الأربعاء 27 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

وحيد مبارك:"الـــطــاحــــونة"

وحيد مبارك:"الـــطــاحــــونة"

وكأن كل أشكال "الطحين" التي توقّعها وتشهد عليها التقارير الرسمية، الداخلية منها والخارجية لاتكفينا، نحن الذي طُحنا طحنا، وعُصرنا عصرا، فلا التعليم ناره باردة علينا، ولا الصحة تشفي أسقامنا، ولا السكن يأوينا، ولا الشغل نستطيع إليه سبيلا، بل حتى أسعار المعيشة اليومية تلهبنا، وتطحن جيوبنا، في مدننا وبوادينا، وعلى الرغم من كل هذا وذاك، نبحث عن شكل آخر من "الطحين"؟
هل أصبحنا شعبا يتلذذ بالألم؟ أم نسعى لتصريف نقمنا وما يمارس علينا بالانتقام من غيرنا؟ يحقّ لنا أن نتساءل، يحق لنا أن نصرخ، ويحق لنا أن نغضب، ونحن نعاين كل أشكال "الحكرة" تمارس علينا، ليس فقط من غيرنا بل حتى بأيدينا، أوَ ليست كل هذه حقوق، أم أننا جُرّدنا منها؟
لم تعد تكفينا "طاحونة" الوضع الاقتصادي والاجتماعي، و"الطاحونة" التي تطال المشاريع والبرامج والتي تأتي على المال العام، و"طاحونة" الحياة التي يتكالب علينا فيها اللصوص وقطاع الطرق، المعلومون والمجهولون، بل أصبحنا ننقب بعيدا عن تطاحننا المعتاد، على شكل جديد من "طحين" بعضنا للبعض، حتى أضحت مشاهد حرق الذات أمرا عاديا، وبات طحن مواطن في شاحنة لجمع القمامة أمرا هيّنا، فهل بقي منا أمام هذه المشاهد الشائنة شخص حيّ أم قد متنا جميعا، دون وعي منا؟
"لذة" الطحين، هي عنوان على مرض استشرى في أنفسنا وأجسادنا، مرض تحكّم في العديد من المرضى بيننا الذين أصيبوا بالداء، عن سبق إصرار وترصد، وحرص على الإصابة بالعدوى، أو ربما في غفلة من بعضهم، نتيجة لأعطاب وعلل كثيرة مستشرية بيننا، فانقسمنا إلى فئتين داخل المجتمع، الأولى تؤمن بـ "الطاحونة" فكرا وممارسة، وترى في غيرها كائنا لايستحق إلا "الطحين" في كل المجالات، و فئة ترفض مايقع وتسعى للتصحيح فتجد مسارها في نهاية المطاف، شبيها بمسار "الدونكيشوط" في محاربة "الطواحين"!
تعدّدت "الطواحين" والفعل واحد، يتساوى فيه المعلوم والمجهول، فعل يتم تصريفه في كل الحالات، كي يعطينا في نهاية المطاف كائنا مطحونا وعلامة طحنه بارزة على جسده المسحوق سحقا، وروحه المُزهقة زهقا؟