Friday 23 May 2025
كتاب الرأي

خالد أخازي: الكاتب العام بالنيابة لوزارة برادة يقول لكم " أنا هنا.. شهادة تقدير... بمواصفات جواز سفر"

خالد أخازي: الكاتب العام بالنيابة لوزارة برادة يقول لكم " أنا هنا.. شهادة تقدير... بمواصفات جواز سفر" خالد أخازي
في شطحات جديدة لوزارة برادة تفتقت بيروقراطية كاتبه العام الذي حل محل قائم بالأعمال إلى حين، عن خرجة تستحق التوثيق في موسوعة "غينيس للمفارقات الإدارية"... إذأطلقت وزارة التربية الوطنية ملحمتها الجديدة: "شهادة تقدير موحدة... من الرباط إلى آخر قسم في قمم الجبال"، في مراسلة رسمية صيغت بمنطق سيادي لا يضاهيه سوى بلاغات حالة الطوارئ، ومواصفات طباعة النقود...
هي ليست مجرد شهادة، بل "وثيقة مركزية"، تتجاوز في دقتها جواز السفر البيومتري، وتنافس في رموزها الأمنية مواصفات العملات الورقية....
ثلاثة نماذج فقط، لا رابع لها: شهادة تقديرية للتشجيع، شهادة للتنويه، وأخرى بميزة الشرف. كلها تحمل نفس الشكل، ونفس الخط، ونفس التوقيع. وكأننا أمام إصدار رسمي لوثائق الدولة، لا شكر تربوي بسيط لأستاذ أبدع في أقسام المهمّشين.
الكاتب العام بالنيابة، الذي يفترض أن يُدبّر الميزانيات ويقود الإصلاحات ويُحاور النقابات، اختار أن ينزل بكل ثقل وزنه الإداري ليضبط – بكل هيبة ووقار – شكل شهادة تقدير!
نعم، شهادة تقدير. لا تختص بمهمة دفاع وطني، ولا تمس بالأمن القومي، لكنها صارت عند الوزارة ملفاً شائكاً يستحق تعبئة الموظفين، وعقد الاجتماعات، وكتابة مذكرات، وضبط لوجستيك التصميم والمراسلة المركزية.
في بلد يئن تحت اكتظاظ الأقسام، ونقص الأطر، ورداءة البنية التحتية، اختارت الوزارة أن تُنزل كامل جبروتها الإداري على شكل شهادة تقدير.
كأننا أمام تصميم جواز سفر دبلوماسي، لا ورقة رمزية تُمنح لمُدرّس صامد في أقسام الصفيح.
تصوروا المشهد... المسلاط يشع، وخلية التفكير... والعقول المركزية تفكر داخلقاعات مركزية تحتضن "ورشات التفكير" في شكل الشكر،
وموظفون يناقشون لون الإطار، حجم التوقيع، وتموضع الشعار،
ربما لا عجب أن يصدر لاحقا دفتر تحمّلات رسمي يحدد:
وزن الورق: 180 غراماً
نوع الخط: Times New Roman 14
لون المداد: أزرق ملكي مقاوم للرطوبة
توقيع الوزير: رقمياً وبكود QR للتحقّق...
نحن أمام بيروقراطية شكرية غير مسبوقة...
وزارة قررت أن تمتلك حتى الحق في أن تقول لك "شكراً"، بلغتها وهندستها وحلاوة مركزها.
فلا المدير الإقليمي يملك صلاحية التوقيع،
ولا الأكاديمية قادرة على اجتهاد بسيط في اللغة أو الإخراج،
وحتى المدير، مهما علا حسّه التربوي، لا يمكنه أن يكتب "أحسنت" بخط يده، بل عليه أن يلتزم بالنموذج، أو ينتظر التأديب الإداري!
في زمن الرقمنة، ما زالت الوزارة تُؤمن بأن المركز يفكر والجهات تُنفّذ،
ولو كان الأمر مجرد شهادة رمزية،
فأي تربية هذه التي تُقتل فيها المبادرة من أجل التوحيد الأجوف؟
وأي لامركزية هذه التي لا تسمح لأبسط موظف بأن يقول "أحسنت" بطريقته؟
ألا يدرك أصحاب القرار أن الشكر الحقيقي لا يُوحّد ولا يُمركز،
وأن الكلمة الطيبة لا تحتاج لتوقيع وزير،
بل لصدق تربوي، ولمسة إنسانية، وبصمة محلية تحمل رائحة القسم والمكان؟
إنها نهاية الاجتهاد وبداية "التوقير المركزي للورق".
إنها شهادة تقدير بمذاق العملات الورقية...
وربما – ذات يوم – سنجد على ظهرها تنبيهاً أمنياً:
"مزور يعاقب عليه القانون!"
ملاحظة: رجاء لا تستعملوا كلمة الشواهد... فهي جمع شاهد" القبر".... والأصح " شهادات " إلا إن كانت فعلا شواهد قبور تعليمية.
 خالد أخازي،  روائي وإعلامي وخبير في القيادة التربوية