الثلاثاء 16 إبريل 2024
كتاب الرأي

مصطفى المتوكل الساحلي : ضرورة ترميم وتقوية بناء العلاقات بين المؤسسات والشعب

مصطفى المتوكل الساحلي : ضرورة ترميم وتقوية بناء العلاقات بين المؤسسات والشعب مصطفى المتوكل الساحلي
 

إن أعراض الإختلالات والإعتلالات بسياسات الحكومات تظهر بمستويات متعددة لايمكن أن تخفى على كل بصير وملاحظ ومنتم للمجتمع ومرتبط بالحياة اليومية في تفاصيلها وكلياتها بالشارع و الإدارات وحتى خلف أبواب المساكن، أكانت من القصدير أو التراب أو الإسمنت، من وضعية الخدمات الأساسية والإجبارية من تعليم وصحة وضرورات العيش الدنيا من مأكل ومشرب ومسكن وملبس، و دخل الأسرة وطبيعة العمل وظروفه و الأجر ، إلى مستوى الأمية ، ونسبة التعلم ودرجة الهدر المدرسي والإنقطاع عن الدراسة وأسبابها، إلى البطالة بكل أنواعها بما فيها المقنعة وعطالة الشباب المتخرجين من المؤسسات العمومية التعليمية والمهنية ، وشبه العمومية وحتى الخاصة والتقنية.

إن اعتماد توصيف إنشائي عند وضع خلاصات لتقييم مسارات وتدخلات العمل السياسي تقريرا وتدبيرا من موقع الحكومة يخلص إلى القول بأن الأمور بخير، وأننا نتقدم وحققنا نسبة كذا مقارنة مع سنة كذا، لايمكن أن يشكل في عوالم العلاج النفسي والعضوي والتربوي أرضية تشخيصية علمية تبنى عليها طرق وآليات وأدوات العلاج الفعلي للشفاء من الأعطاب والتصدعات والهشاشة الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والتواصلية، فمثلا، يعتبر من الناحية الثقافية والعلمية والقانونية مخالفة كبيرة إقدام أي مسؤول أو مواطن على عملية هدم شامل متعمد في التعامل مع بنايات تراثية وتاريخية وقديمة بإرجاعها إلى درجة العدم كأنها لم تكن والحال أنها تحتاج إلى ترميم وصيانة وتقوية وتثمين، فلو كانت الأمور تعالج بتلك العبثية والتهور لما بقيت أهرامات مصر، والمايا، و سور الصين، ولما بقي مسجد تنمل، والعديد من المآثر كلا أو جزءا .

إن هناك فرقا كبيرا في الوعي عند البعض من المسؤولين يصل إلى درجة الصفر في الفهم كما في الكتابة وذلك عندما تكون القرارات والأعمال وحتى التنظير لها لتبريرها وشرحها يخالف ما يجب عمله والقيام به . ..إنه لايجوز هدم بناء تراثي يذكر بحقب مهمة من تاريخ الأوطان أكان مسجدا أو أسواقا وأنسجة عمرانية عتيقة .. وهذا ما نسجله في العديد من البرامج بعدة دول ومنها المغرب عندما نرى جلالة الملك يقوم شخصيا بالإشراف والمتابعة وتوفير مصادر التمويل وتدبيرها ، وتدقيق وسائل ومنهجيات التدخل في المناطق الأصيلة والتراثية في مراكش وفاس والبيضاء وسيطال الأمر مدنا أخرى قريبا مثل تارودانت و غيرها من المدن العتيقة.. إن هذا العمل الجيد والرائع يحمل أكثر من رسالة لكل من يعنيهم الأمر بالعمالات والجماعات الترابية والوكالات الحضرية للإقتداء بالمنهج السليم الذي يحافظ على الموروث عمرانيا وثقافيا من القرون السابقة لجعله مستمرا ببهائه وتجلياته ،وليذكر الأجيال المعاصرة بموروثهم وحضارتهم الغنية والمتنوعة ، وليبقى مستداما للزوار من نفس الوطن ومن كل بلدان العالم في العصور المقبلة ليعرفهم بالتاريخ الرائع ، ويجعلهم يتنفسون هواء الأمكنة ، ويتعرفون على العلوم والثقافات والإبداع والمهن والحرف وكذا العمل الوطني الذي تميزت به المدن العواصم منذ ما قبل بناء الدول بمفهومها التقليدي والحديث في شمال إفريقيا ..

