الخميس 28 مارس 2024
سياسة

استاتي: لا يمكن ربح رهان الأمن المجتمعي بدون انخراط فعال للمجتمع المدني

استاتي: لا يمكن ربح رهان الأمن المجتمعي بدون انخراط فعال للمجتمع المدني لحبيب استاتي

تميزت السنة المنصرمة 2019 بأنها كانت سنة الفتوحات الأمنية بامتياز حيث حققت فيها المديرية العامة للأمن الوطتي نجاحات مشهود لها بها وطنيا ودوليا في محاربة والتصدي اللتهديدات الإرهابية والشبكات الإجرامية الأخرى من عصابات الاتجار في المخدرات والإتجار في البشر والجريمة الإلكترونية فإلى أي حد نجح المغرب في المقاربة الأمنية المعتمدة.

في هذا الشأن اتصلت "أنفاس بريس" بالحبيب استاتي زين الدين، أستاذ القانون الدستوري وعلم السياسة بجامعة عبد المالك السعدي بطنجة، وأجرت معه الحوار التالي:

 

كيف تُقيمّ، في نظرك، المقاربة الأمنية الاستباقية التي يعتمدها المغرب في مواجهة التهديدات الإرهابية والكشف عن الخلايا المتطرفة؟

التقييم الكمي يعزز كل تقدير نوعي. بلغة الأرقام، تمكن المغرب منذ 2002 من تفكيك أكثر من مئتي خلية إرهابية، وهو رقم، في نظري، يبرز مدى نضج عقيدته الأمنية ونجاح استراتيجيتها الاستباقية في تفكيك الخلايا الإرهابية ومكافحتها بالاعتماد على ثلاثة أسس متداخلة تشمل الوقاية، والتصدي لجميع أشكال الإرهاب، فضلا عن إعادة التأهيل. وهو نهج متعدد الأبعاد والأوجه أثبت نجاعته، وخير دليل أنه تحول إلى نموذج يحتذى به ويمكّن من المساهمة بفاعلية في جهود المجتمع الدولي، للتحصين ضد هذا التهديد الذي أصبح يستهدف عدة بلدان. والجدير بالذكر، في هذا السياق، أنه لا بد من التمييز بين الإرهاب والتطرف؛ الأول مرتبط بفعل مدبر يستهدف النظام العام واستقرار البلاد. يبدأ بالتخطيط أو توفير اللوجستيك لتطبيقه، الذكاء الأمني في هذا المستوى يقضي بضرورة تدخل فرقة مكافحة الإرهاب بالمكتب المركزي للأبحاث القضائية قبل المرور إلى التنفيذ. وهنا بالضبط يتعين الانتباه إلى العمل الجبار الذي تقوم به هذا المكتب منذ إحداثه للوقاية من بلوغ التخطيط مرحلة الفعل. بينما يحيل التطرف على ميولات وتوجهات ثقافية تستوجب تكثيف الجهود للحد أو التخفيف من الأسباب والدوافع التي تغذي هذه الثقافة وتحفزها، كما هو الشأن بالنسبة لهشاشة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. للإشارة، التجربة التي راكمتها السلطات المغربية في مواجهة الإرهاب والتطرف تجعلها تزاوج في العمق بين المقاربة الأمنية -على الرغم من أهميتها وضرورتها- والمقاربة الدينية والتنموية بغض النظر عن الملاحظات والثغرات التي انتقلت المملكة من تشخيصها إلى التشاور والحوار الأفقي بخصوص تجاوزها مستقبلا .

