتشريح المجتمع الذكوري...إنها إنسانة متحررة (...)لقد كشفت في كتاباتها عن وهم "الفردوس المفقود"، وعرت الوجه البشع للغرب، المغلف بالتنوير والانفتاح".

محمد زفزاف؟: " لم يأخذ حقه كاملا، لقد كان كاتبا مستقبليا يتجاوز مرحلته، كان للمرحوم مشروع روائي عالمي، كان يمتلك ما يجعل منه كاتبا عالميا.. سوف يستمر مؤثرا في الأجيال القادمة".

رفيقة الطبيعة (زينب فهمي)؟: "بحث عن هذه المرأة منذ فترة طويلة لأعرف ماذا وقع بها وأين هي؟.. رفيقة الطبيعة اسم أساسي في جيل رائدات الكتابة المغربية، تتجاوز عصرها بلغتها وجرأتها وشجاعتها"...