الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

نوفل البعمري: الأقاليم الصحراوية.. أي نموذج تنموي جديد؟

نوفل البعمري: الأقاليم الصحراوية.. أي نموذج تنموي جديد؟ نوفل البعمري

ونحن نتفاعل مع اللجنة الملكية المكلفة بإعداد النموذج التنموي الجديد، لاشك أن هناك إجماع حول كون واحدة من الإشكالات المتعلقة بسؤال التنمية ذاك الجانب المتعلق بالعدالة المجالية، أي العدالة في توزيع الثروة والاستثمارات بين مختلف جهات ومدن المملكة مع أهمية  الأخذ بعين الاعتبار خصوصية كل منطقة جغرافية عن الأخرى، إما لاعتبارات تاريخية أو جغرافية أو مرتبطة بخصوصية سياسية معينة محلية/جهوية، وواحدة من الجهات أو الأقاليم التي لها هذه الخصوصية التي تستوجب تعاطيا خاصا من طرف اللجنة أثناء إعدادها للنموذج التنموي في بعده المجالي الجغرافي، هي المنطقة المشكلة للأقاليم الصحراوية الجنوبية بجهتيها الكبريين بالنظر لوضعية هذه الأقاليم التاريخية علاقة بالنزاع المفتعل حول الصحراء الغربية المغربية، وعلاقة بشكل أكثر خصوصية بمقترح المغرب لحل وإنهاء هذا النزاع المفتعل حول الصحراء، مقترح الحكم الذاتي.

هذا الوضع أضف له هذا المقترح بالأسئلة التي ظلت تطرح حول المنطقة ووضعيتها من البوابة الاجتماعية والاقتصادية ثم الثقافية، والأجوبة العملية التي ستطرحها اللجنة، فهي يجب عليها أن تراعي طبيعة المنطقة تاريخيا، ووضعها السياسي، ثم كذلك طبيعة النزاع المتواجد والمفتعل حولها. عمل اللجنة يجب أن تكون ضمنه ومن داخل التصور الذي وضعه المغرب لإنهاء النزاع، إذ لا يمكن أن تقدم اللجنة رؤيتها للنموذج التنموي دون مراعاة لهذه الخصوصية ودون أن تكون المقترحات المقدمة للمنطقة تراع وتتماشى مع مبادرة الحكم الذاتي التي تظل مبادرة سياسية لكن بأبعاد ومضامين اقتصادية، اجتماعية، على اعتبار أن جزء من الإشكالات التي خلقها النزاع، هي اشكالات مرتبطة بالجوانب الاجتماعية وانعكاساتها على الساكنة وعلى مختلف الأجيال التي واكبت النزاع، كما أن هذا الوضع كان له انعكاس على رجال أعمال المنطقة والمنحدرين منها الذين تتوزع غالبية استثماراتهم بين المنطقة وموريتانيا ولاس بالماس، وهو معطى واقعي مرتبط بالحركية التجارية تاريخيا لساكنة المنطقة.

 

إن أي نموذج تنموي يجب أن ينتبه إلى أن جزء أساسي ممن يعنيهم العرض الذي ستقدمه اللجنة، وسيواكبونه ويواكبون مخرجاتها، خاصة ما يتصل بالجواب على سؤال التنمية بالأقاليم الجنوبية الصحراوية إلى جانب الساكنة المحلية خاصة شبابها ومختلف الفئات التي قج تكون غير مستفيدة اجتماعيا، هم ساكنة المخيمات، هذه الساكنة رغم تواجدها القسري هناك بسبب الحصار الذي فرض عليها وقيد حركتها ومنعها من العودة لوطنها الأم، ستكون في حالة ترقب لما ستقدمه اللجنة من خطوط استراتيجية لتنمية المنطقة، لذلك اللجنة قد تكون عنصر مساعد لها، عنصرا يتجه نحو تجديد الثقة وبعثها في المغرب وفي مبادرته لإنهاء النزاع.. فعندما ستجد نفسها -أي ساكنة المخيمات- معنية بالمخطط التنموي للمغرب، وأنها جزء منه ومن خطته المستقبلية التي سيرسم من خلالها المغرب الذي نريد، سيكون أكثر شجاعة في تقرير مصيره والعودة لوطنه المغرب دون انتظار إنهاء المسار السياسي وستجد قيادة البوليساريو نفسها أمام معطى واقعي، أمام عودة جماعية لساكنة المخيمات نحو المغرب، لأن ما سيقدمه لها إلى جانب العرض السياسي المتمثل في الحكم الذاتي هناك عرض اجتماعي واقتصادي واضح يحقق لها العيش الكريم، ويخرجها من حالة التسول التي وضعتها فيه البوليساريو وقيادتها، ما سيجعلها تشعر بأن هذا النموذج التنموي سيعيد لها كرامتها، كما أن التضحيات التي يقوم بها العديد من الشباب ومن المناضلين بالمخيمات ستكون ذات جدوى، ولها ما يبررها، كما سيجدون ما يقدمونه لساكنة المخيمات في خطابهم السياسي البديل عن خطاب الجبهة الفاقد لصلاحيته.

 

إن اللجنة ليست أمام عمل يشبه عمل مكاتب الدراسات، بل الخلفية التي يجب أن تحكمها وهي تشتغل على مضامين المشروع هو معالجة مختلف الإشكالات التي طرحت وستطرح على المغرب علاقة بمختلف الملفات، على رأسها ملف الصحراء الذي له إلى جانب البعد السياسي، بعدا آخر هو البعد الاجتماعي-التنموي، وما تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الصادر منذ سنوات حول المغرب الذي كان قد خصص فقرات مهمة منه الى تشريح الوضع الاجتماعي بالمنطقة ومختلف تعقيداته ومشاكله الاجتماعية، قد يكون مسعف للجنة في فهم الوضع لذلك هناك ضرورة ملحة قصد انفتاح اللجنة وتخصيص جلسة للاستماع للفاعلين المحليين بالمنطقة والمجتمع المدني الصحراوي، خاصة منه من اشتغل على الوضع الاقتصادي بالصحراء وكانت له تقارير محترمة مستندة على الحقوق المحددة في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. وهو المجتمع المدني المحلي له تصور واضح عن الوضع في المنطقة والمخرجات الممكنة اجتماعيا واقتصاديا لتقديم الأجوبة الملحة على الأسئلة المقلقة على الاختلالات الاجتماعية التي عاشتها المنطقة وشكلت ممرا سهل تسلل عناصر البوليساريو قصد استقطاب وتجنيد بعض الشباب والقاصرين للعمل خدمة لأجندتها في الأقاليم الصحراوية الجنوبية مختبئين وراء هذه الاختلالات وتحت غطاء شعارات براقة يبيعون من خلالها الوهم لمن يسقط في شباكهم، لذلك فاللجنة قادرة على سد هذا الفراغ وقطع الطريق أمام متصيدي الفرص، وتكون من خلال عملها وما ستقدمه للجنوب المغربي من عناصر تجعله ينطلق اجتماعيا وتنمويا، وتجعل التنمية بوابة نحو تعزيز مقترح الحكم الذاتي الذي وإن كانت ملامحه الكبرى سياسية، فجزء كبير من تنزيله وتنفيذه له ارتباط بالسياسة الاجتماعية صحراويا.