السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: طريق الحرير أو الطموحات العالمية لبيكين

يوسف لهلالي: طريق الحرير أو الطموحات العالمية لبيكين يوسف لهلالي
أصبح طريق الحرير الجديد هو الاستراتيجية المؤطرة لسياسة الخارجية لصين في علاقتها بباقي العالم، وهو ما ابرزته  الجولة الاوربية الأخيرة لزعيم الصين وحامل لهذا المشروع مند انطلاقه سنة 2013 والذي انظمت اليه حتى الان  حوالي 70 دولة.  وبقيت  اوربا  متحفظة حول هذا المشروع الذي التحقت به دول صغرى  مثل مالطا، اليونان،البرتغال، وهنغاريا لكن هذا الحصن تكسر مؤخرا بالتحاق إيطاليا احد البلدان المؤسسة للاتحاد الأوربي   وتالت اقتصاد اوربي،  كما تم الإعلان عن ذلك في 22 من مارس وستصبح بذلك روما  أول أعضاء مجموعة السبع ا(لتي تضم  القوى الاقتصادية الغربية  ) التي تدعم  مبادرة بيكين ،وهي سابقة   فيما يخص  البلدان التي تنظم الى هذا المشروع.

البلدان العربية مازالت حتى الان غائبة عن هذا المشروع رغم ان قوافل طريق الحرير القديمة كانت تصلها وكانت وسيط أساسي لصين مع باقي  بلدان العالم أي اوربا وفاريقيا انداك. المغرب  لم يعرب عن  موقفه بشكل رسمي من هذا المشروع لكن يبدو  انه اختار الانحياز الى حلفائه من اجل حفظ مصالحه بالمنطقة وبافريقيا حيث أصبحت الصين منافسا مزعجا له ولحلفائه.

فرنسا وألمانيا مازلتا  متحفظتان على الانضمام الى هذا المشروع وتعتبران ان الشروط غير متوفرة من اجل مشاركة مقاولاتهما ومن اجل ولوج الأسواق.  ولإعلان هذا الموقف  تم تنظيم قمة مصغرة اثناء زيارة  رئيس الصين الأخيرة لباريس. والتقى  بقصر

الاليزيه مع الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون بحضور المستشارة الألمانية انجيلا ماركيل ورئيس المندوبية الاوربية  جون كلود يونكير. وكان هدف الرئيس الفرنسي من هذه القمة هو فرض جبهة اوربية موحدة على الصين واقناعها  بضرورة العمل على انشاء عالم متعدد الأقطاب والالتزام بقواعد  النهج التعددي.  مهمة ماكرون كانت جد معقدة للغاية، وذلك  لسببين على الأقل، هناك من جهة  الطموحات الديبلوماسية  والتجارية للعملاق الصيني، الذي اصبح ثاني قوة اقتصادية بالعالم بعد الولايات المتحدة الامركية  ويعمل على ان يصبح اول  قوة اقتصادية  بالعالم ومشروع طريق الحرير الجيد هو الاستراتيجية  لتحقيق هذا الحلم  الصيني.

 والسبب الثاني هوالانقسامات  الاوربية  تجاه هذا المشروغ الصيني الذي تشارك فيه العديد من البلدان الاوربية اهمها، بلد مؤسس لاوربا مثل إيطاليا، التي وقعت شراكة ضخمة  لفتح موانئها على مشروع طريق الحرير الصيني الضخم، الذي  يعتبر اكبر مشروع عالمي  للبنيات التحتية من اجل نقل  البضائع التجارية من  الصين نحو باقي البلدان الاوربية والافريقية عبر موانئ وسكك حديدية تعبر اسيا واربا وافريقيا.

وسعى الرئيس الفرنسي خلال استقباله لزعيم الصيني الى توحيد الموقف الأوربي من اجل  تأطير هذا التوسع. ودعى الضيف الصيني الى العمل من اجل نظام عالمي متعددة الأطراف وعلاقة اوربية متوازنة،  في ظل رفض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب  لهذا النظام المتعدد. والموقف الأمريكي الغامض والعدواني تجاه شركائه مند وصول دونالد ترامب الى البيت الأبيض والذي  ترك الاوربيين منقسمين امام العملاق الجديد وطموحاته التجارية.

