تضخمت الأنشطة الحقوقية والتوصيات الصادرة والمنبثقة عنها ، بقدر تضخم عدد الجمعيات والمنظمات والهيئات الحقوقية ، والغريب في الأمر أنه نادرا ما يتم تذكر القاعدة المأثورة « من يدافع عن من » ، فالمدافعون لا يتذكرون أنفسهم كمؤسسة في مسيس الحاجة إلى من يحميهم ويدافع عن حقهم في المرافعة والاقتراح والكفاح من أجل النهوض بحقوق الناس وحمايتهم من الانتهاكات والوقاية من تكرارها ، بغض النظر عن حجم جسامتها وخطورتها ، بل الأغرب أنه عندما تحركت الآلة الأمنية المعلومة تمارس الإرهاب الفكري تجاه المناضلين الحقوقيين وتخون أحلامهم وتمس بمصداقيتهم وبمشروعية أهدافهم ونبلها ، وتحركت العقول والحناجر والأقلام هنا وهناك لتطويق إرهاصات « الردة الحقوقية » ، تم اعتبار هذه المبادرات ، من قبل بعض ضحايا هذه الحملة نفسها ، بمثابة وساطة « حق أريد بها باطل » ، وليس هذا هو بيت القصيد ، إنما المقالة تروم تأكيد حاجة الحقوقيين إلى تأهيل تنسيقهم وتوحيد مجهوداتهم بالتركيز على التفاعل مع الحد الأدنى المشترك الذي يمكن أن يلتئموا حوله وينطلقوا منه لتفعيل « رسالة الدفاع عن حقوق الإنسان » ، ونحن في المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف ، نعتبر أن التعامل مع المؤسسات الوطنية والعمومية والتشريعية لا ينحصر فقط في لعب دور الوساطة الاجتماعية ، بل نطمح إلى الارتقاء بالعلاقة إلى درجة الشراكة الموضوعية مع الحفاظ على المسافات الضرورية لتكريس الحياد مع النجاعة ، فنحن مضطرون بحكم الملفات العالقة سواء ذات العلاقة بالإختفاء القسري والحقيقة والكشف عن مصائر المختفين والمجهولي المصير أو تعلق الأمر باستكمال إجراءات جبر الضرر الفردي والإدماج الإجتماعي والتسويات الإدارية للضحايا و ملفات التأهيل الصحي والنفسي ، ونحن في المنتدى نتميز عن بقية الجمعيات الأخرى ، التي تهتم بالرصد ، ليكون المشترك فيما بيننا هو الشق السياسي من توصيات هيأة الإنصاف ، وعلى الخصوص تدابير وضمانات عدم تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ، كما نعتبر أن الملك هو المخاطب الأول في الملف ، عبر مستشاريه سواء الأشخاص المعنويين أو الذاتيين ، فهو الذي صادق على التوصيات وهو الآمر بتفعيلها ودسترتها ، أما الحكومة فعلاقتنا بها امتداد متفرع ولاستكمال تنفيذ كافة مقتضيات الممارسة الإتفاقية الدولية ، وعلى الخصوص في العلاقة مع الوقاية من التعذيب والحماية من الإختفاء القسري ، فهذه المهام هي موجب ضمن موجبات التنسيق مع « الحلفاء الحقوقيين » المؤمنين بجدوى توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة ، وإلى حد ما المقتنعين بأهمية مقتضيات وتجارب العدالة الانتقالية ،
هنا لابد من التذكير أن أسباب نزول الائتلاف المغربي للهيئات الحقوقية ، هو الحراك الفبرايري ، والذي بادر المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف ، بواسطة نداء ثاني فبراير 2011 ، إلى الدعوة لتأسيسه لكي يتولى مهمة تأطير الشباب ومرافقتهم قانونيا وحقوقيا وإنسانيا ، بتبني مقاربة سلمية حضارية في التظاهر وكافة أشكال التعبير، والآن وبعد استنفاذ هذه المهمة ، كان من المفترض الانتقال من حماية الشباب الفبرايري إلى خلق حزام مدني لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان وتحصين المكتسبات ضدا على ردة وانكاسة ، فحتى الميثاق الوطني لحقوق الإنسان ، الذي تم تحيينه ،منذ سنة ، لم يأخذ حقه في النقاش العمومي ، لذلك وجب إعادة هيكلة الائتلاف وتوسيع قاعدته بالانفتاح على مكونات حقوقية أخرى ، يكون الضابط فيها « لكل حسب كفاءته وعطائه » وليس « لكل حسب شهرته وقدمه » ، وتبلور فيه القرارات بالتوافق أو الإجماع ، ودون أن ينشغل بالمواقف والقضايا المختلف حولها أصليا، وبمعنى صريح ، ينبغي أن يكون الإئتلاف منبرا للقضايا العظمى التي لا تجد لها موقعا في جدول وخطط الجمعيات ، وتحتاج إلى تظافر جهود الجميع للضغط وانتزاع مؤطر بتفكير جماعي ،فلا ينبغي أن يكون الإئتلاف مجرد « جمعية » بمكونات جمعوية اعتبارية .
وإذا كان لابد من خلاصة ، فالاختلاف في وضوح أفضل من الإتفاق في غموض ، ولتكن لنا الجرأة لاعتماد النقد والنقد الذاتي بعيدا عن الحزازات الذاتية ، لقد اتخمتنا التجارب السابقة في العمل الجماهيري ، ومثال الاتحاد الوطني لطلبة ساطع في سماء الذاكرة الموؤودة ، حيث كان سبب الفشل هو المواقع والمناصب وعدم الحسم في علاقة السياسي بالفكري والنقابي والديني والاجتماعي حتى .
ومن حسن حظنا أن الفعل الحقوقي لم يعد يصلح للاحتكار ولا حتى للاستعمال أوراق الضغط الحزبية ، وصدق من قال « البحر بجوارنا ولا نقدر على الاستجمام والاستحمام فيه » ، وكذلك من قال « رغم وفرة المياه ، نعيش استحالة الوضوء » ، هي كلها معاني مستنبطة من أغنية « الماء يجري قدامي » للفنانة القديرة بهيجة إدريس « كنموت وهوا حدايا » ، فاللهم حد الباس و كل التضامن مع ضحايا « خيرات » الفيضانات وتضخم الخطاب وحربائية الذكاء اللفظي.