الأربعاء 27 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

حميد هيمة: اغتراب اليسار!

حميد هيمة: اغتراب اليسار!

لا يتوانى اليسار، بالمنطقة المغاربية والعربية، في الاحتفال بسبارتكوس، الذي قاد الثورة التحررية للعبيد ضد الإمبراطورية الرومانية - الغلاف السياسي لنمط الإنتاج العبودي.

لكن هذا اليسار معرفته بـ "أجداده" منقطعة! يسار يتنكر لثورة الزنج، كثورة اجتماعية ضد العبودية في ظل الإسلام! ولا يحتفي بتجربة القرامطة، كأول محاولة جدية لتشريك كل وسائل الإنتاج، وضمان حقوق أوسع للنساء!

كل هذه الحركات الثورية، في سياق تاريخنا الإسلامي، تسلحت بتأويل نصوص قرآنية على قاعدة أن الإسلام جاء لتحرير الإنسان من عبودية واستغلال "إلهة" الأرض.

لم تتمكن هذه الحركات من تنفيذ مشروعها التحرري، غير أنها بقيت تجارب موشومة في مجرى النضال من أجل التحرر الطبقي، باعتناق إيديولوجية دينية تنتصر للحرية وللعدالة الاجتماعية.

والظاهر أن يسار الشرق، كان أكثر وعيا، في الحفر عن التراث المطمور لـ "الحركات السرية - الثورية في الإسلام"، كمحاولات حسين مروة، محمود إسماعيل، عباس صالح...

الواقع أن هذه الحركات النضالية، للتحرر الطبقي، تعرضت لظلم مزدوج: أولهما، إقصاء اليسار للذاكرة النضالية للحركات الثورية في الإسلام، وكأن هذا اليسار يتيم الجذور والتاريخ  في سياقه الثقافي العربي الإسلامي. وثاني وجه الظلم، الذي طال هذه الثورات المجيدة، هي غلبة فقه السلطان، الذي لم يكتف بتبرير ظلم الاستبداد بذرائع فقهاوية، بل إنه اجتهد في تلفيق كل التهم بهذه الحركات المناهضة للتسلط: كان صك الاتهام يتضمن الزندقة والكفر والإلحاد والخروج عن طاعة ولي الأمر... مثلما يتهم اليوم اليسار المناضل!

إن إنعاش هذه الذاكرة النضالية هو إحراج للحركات الأصولية، التي تستعيد ابن تيمية والغزالي،  كتعبيرات فقهية عن الانكسار الحضاري، وتتغافل عن قصد ذاكرة عقلانية ابن رشد ونضالية حركات التحرر الاجتماعي ذات التعبير الديني.

إن معركة الذاكرة، تندرج ضمن مطلب اليسار باستعادة التراث المشرق في ثقافتنا الإسلامية. كما تندرج، أيضا، في سياق تخصيب الأطر المرجعية والفلسفية لليسار، الذي يتهيأ، اليوم، لخوض معاركه من أجل الديموقراطية والتنوير.