يلاحظ أن مجهودات كثيرا تبذل كذلك ضد عصابات الاتجار في المخدرات وجرائم الاتجار بالبشر وفي تنظيم الهجرة السرية، فما هي قراءتك للحصيلة؟

لا يمكن تبخيس الجهود المبذولة في هذا الإطار، مع العلم أن هذه الجرائم في تطور مستمر يهدد جميع الدول. لذلك واقعيا، ليس هناك دولة محصنة، وملايين الأرواح على المحك بفعل تنامي أشكال ووسائل السقوط ضحية لشبكات هذه العصابات. المغرب كغيره من الدول ليس في مأمن، مثلا، من جريمة الاتجار بالبشر وتداعياتها المختلفة، سواء تعلق الأمر بالاستغلال في العمل أو الاستغلال الجنسي وغيرهما. والوضع يزداد صعوبة مع تكاثر أفواج المهاجرين الراغبين في العبور إلى أوروبا، حيث يتحول التراب المغربي كبلد استقرار بالنسبة إليهم بسبب فشلهم في العبور إلى الضفة الأخرى، بالإضافة إلى انتشار ظاهرة خدم المنازل ووكالات الوساطة في تقديم هذه الخدمة من قبل جهات محلية وخارجية، علاوة على تجدد النقاش حول ما يرافق هجرة العمال بعقد محدود نحو الخارج من استغلال واعتداء جنسي (النساء أكثر الضحايا). ولأن هذا الوضع يستلزم اليقظة الأمنية الدائمة، والتطبيق الصارم للمقتضيات القانونية الجديدة، وجب تكثيف جهود جميع المتدخلين للحيلولة دون تنامي أوجه هذه الآفة، ولا سيّما أنها تتخذ أحيانا صورة مشروعة في الظاهر، كما يمكن أن يكون الجناة في العديد من الحالات من محيط الضحية أو الأقارب. معاقبة الجناة بأقصى العقوبات ضرورة اجتماعية، والرفع من منسوب التعبئة واليقظة لحماية الضحايا الفعليين أو المحتملين وتوفير الدعم المعنوي والمادي لهم من شأنه أن يصلح، نسبيا، ما أفسدته المصالح الشخصية والضيقة.

 

خلال أشغال المؤتمر 43 لقادة الشرطة والأمن العرب، التي انعقدت بتونس في دجنبر 2019 بمشاركة وفود أمنية من مختلف البلدان العربية تم الاعتراف بالمغرب نموذج يحتذى به في العالم العربي وإفريقيا في مجال مكافحة الجريمة الإلكترونية وهو اعتراف يتضاعف إلى اعترافات دولية أخرى، فكيف يمكن للمجتمع المدني المغربي وغيره من الفعاليات الاخرى مواكبة إيجابية لهذه الانجازات خاصة بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي؟

عمليا، هو اعتراف مستحق بالنظر إلى الفاعلية والجاهزية التي تعبر عنها الأجهزة الأمنية المختصة على المستويين الإقليمي والدولي استجابة للتحولات الجارية والتحديات المستجدة. من زاوية التفاعل المحلي، ما أحوجنا كذلك إلى الاعتراف بالجهد المبذول لضمان أمن المغاربة وحماية ممتلكاتهم والمؤسسات التي تسهر على الاضطلاع بتدبير وإدارة شؤونهم. على مستوى المواكبة في ظل الثورة الرقمية كما أشرت، لا يمكن ربح رهان الأمن المجتمعي بدون انخراط فعال للمجتمع المدني. إذا أخذنا في الاعتبار عدد قضايا الجريمة المسجلة سنويا، ومجموع خلايا قضايا الاٍرهاب، إلى جانب ارتفاع عمليات التجنيد والاستقطاب الرقمي لشبكات الاٍرهاب، ثم قضايا العنف ضد النساء…إلخ، أمكننا القول إن هذه المؤشرات -وغيرها كثير- تدل على وجود تحد يصعب الاستهانة به، ومقبل على التصاعد، وتعمل الأجهزة الأمنية، حسب الإمكانات والموارد المتاحة لها، بحزم ملحوظ على مواجهته، على الرغم من أن الحيلولة دون اتساع دائرة هذه الحالات والوقائع مسؤولية على عاتق كافة مكونات المجتمع، بدءا من جهود كل من الأسرة والمدرسة في تعزيز منظومة القيم الدينية والوطنية وتنمية ثقافة حقوق الإنسان وواجباتها، مرورا ببنيات العلاج والتقويم وإعادة الإدماج لذوي السلوكيات المنحرفة، ووصولا إلى أدوار مؤسسات الإعلام والتنشئة الاجتماعية والنسيج الجمعوي.