من المفارقات الصارخة بالمغرب أن وزارة الداخلية هي الجهاز الوصي على الأمن والنظام العام، لكن في الوقت نفسه نجدها هي المنبت الذي يزرع الألغام ويفخخ المجتمع بالقنابل لتأجيج الاحتقان الاجتماعي.
وإليكم الدليل:
في المغرب تخرج سنويا حوالي 17 ألف مظاهرة احتجاجية بالمدن والمراكز الحضرية الصغرى، مع ما يترتب عن تلك المظاهرات من تشويه لسمعة المغرب من جهة، وإرهاق الخزينة العامة من جهة ثانية، (الكلفة المالية المخصصة لتسخير القوة العمومية لتأمين المظاهرات من أجور وساعات إضافية ومحروقات وسيارات وصداع الراس... إلخ).
وإذا قمنا بتشريح لتلك المظاهرات نجد أن السبب الرئيسي لخروج المواطنين للاحتجاج يعود إلى مطالب تدخل في اختصاصات وزارة الداخلية. لكن بسبب قصور "أم الوزارات" في تدبير الملفات ومواكبة مطالب وانتظارات المواطنين تحول المغرب إلى "بؤرة شاعلة بالعافية".
فمن خلال الجرد الذي قامت به "الوطن الآن"، وشمل عينة من ثلاثة أشهر من الاحتجاج، تبين أن 48 في المائة من المظاهرات الاحتجاجية تهم النقل الحضري والماء والكهرباء والباعة المتجولين والأراضي السلالية وشطط أعوان السلطة، فضلا عن الاحتجاج على غياب مقومات العيش الحضري بالمدن (ملاعب + ازبال + تطهير...).
والمثير أن كل هذه الملفات هي بيد وزارة الداخلية: فهي التي تعد كنانيش التحملات الخاصة بالنقل الحضري والأزبال ومطارح النفايات والماء والكهرباء وترسلها للجماعات المحلية. ووزارة الداخلية هي التي تشرف على شركات التنمية المحلية التي تتولى تدبير هذه المرافق بالمدن الكبرى، وهي التي تعين المدراء العامين لهذه الشركات، وهي التي تترأس المجلس الإداري لشركات التنمية (في شخص والي الجهة)، ووزير الداخلية هو الآمر بالصرف للعديد من الصناديق والحسابات الخصوصية التي تتكدس فيها الملايير من الدراهم، والداخلية هي التي تدبر قطاع الطاكسيات الصغرى والكبرى، والداخلية هي التي تتولى اختصاص تحرير الشارع العام وإخلاء الفضاءات العامة، والداخلية هي التي تتولى (عبر ولاتها وعمالها في الولايات والعمالات) مهام التنسيق والإشراف على كافة المصالح العمومية.
لكن بقدرة قادر لا تظهر وزارة الداخلية كمتهم في تأجيج الاحتقان وكمسؤولة عن الفشل الذي يطال تدبير المعيش اليومي للملايين من المواطنين.
ليس هذا فحسب، بل أظهر الجرد الذي قمنا به أن 22 في المائة من المظاهرات الاحتجاجية سببها عدم احترام العمل النقابي أو الامتناع عن تسليم وصولات تجديد المكاتب النقابية والجمعوية، علما أن مصالح الداخلية (أقسام الشؤون الداخلية بالعمالات والأقاليم) هي التي تتولى تدبير النزاعات الاجتماعية وتأسيس النقابات والجمعيات.
وبالتالي إذا جمعنا الشق الأول (مشاكل جودة العيش بالمدن) والشق الثاني (سوء تدبير الملفات النقابية والجمعوية)، سنجد أن 80 في المائة من المظاهرات الاحتجاجية سببها وزارة الداخلية.
وهنا يطرح السؤال: لماذا التغاضي عن جرائم الداخلية في حق المغاربة؟ من له المصلحة في السكوت عن المخاطر الأمنية التي يواجهها المغرب بسبب وزارة الداخلية؟ هل العيب في النصوص أم في الأشخاص الذين يدبرون وزارة الداخلية؟ كيف يعقل أن وزارة عهد إليها المشرع الحرص على زرع مقومات الأمن نراها تتحول إلى منبت للألغام؟