الجمعة 19 إبريل 2024
سياسة

عمر السغروشني: التكنولوجيا الرقمية تقود إلى إعادة ترتيب أدوات التحكم على المستوى الدولي

عمر السغروشني: التكنولوجيا الرقمية تقود إلى إعادة ترتيب أدوات التحكم على المستوى الدولي عمر السغروشني

في هذا الحوار يسلط الأستاذ عمر السغروشني، رئيس اللجنة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي ورئيس لجنة الحق في الحصول على المعلومات، الضوء على الأشكال الجديدة التي فجرتها جائحة كورونا، انطلاقا من طريقة توظيف تكنولوجيا المعلوميات، ومدى تمكنها من حسن مواجهة مخاطر هذا الوباء؛ فضلا عن إشارته إلى أنه لا ينبغي تبخيس قدرات المغرب في هذا المجال. ولم يفت الأستاذ السغروشني الإشارة إلى أن الأمر، اليوم، "لا يتعلق بمحاولة ركوب "قطار الرقمي والمعلومة"، بل علينا الإسراع لركوب "القطار فائق السرعة (TGV) للمعلومة الرقمية المواطنة". كما أن الأمر لا يتعلق بمجرد مقاومة أعراض الأمراض التي يعرفها المجتمع الحديث، مثل الأخبار الزائفة والخروقات الرقمية للحياة الخاصة، بل علينا حسن التوقع وممارسة الوقاية المسبقة".

 

+ فجرت جائحة كورونا نقاشا غير مسبوق في العالم، حول شكل التدبير الجديد للدولة الحديثة، انطلاقا من طريقة توظيف تكنولوجيا المعلوميات، ويتم التركيز هنا في الغالب على التجربة الصينية. ذلك أن توظيف بنيتها التكنولوجية الحديثة، مكنها من حسن مواجهة مخاطر انتشار الفيروس والنجاح في تطويقه. هل دخلنا أستاذ عمر السغروشني، في نظرك، زمن الحكم بالمعلوميات؟

- تتعلق الظاهرة التي تحيل عليها بما يسمى "إدارة البيانات" (DATA GOUVERNANCE). والسؤال ليس مرتبطا بمسألة التدبير الإداري الذي يعتمد التكنولوجيا والمعلوميات، بل بالتدبير الذي يستعمل المعلومة المتحققة بفضل تلك التكنولوجيا وتلك الإعلاميات. فالأمر لا يتعلق بما تتوفر عليه من وسيلة نظر، هل هي نظارات طبية أو عدسة مكبرة، بل بتحديد ما الذي نملك حق الاطلاع عليه بتلك العدسة. والسؤال أيضا ليس مجرد استعمال مسجل، بل بمعرفة وتحديد ما الذي لنا الحق في تسجيله وكم من الوقت سنحافظ على ذلك التسجيل.

 

+ تأسيسا على ما تفضلتم به، ألا ترون معي، أن العالم يدخل منعطفا غير مسبوق، كما أشار إلى ذلك عدد من الباحثين الاقتصاديين وعلماء السبرنيتيقا، يجعل البشرية تنتقل من الرأسمالية الصناعية إلى الرأسمالية الرقمية؟

- نعم، بعضهم يتحدث عن الرأسمالية الرقمية، وآخرون عن الرأسمالية الرقابية. لكنني لست متحمسا كثيرا لمثل هذه التسميات، لأنها تصدر عن معنى قدحي دلاليا لكلمة "الرأسمالية". ومن وجهة نظري يخشى أن يخلق ذلك فهما يعتبر أن كل من يحاول تأطير هذا التطور لـ "المعلوميات المتوحشة" لمجتمعاتنا، هم فقط المعارضون التقليديون للرأسمالية وللعالم الحر. أي أولئك الذين كانوا دوما في خصومة مع التغيير، متأخرين فعليا عنه.

رغم ذلك، فالسؤال أكبر من مجرد إن كنا ضمن سياق لاقتصاد للسوق أو اقتصاد للدولة. وليست حتى مسألة المراقبة موضع السؤال والمناقشة. بل الأمر يتعلق بمستوى التتبع TRACABILITE الذي نريده لمجتمعاتنا. فنحن بإزاء عصر هائل لترسيم "مجتمع للتبع" بدون وضع آليات حكامة موائمة، سواء على المستوى الوطني وأكثر من ذلك على المستوى الدولي. فالتتبع اليوم هو وسيلة للحكامة بلا جدال.

إذ تبعا لنوع التتبع الذي نخلقه بإمكاننا العبور من الحلم إلى الكابوس.. أو من الكابوس إلى الحلم. فالإشكالية لم تعد حتى مسألة توجه رقابي، بل هي مرتبطة بوضع (تأسيسا على مقولة المصلحة الوطنية) آلية حكامة دولية غير متوازنة وبدون رقابة تنظيمية. الأمر يتعلق بترسيخ الآليات الرقابية الديمقراطية التي يمثلها المنتخبون المحليون والوطنيون، وأيضا بخنق أدوات التدبير الخاصة بالسيادة. فما الحل إذن؟ لا يتعلق الأمر، طبعا، بمناهضة هذا التحول الساري عالميا، بل بعدم التعامل معه بسذاجة. أي أن نكون في مستوى، من جهة، حسن تصريف مستوى التتبع المستهدف، ومن جهة أخرى، تكوين مواطني وشباب الغد على حمل قيم التقدم والعيش الكريم، حتى يتمكنوا من حسن قيادة مجتمعهم. بدون محافظة غير مجدية، ولا تسرع غير عاقل.