كما لايجوز أيضا عندما تسن سياسات وتوجهات وقرارات من طرف أية حكومة أن تتسبب في إضعاف البنيان المعرفي والحضاري، بالإلتجاء إلى تعطيل الإبداع والإجتهاد، وعدم تثمين العمل الكبير الذي أنجزه وقدمه خيرة العلماء والباحثين والمجتهدين والمفكرين حيث كان مستوى التعليم مثلا بالمغرب في الستينات والسبعينات عاليا وراقيا يضاهي مستوى جامعات عالمية رائدة ، وكذلك الشأن في كل أسلاك التعليم وشعبه من الأصيل والأدبي إلى العلمي ،سواء بالمؤسسات التي تعلم بالعربية أو بالفرنسية أو تجمع بينهما، رغم ضعف التجهيزات وقلة الإمكانيات، وكانت مكانة الشغيلة التعليمية محترمة ومقدسة يقدرها المسؤولون والشعب ..

إن السياسات التي تتسبب في تعطيل وتقزيم دور التعليم والصحة العموميين تستدعي إقدام وقيام الجميع بكل المبادرات الإيجابية التي تحقق الريادة لكل ما هو عام مشترك لإنه في ملك كل الشعب، لتجاوز النتائج السلبية لبعض القرارات التي اعتمدت من بعض الحكومات السابقة و التي تسببت في تأزيم التعليم والصحة ، وادت إلى تراجعات طالت مصداقية المنظومتين ..... إن مصير ومستقبل مئات الآلاف من تلاميذ وطلبة التعليم والعلم ، وعشرات الآلاف من الشغيلة التعليمية بالإقدام على ما يسميه البعض إصلاحات جوهرية في كل عشرية ،، تكشف واتضح للمعنيين وأهل الإختصاص وبالمعايشة كيف كانت أوضاعنا بالأمس وكيف هي اليوم ،وكيف ستكون أحوال التعليم والصحة بعد عشر سنوات من تاريخنا هذا، أي سنة 2030.

إن ما وصلنا إليه يفرض على الحكومة أن تتصالح مع نفسها وتصلح مناهجها وتعاملها وهي تصوغ وتتدخل في السياسات العمومية حتى تكون منسجمة مع روح الدستور كتعاقد حقيقي يلزمها بخدمة مصالح الشعب ورعاية شؤونه وتيسير أموره وتحقيق مطالبه ومتطلبات حياته، كما يفرض عليها أن تتصالح مع الشعب الذي هو مصدر السيادة وكل السلط وتعالج وتحل كل مشاكله المعبر عنها في احجاجات وحركات مطلبية صادقة وموضوعية فرضتها ضرورة رفع الضرر لتحقق الأصلح، وأن على القطاعات الحكومية أفقيا وعموديا أن تتصالح مع موظفيها واختصاصاتها في علاقة بالمرتفقين والمعنيين بها بشكل مباشر وغير مباشر ..

إن الحديث قبيل شهر رمضان المبارك عن ضرورة حماية المستهلك من المضاربة والإحتكار، يجب أن يتعداه إلى حمايته من سياسات وقرارات الحكومات التي تمس بمصالحه ومكتسباته وتؤثر في أوضاعه وأحواله سلبا ... إن المؤسسات الوطنية المتخصصة وكذا الدولية تعمل سنويا ودوريا على تقييم و تشخيص المشاكل والإختلالات، وتختلف في الإجراءات والتوصيات المقترحة أو الواجب تطبيقها ما بين الحلول الوطنية العادلة التي تحقق وترعى مصالح الشعب، وبين التي تقترح من المؤسسات المالية الدولية التي تخطط للإجهاز على قدرات الشعوب برهن سياساتها لتضمن استرجاع قروضها وفوائدها المجحفة ..ولتنجح إستثماراتها وتوسع أسواقها ..

إن السياسي ليس من يمتلك الجرأة ويعبر عن فرحه بتحمل المسؤولة الحكومية، بل من يشعر بثقلها، وبهموم الناس وما ينتظره منه الشعب، إنه من يمتلك القدرة لإختيار الأفضل والأنجع ، ويتحلى بالجرأة المتعقلة ليتخلي عن قراراته وسياساته الضعيفة وغير المجدية أو الخاطئة دون أن يميل إلى ما تهوى نفسه ومصالحه الطبقية والفكرية، إنه من يبتعد عن إقناع نفسه والناس بأنه على صواب وأن ما يراه غيره هو الخطأ ؟؟؟. وفي هذا المقام يجب أن يستحضر أهل السياسة والحل والعقد روح الفلسفة النقدية ومراتب "الزهد" الذي من معانيه : ( ليس أن لاتملك أي شيئ ولا ترغب في تملكه وتعرض عنه بقدرة، بل أن لا يتملكه كل شيئ يملكه، كالمال والسلطة والإمتياز وحب المسؤولية : فتضيع الحكمة والتعقل والمصالح ...)