الثلاثاء 23 إبريل 2024
كتاب الرأي

الديبلوماسي محمد بنمبارك: العمل العربي المشترك في زمن "كورونا"

الديبلوماسي محمد بنمبارك: العمل العربي المشترك في زمن "كورونا" محمد بنمبارك

ينشغل العالم ومنذ حوالي ثلاثة أشهر بمكافحة انتشار جائحة "كورونا المستجد كوفيد19"، الذي يمثل تهديدا خطيرا لصحة البشر وشل الحركة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفنية والرياضية... في مختلف البقاع. وبالنظر إلى هول وحجم خطورة هذا الفيروس الكاسح، فقد تعذر على العديد من الدول من بينها العظمى، مقاومته بإمكانياتها الذاتية دون الحاجة إلى التعاون والاستشارة والدعم الخارجي.

 

دول الاتحاد الأوروبي، لم تتأخر في الالتئام وتوحيد جهودها لاجتثاث هذا الفيروس من أرضها، رغم كبوات وتعثرات التعاون المسجلة بسبب فجائية الوباء، لكنها لم تنعدم مبادرات ومحاولات جماعية، إدراكا منها بالخطر المحدق بشعوبها واقتصادياتها، وهو ما جعلها أخيرا تؤمن بحتمية العمل في إطار المنظومة الأوروبية الموحدة، وهو منهاج عمل يقتدى به من قبل من باقي التجمعات الدولية والإقليمية والقارية ومنها العربية.

 

لم تسلم الأقطار العربية بدورها، من هذا البلاء وتداعياته، فقد سجلت إلى حدود أواخر أبريل، أكثر من 60 ألف مصاب من بينهم أكثر من 1400 وفاة، فيما ارتفع عدد المتعافين إلى 127 ألف. وهي ظرفية عصيبة غير مسبوقة، تتطلب من الأقطار العربية التشبث بقيم التضامن والتآخي والتسلح بآليات التعاون المشترك وعلى الأقل تبادل التجارب، سواء في إطار النظام العربي أو المنظومة الإقليمية منها الاتحاد المغاربي أو تفاصيله القطرية، لمعالجة هذه المأساة الإنسانية الشاملة.

 

في خضم هذه الأزمة، جاء احتفال أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، في 22 مارس المنصرم، بالذكرى 75 لتأسيس هذه الهيئة عام 1945، عبر توجيه رسالة إلى ما يقارب 430 مليون من ساكنة العالم العربي حكاما وشعوبا، هنأهم بالعيد الماسي لهذه المنظمة مدافعا عن وجودها كبيت حصين للعرب مبشرا بمستقبلها. لكن الملفت للانتباه أن أبو الغيط لم يعر أزمة  "كورونا" ما تستحقه من اهتمام، كما لم يجرأ على تقديم حصيلة 75 سنة من أداء جامعة العرب، لأنه يدرك أنها مخيبة للآمال.

 

العالم العربي اليوم منهك متعب، وهو يواجه منذ أكثر من شهرين بلاء "كورونا"، ويتساءل الجميع أين دور الجامعة العربية في ظل هذه الظروف العصيبة التي تتطلب جاهزية هذه المؤسسة القومية للتشاور والدعم والتعاون فيما بين أعضائها. بل اكتفى الأمين العام المساعد للشؤون الاجتماعية بإصدار بيان إعلامي يتيم، حول انعقاد جلسة حوارية يوم 9 أبريل، ضمت 14 خبيرا عن وزارات الصحة العربية، وخبراء صينيين للتشاور حول الفيروس وطرق الوقاية منه، انتهى البيان الإعلامي المحبط للأمانة العامة للجامعة.

 

جامعة الدول العربية لا تنقصها أدوات الفعل، فقد كان عليها الانخراط في حرب العرب ضد الوباء، عن طريق الاشتغال على عدة مسارات، قمة عربية، وزراء خارجية، مجلس وزراء الصحة، لاتخاذ تدابير استعجالية تضامنية لمواجهة "كورونا" من خندق موحد، ليس أقلها إحداث صندوق عربي لدعم دول وشعوب عربية تمر بأوضاع جد حرجة. فالمآسي الإنسانية لا تنقص العرب: ها هو لبنان المنهك، الذي يعاني من عبء أكثر من مليون لاجئ سوري زادت معاناتهم بسبب "كورونا"، يطالب بتقديم دعم لمواطنيه وللاجئين. الأردن بدوره يحتضن نحو 1.3 مليون لاجئ سوري في حاجة إلى تمويل ومساعدات إنسانية. أما معارك العرب العبثية في اليمن وليبيا فلم تشفع فيها المناشدات الناعمة للجامعة العربية والأمم المتحدة لوقف إطلاق النار، ليستمر القتال بين الإخوة دون الالتفات إلى خطر الجائحة المحدق بالجميع.

