الجمعة 29 مارس 2024
سياسة

منعم وحتي: البوشتاوي وأفتيح.. ريفيان، لكن مختلفان

منعم وحتي: البوشتاوي وأفتيح.. ريفيان، لكن مختلفان عبد الصادق البوشتاوي، و جمال أفتيح(يسارا)
من عادتي لا أحبد شخصنة الظواهر والأفكار، بل تفكيكها في قوالبها العامة، لكنني أجد نفسي مضطرا لوضع بروفايلين لشخصين مختلفين، لهما حيثيتهما الخاص، ومنحدراتهما من الريف الشامخ، لكنهما يعكسان شريحتين واسعتين، ونظرتهما تتقاطع في مواضع وأمكنة، لكنها تتنافر في أخرى.
البروفايل الأول : عبد الصادق البوشتاوي، صلب في الموقف ومتصلب في التعاطي مع بقية زوايا الرؤية، رافع بشكل قوي حول معتقلي الريف، يغطي الانتماء للريف عنده أي انتماء آخر أوسع أو أشمل، وخارج الشعاع الضيق للجغرافية الخاصة فلا يوجد عنده إلا المتآمرون والخونة والعملاء والدكاكين والبصاصون، كأن جغرافية الصفاء العرقي منزهة بطهرانية الدم السامي على بقية الأعراق، ناسيا أو متناسيا تضحيات محاميات ومحامين من بقية أعراق المغرب، كانوا و كُنّ نموذجا نقياً وراقياً في احتضان شباب الريف، وأحزاب وتيارات سياسية استماتت في الدفاع عن شباب الريف، إلى درجة أن الأحزاب اليسارية التي كِلْتَ لها السب والشتم والتجريح حُوكِمَ مناضلوها بتهم ثابتة في محاضر الشرطة، مضمونها مساندة حراك الريف والتعبئة للاحتجاج من أجل إطلاق سراح معتقليه، إنها قمة النرجسية الجغرافية أن تتمركز كل اهتمامات معاركك حول الذات وترمي ما دونها بأبشع النعوت، هي معارك خاسرة تلك التي تستعدي حلفاءها وأحزمتها المساندة، ذات النرجسية التي تعتبر ببلادة ما دونها نقيضا للكسر، استعداءُ أصحابِ البدلة السوداء، استعداءُ الأحزاب المناضلة، استعداء زوايا أخرى لتلمس الحلول، إنها إطلاقية مَرَضِيَّة تضر قضايا الريف العادلة، وتضر معتقلي الريف وتصيب في مقتل آمالَ أُسَرِ شباب الريف المعتقلين في معانقة أبنائهم للحرية، وبالطبع ستتاقطع رؤاك سيدي الفاضل مع نفس القفزات في الهواء التي تستهوي جُمهوريي اللايف ببلاد المهجر، دعوة رفاقية لمراجعة الذات فقضية الريف قضية كل المغاربة، وقوى اليسار الحقيقي لا تحتاج لشهادة نضاليتها.
البروفايل الثاني : جمال أفتيح، ذلك الشاب الريفي، الأوطامي المتفرد بثقافته الواسعة،.. ذات سنوات رصاص، حين كانت القلعة الجامعية بوجدة، منارة للتربية النضالية والوجدانية، ابن اليسار بامتياز، ابن مدرسة رفاق الشهداء بتميز، ابن المدرسة الاتحادية الأصيلة، ممثلا للطليعة في أجهزتها الجامعية، وقائدا لمعارك الحركة الطلابية، حيث لا ميز بين منحدرات بني ورياغل ولا بني يزناسن ولا إزغنغن ولا بني عروس،.. كانت الكوفية الفلسطينية لا تفارق عنقه، فهو أممي الهوى، تجاوزت حدود مشروعه الإنساني رقعته الجغرافية الريفية لتحتضن مقاومة العالم بأمريكا اللاتينية ولبنان وسوريا، وفلسطين..، وحتى وهو بمنفاه الإضطراري بهولاندا لم يغادره الوطن، كل الوطن، فقد كان ابن الريف الذي يدافع على تحرر كل المغاربة، فما أحوجنا لذات النضج المتعالي على الأنا، وقد خرج جمال في كل تظاهرات الحراك رغم أن الجمرة الخبيثة للسرطان كانت للأسف تلتهم أحشاءه، وما قال يوماً أن رقعتي الضيقة هاته سَيِّجُوهَا، بل رقعته كل الإنسانية والريف جزء من معركة التحرر العام للمغاربة، بل تحرر كل الإنسانية، وكان كذلك ابْنَ الإنسانية الأشمل حتى عاد في كفنٍ مسجى بعلم فلسطين وفي قلبه غصة على حرية بلده، كل بلده شمال جنوبا، شرقا وغربا.
هي ليس مقارنات شخصية، هي رؤى تتقاطع وتتنافر، من المهم التقاط الإشارات الأكثر تمثلا للحرية فيها، ببعدها الإنساني الأشمل.