الخميس 28 مارس 2024
فن وثقافة

حكاية الشيخ جمال الزرهوني وفن العيطة مع رجال السلطة

حكاية الشيخ جمال الزرهوني وفن العيطة مع رجال السلطة الشيخ جمال الزرهوني (يمينا) مع عامل إقليم الرحامنة

حينما استقبل عامل إقليم الرحامنة الفنان الشيخ جمال الزرهوني، رئيس جمعية عبدة لشيوخ العيطة الحصباوية، وخصص له حيزا من وقته الثمين أمام كثرة انشغالاته واهتماماته بملفات التنمية بمنقطة الرحامنة، وأجندة لقاءاته المنضبطة، خرج الشيخ جمال بانطباع جميل تجاه المسؤول الأول عن الإقليم، وتقدم بتصريح (انظر رابط الفيديو) عبر من خلاله عن لحظة سعادته وهو منبهر بالتقدم المضطرد على عدة مستويات بمنطقة الرحامنة.

 

ونحن نلتهم الطريق على متن سيارة الشيخ جمال الزرهوني في اتجاه مدينة أسفي لتغطية ورشة العزف والغناء بمدرسة جمعية عبدة لشيوخ العطية الحصباوية، تبادلنا أطراف الحديث عن سلوكات المسئولين في علاقاتهم بمحيطهم الاجتماعي، وكيف يتعاملون مع الفنانين، حيث تمخض على هامش النقاش الصريح هذه المادة الإعلامية التي تقاسمها جريدة "أنفاس بريس" مع قرائها .

 

هناك من يجرد رجال القضاء والسلطة والأمن من أحاسيسهم الإنسانية وعشقهم للثقافة والفن والتراث، بل أن هناك من ينظر إليهم باحتقار، ويصنفهم في خانة "الجهل" بالموروث الثقافي الشعبي على اختلاف خصوصياته وتلاوينه. وكأنهم خلقوا من أجل ممارسة مهنهم بشكل روتيني بعيدا عن لحظات الإبداع والفرح، في الوقت الذي نجد فيه مجموعة من المسؤولين في هذا السلك أو ذاك لهم باع طويل في الكتابة والقراءة وتتبع الجديد عل جميع المستويات المعرفية والفنية، ويعشقون الموسيقى والغناء ويجيدون العزف على الآلات الوترية، ويمتلكون أصواتا ساحرة تطرب لها الأفئدة عند إلقاء أشعار قصائدهم.

 

في هذا السياق نستحضر نموذج رجل الأمن الراحل بوعسرية/ أبو شادي، وكيف عالج  تراث فن العيطة من خلال كتاباته الرائعة في الجرائد الوطنية وهو ينبش في الغناء العيطي، ويجالس فطاحلة الغناء ورجال الصحافة والكتاب والشعراء والموسيقيين والفنانين الشعبيين من أجل الارتقاء بهذا النمط الفني الشعبي.

 

طرائف كثيرة تجعلنا نترافع عن عشق هؤلاء لكل ما هو جميل ونابع من أصالة ثقافتنا الشعبية ، سنقف عند واحدة حكاها الشيخ جمال الزرهوني لجريدة "أنفاس بريس".

 

يحكي شيخ العيطية الحصباوية جمال الدين الزرهوني عن طرائف كثيرة وقعت له خلال مساره الفني، تستحق القراءة والتحليل في علاقة بعشق المغاربة لنمطه الغنائي العيطي.

 

على متن سيارته كان الشيخ جمال يسابق الزمن للوصول إلى هدفه في الوقت المحدد بشوارع مدينة الدار البيضاء، لكن الشيخ سيقع في المحظور بعد اجتيازه للضوء الأحمر دون أن يفطن لسلوكه، مما عجل بتوقيفه من طرف عناصر الشرطة للقيام بواجبها القانوني إزاء المخالفين لقانون السير، بعد تفحص أوراق السيارة حضر مسؤول أمني كان يتابع الحدث، بعد أن فطن بأن عناصره الأمنية لم تتعرف على الفنان جمال، وخاطبهم بانتشاء قائلا لهم، أنتم أمام "قامة فنية تراثية شعبية تستحق أن نتجاوز خطأها غير المقصود، إنه ابن منطقة عبدة الساحرة الشيخ جمال الزرهوني أخ الفنان عابدين الزرهوني..". فقدم جمال اعتذاره للمسؤول الأمني ولعناصر الأمن الذين تعاملوا معه بعشق وحب.

 

هذا السلوك الراقي من رجال الأمن تجاه الشيخ جمال، جعل هذا الأخير يفكر قليلا في العلاقات القائمة بينه وبين المجتمع ورجالاته من خلال فن العيطة، لكن ما هي إلا لحظات قليلة بعد اجتيازه لشارع آخر، حتى أعاد نفس الخطأ ليجد نفسه أمام شرطي آخر، أمره بالتوقف وتقديم أوراق السيارة... فعلا قام الشيخ بالواجب أمام عنصر الأمن الذي سأله عن المدينة التي قدم منها للدار البيضاء.

 

شرطي المرور تعرف على الشيخ جمال الزرهوني القادم من أسفي، وقدم له التحية، لكن القرار الذي اتخذه كان هو الوسيلة الوحيدة للتجاوز عن الخطأ، "أنت على متن سيارتك ينطبق عليك قانون السير مثلك مثل جميع المواطنين، لكن إن كنت تحمل معك آلة لوتار فهي الوحيدة القادرة على محو الخطأ، أنت الآن مثل سائر المواطنين... والوتر هو تأشيرة المرور".

 

ابتسم الشيخ جمال الزرهوني في وجه الشرطي وترجل من السيارة وفتح بابها الخلفي داعيا شرطي المرور لرؤية الآلات الوترية التي يحملها بعناية فائقة وقال له: "ها هي الآلات الوترية بمختلف أحجامها وأشكالها".

 

استودع الشيخ جمال رجل الأمن العاشق لتراث فن العيطة بعد عناق وسلام محبة وود، وكانت فرصة للتعرف على طينة أخرى من المسؤولين الذين يتمتعون بحس فني راق.. وما أكثرهم بمغربنا الجميل.