هناك خطران لابد من حسن التحكم فيهما: الأول، هو معارضة التطور المتحقق في العالم من موقع المحافظة. الثاني، أن ننخرط برأس محنية، بدون تفكير، مثل الثور باتجاه الخرقة الحمراء، بدون التساؤل عن ما الذي يوجد وراء تلك الخرقة الحمراء.

 

+ ألسنا بهذا المعنى، أمام شكل جديد للتحكم في العالم، من موقع القوة الرقمية، يدشن لشكل جديد للاستعمار أو الوصاية أو لنسميه ما شئت، ستكون الدول غير المهيكلة تقنيا وسياسيا وتنظيميا وأمنيا ضحية له؟

- واضح أننا نشهد إعادة ترتيب لأدوات التحكم على المستوى الدولي. لهذا السبب فإن المقاربات المتعددة الأطراف ستكون هامة. لقد أفضت الحرب العالمية الأولى إلى تأسيس "هيئة الأمم"، فيما أفضت الحرب العالمية الثانية إلى تطويرها نحو "منظمة الأمم المتحدة". والأزمة الحالية ستسرع بشكل مدوخ المجال الرقمي، وستدفع أكيد نحو تطوير الأدوات المتعددة الأطراف للتحكم في الآليات الجديدة للهيمنة التي ستصدر عنها.

بالنسبة لبلدنا، فالأمر ليس مرتبطا فقط بعدم البقاء خارج التاريخ، بل إن الموضوع الأهم يتعلق بحسن الاستعداد للتواؤم جيدا مع هذا الوضع الجديد. ليس علينا التوهم والمطالبة بالقمر، لكننا نملك كامل الحق الإنساني في محاولة السعي لامتلاك أفضل مكانة لنا في هذا العالم الجديد. ولأجل ذلك، علينا تجاوز التأمل التقني الأولي.

 

+ لا بد لي، أستاذ عمر، أن أسأل عن بلادنا المغرب. هل نحن محصنون لعدم الوقوع في شباك هذا الشكل الجديد من الوصاية والاستعمار؟. هل تقنيا ومعرفيا وعلى مستوى الانتباه السياسي الدولة مدركة لمستوى هذه المخاطر الجديدة؟ هل هناك وعي استراتيجي تركيبي لخطة حماية وطنية شاملة؟

- علينا عدم تبخيس قدرات بلادنا. فثرواتها متعددة وكثيرة. ربما هي غير كافية أو غير مستغلة بشكل جيد، لكن بلدنا ليس ضعيفا. فالذكاء الجماعي المنبثق عنها هذه الأيام التي تتطلب مواجهة صحية مستعجلة، خير دليل على ذلك. والسؤال لا يتعلق بمدى توفر المادة الخام للتفكير. بالتالي على قراراتنا أن تتجاوز مستوى المنطق البسيط إلى مستوى التحليل المبني جيدا والدقيق. وهنا ربما قد نواجه بعض المصاعب. لكن مع قليل من الصبر والإصرار ستنجح بلادنا في التحدي.

 

+ من موقع مسؤوليتكم على رأس لجنتين هامتين جدا من قيمة اللجنة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي ولجنة الحق في الحصول على المعلومات، ما هي الوضعية الفعلية اليوم لحماية معطيات المغرب ومعطيات المواطنين المغاربة أمام المؤسسات الدولية المتحكمة في صناعة السبرنيتيقا؟ هل بلغ الوعي العملي مغربيا مستوى إدراك المخاطر الخارجية وبالتالي نمتلك الفطنة لحسن التعامل مع حق حماية المعطيات وحق الوصول إلى المعلومة؟

- مسؤوليتنا الحقيقية هي جعل اللجنتين، كل على حدة، غير محدودة الأدوار في ما هو إداري أو حتى بيروقراطي. أكيد، عليهما لعب دور المرافقة للعمل المؤسساتي للقانون والحق، لكن عليهما أيضا المبادرة للتعريف ومرافقة الموائمة مع روح القانون. ولا يتعلق الأمر بمحاولة ركوب "قطار الرقمي والمعلومة"، بل علينا الإسراع لركوب "القطار فائق السرعة (TGV) للمعلومة الرقمية المواطنة". ولا يتعلق الأمر بمجرد مقاومة أعراض الأمراض التي يعرفها المجتمع الحديث، مثل الأخبار الزائفة والخروقات الرقمية للحياة الخاصة، بل علينا حسن التوقع وممارسة الوقاية المسبقة.

فالأمر لا يتعلق فقط بـ "الفعل"، بل بالتفكير في ما علينا فعله. والنقاش هنا لا يجب أبدا خنقه. وما ينقصنا اليوم، أكثر من قواعد المعلومات هو الآذان السليمة الوقر. وأكثر من المنطق التقني، هو منطق المواطنة.