 

تعمقت، من جهة أخرى، مأساة الشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال والحصار الصهيوني أمام صمت عربي وإسلامي مريب وتواطؤ دولي فاضح. يضاف إليها صرخات الأسرى الفلسطينيين بسجون الاحتلال في غياب أية حماية أو رعاية صحية من الوباء، أظهرت فيها إسرائيل مرة أخرى أنها كيان بغيض يفتقر إلى أي وازع إنساني ولو زمن المحنة الكونية. محنة امتدت لتشمل ما يقرب من مليون لاجئ فلسطيني بالمخيمات المنتشرة بلبنان وسوريا، فمن يتحمل مسؤولية حماية هؤلاء اللاجئين والتخفيف من معاناتهم؟. لتلقى المسؤولية برمتها للإغاثة، على السلطة  الفلسطينية ووكالة "الأونروا"، و"الإسكوا" ومنظمة الصحة العالمية ثم مفوضية شؤون اللاجئين الدولية.

 

أما على الصعيد الإقليمي العربي، فيبرز أمامنا مجلس التعاون الخليجي واتحاد المغرب العربي، فالأول، انغلق على نفسه، بعد أن أبدى حركية تضامنية، ولو محدودة، فيما بين أعضائه الستة، أما اتحاد المغرب العربي فقد خيب مرة أخرى آمال شعوبه، بعدما سجل غيابه المطلق عن هذه الأزمة، فلم يوقظه من سباته لا الخطر المحدق بالمنطقة المغاربية، ولا وحدة الجغرافيا والشعوب والمصالح، ليكرس من جديد  نمطه في التفرقة والانعزال وسقوط شعار التضامن والتآخي المغاربي ولو زمن المحنة.

 

إذا كان سوء الطالع ظل سيد الموقف، بعد أن تأكد للشعوب العربية أن منظماتهم قد خذلتهم وتخلفت عن أداء رسالتها في التعاون والمساعدة، فماذا يمكن القول عن العلاقات الثنائية العربية؟. إن أول ما يسترعي الانتباه هو تلك الخطب الموجهة من قادة عدد من الدول العربية إلى شعوبهم حول التدابير المتخذة لمكافحة فيروس "كورونا" فمعظم تلك الخطابات عالجت هذه الأزمة قطريا وانشغلت بتدبير شأنها المحلي، بعيدا عن إطلاق أية مبادرة تعاون عربي جماعي أو إقليمي أو جوار.

 

واقع العالم العربي يسجل أن هناك بونا شاسعا في الثروات بين دوله، فتحت تأثير الوفرة المالية للدول الخليجية، كان المفترض في هذه اللحظة الفارقة من الأزمة، أن تبادر إلى تمويل ومساعدة دول عربية في أمس الحاجة إلى التفاتة إنسانية، يكون لها الأثر البالغ في تدعيم العلاقات العربية في سياقها الثنائي بعد فشلها الجماعي، لكن مبادرات من هذا القبيل انعدمت، ليأتي الدعم المالي من الأجنبي، الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية ومنظمات دولية.

 

لكن ما استرعى الانتباه خلال هذه الأزمة الإنسانية أن الدعم الخليجي للأشقاء العرب، يرى فيه البعض بأنه بات رهينا بمبدأ التبعية والوصاية للاستفادة من الكرم الخليجي وهو موقف يزيد الوضع تعقيدا. قد يكون الوقت مازال سانحا لكي تتدارك دول الخليج مواقفها فرادى أو جماعة، لتتقدم بمبادرات إنسانية تضامنية في هذه الظرفية الحرجة، فالخليجيون بإمكانياتهم المالية والاقتصادية قادرون على لعب دور تعبوي بمختلف أشكال الدعم للتخفيف من المحنة الصحية والآثار الاقتصادية الوخيمة التي تجتازها الشعوب العربية، قد تكون توطئة للتصالح مع الشارع العربي وكسب تعاطفه المفقود.

 

لقد أبانت أزمة فيروس "كورونا" بما أفرزته من تداعيات مخيبة للأداء العربي برمته، أن الموقف بات يتطلب تغييرا جذريا قبل فوات الأوان، فإذا لم يوحد خطر "كورونا" العرب، فمتى ستتوحد جهودهم. أما الجامعة العربية فحسب نداء أمينها العام، فإنه يسعى إلى تكريس أبديتها رغم عدم فعاليتها، دون أن يدرك أن موقف الرأي العام العربي انتقل من مساندة مطلقة لمؤسساته العربية إلى موقف التساؤل عن جدواها وما تستنزفه من موارد مالية في المقابل.

 

مكنت جائحة "كورونا" من رسم صورة قاتمة واقعية عن العلاقات فيما بين الأقطار العربية، وكشفت أنه بحلول الذكرى الماسية لجامعة الدول العربية، يسجل النظام العربي عثرة أخرى تضاف إلى سلسلة العثرات على مدى 75 سنة، لنخلص إلى ما ذهب إليه المفكر كارل ماركس: "إن التاريخ لا يعيد نفسه إلا في شكل مأساة أو مهزلة".

 

- محمد بنمبارك، دبلوماسي سابق