امام  هذا الضغط السياسي بفرنسا  ومؤازرة المانيا والمندوبية الاوربية كانت الصين جد  لينة  على المستوى التجاري و كانت الزيارة جد ناجحة، فقد  قررت الصين شراء 300 طائرة ايربيس،  وهو رقم كبير جدا فاق ما كان  يتوقعه الفرنسيون، وضربة  لشركة بوينغ الامريكية  بعد  الحوادث التي تعرضت لها  طائراتها مؤخرا. ودعم كبير لصناعة الطيران الفرنسية والاوربية، وهي رسالة من الصين الى فرنسا عل  ضرورة الاستفادة من  المزايا  التي توفرها الصين على المستوى الاقتصادي والتجاري وهو ما تتهافت وراءه العديد من البلدان الاوربية  ودفع إيطاليا الى ان تضع عددا من بنياتها المينائية الهامة تحت تصرف الصين وتحت تصرف مشروعها طريق الحرير.

هذا المشروع الذي يشتغل عليه الرئيس الصيني  شي جين بينغ مند 6 سنوات، وهذا المشروع الضخم للاستثمار في البنية التحتية اصبح ميراثا  لطموح بيكين على مستوى الاقتصادي العالمي.

وصرفت الصين حتى الان لتطوير هذا المشروع  مند سنة 2013 حوالي  25 مليار دولار، في اكثر من 100 مشروع للبنية التحتية، وذلك حسب معطيات معهد  ميركاتو لدراسات الصينية  الذي يوجد مقره بألمانيا. وحسب نفس المعهد، فان الصين سوف تصرف 1000 مليار دولارعلى هذا المشروع الضخم الذي اقنعت  بالانضمام اليه 70 دولة الى هذا الممر الاقتصادي  والتجاري. الذي يضم قسم  بري يتمثل في تمويل خط لسكك الحديدية بين الصين واوربا وشطر بحري  من خلال الاستثمار في عشرات الموانئ، اخرها  ميناء بايطاليا، بعد بلدان اوربية أخرى منها  مالطا، اليونان والبرتغال. وأصبح هذا المشروع هو المؤطر لسياسة الخارجية  لصين التي دعت دول العالم الى المشاركة فيه، وخصصت صناديق مالية ضخمة لتمويله منها البنك الاسيوي للاستثمار.

وإذا كان العرب في الماضي جزءا مهما من طريق الحريرالقديم، فإنهم للأسف غائبون اليوم عن هذا المشروع الصيني وعن الاستثمارات التي يقدمها. لكن اغلب البلدان الاوربية عبرت عن تحفظها من هذا المشروع خاصة المانيا وفرنسا، وعبرت عن قلقها حول حرية التجارة والمنافسة الشريفة وتمكين الشركات الأجنبية من المشاركة في هذه المباردة الصينية  وكذا الابعاد الجيواستراتيجي  لهذا المشروع على المدى البعيد.

الصين كانت دائما ترفض هذه الانتقادات، وقالت ان المشروع مفتوح للجميع، وهو مربح لكل الأطراف، ويهدف الى إشاعة الرفاهية بالإضافة الى المساهمات والقروض من اجل إنجاح هذا المشروع.

 لكن فرنسا مازالت مستمرة في رفضها  في المشاركة في هذا المشروع وتحفظها على طريقة تركيبه. وتعتبره مشروعا  صينيا محضا، وعبر الرئيس الفرنسي على رغبة مشاركة بلده بشروط خاصة بافريقيا، في ظل تعاون يحترم البلدان التي يمر منها  المشروع والمواصفات الدولية التي تنص عليها قمة العشرين. لكن هل لدى فرنسا واوربا، في ظل التفرقة، الوسائل  لفرض شروطها على العملاق الصيني؟ وسبق ان صرح وزيرالخارجية الفرنسي ايف لودريون، " هدف فرنسا ليس قطع الطريق عى الصين، لكن يجب عقد شراكة  تستند على المعاملة بالمثل في فتح الأسواق." لكن رغم الصعوبات فان الصين تسعى الى اقناع  فرنسا بالانضمام الى هذا المشروع، لان اقناع فرنسا يعني فتح الباب الأوربي والافريقي على مصراعيه  اما الصين ومشروعها العملاق.