الأربعاء 27 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

محمد امغار: البرلمان مؤسسة للتشريع أم مكان لتوزيع المنافع بين مكونات النخبة المغربية؟

محمد امغار: البرلمان مؤسسة للتشريع أم مكان لتوزيع المنافع بين مكونات النخبة المغربية؟

إن المؤسسة المنتجة للقاعدة التشريعية في المغرب غالبا ما تسعى إلى تمتين آلة الإدماج أي إدماج مكونات النخبة المغربية في الحياة السياسية الرسمية، وتنتشر هذه المقاربة الإدماجية انطلاقا من قمم الدولة عبر شخصيات ووجوه ومنشئات  مختلفة.

وتظهر سياسة الإدماج أكثر من خلال تبادل الأدوار بين وجوه تقليدية أساسا تستعمل من خلال العمق التاريخي لشبكات الدولة المغربية التقليدية، إجراءات يسودها هاجس الأمن وتأكيد سلطة الدولة.

ووجوه ليبرالية أكثر تجاوبا مع التدفقات الغربية، وهي وجوه تتميز كلها بانتقائيتها، ففي كل منها يمتزج الطموح إلى المثال الليبرالي الغربي مع البعد المخزني التقليدي ومواصفات حراس الأمن.

وعلى هذا الأساس فإن التشريع المغربي في عمقه ما هو إلا نظام واسع من التسويات والمبادلات والمصالح المتبادلة، فالبرلمان في هذا الإطار يبدو لأغلب المغاربة كأداة لخدمة الذي يدخلونه وليس كمكان لإنتاج القاعدة القانونية للتنمية والتي تهدف إلى تحقيق أهداف وطنية مشتركة.

إن التشريع الوضعي وضع بالتالي من طرف النخبة السياسية التي سيطرت على الحياة السياسية المغربية لما بعد الاستقلال وتشكلت من جماعة قليلة ينتمي أعضاؤها إلى أصل اجتماعي متجانس، ولها تكوين عصري وأسلوب سياسي ذو طابع غربي سطحي، وهي تستعمل عن قصد أنماط تقليدية وشعبية من السلوك، ويظهر أعضاؤها للأجانب واجهة من الحداثة، غير أنهم لم ينفصلوا في الواقع  عن المغرب التقليدي إلا بالقدر الذي يجعل إتصالهم بالجيل القديم مستحيلا.

إنهم يستعملون السلطة تلقائيا بشكل دفاعي ويجدون في ربط علاقات إلزامية وإقامة شبكات الأتباع ووضع قواعد قانونية تخدم مصالهم ولا يشعرون بالاطمئنان إلا عندما تكون موازن القوى متكافئة.

وكل هذه العناصر تدل على أن انفصالهم عن الماضي لا يزال غامضا، ولعل ما يحدد أسلوب النخبة بالدرجة الأولى هو ضآلة عدد أعضائها الذي يجعل منها أسرة كبيرة، والمسألة هنا مسألة وقت لكي تتجاوز النخبة هذا الأسلوب العائلي، وهذا مرتبط بالمرحلة التي ستتوسع فيها  صفوفها، الشيء الذي  لم يحن بعد وإن كان لتأثير انفتاح الأسواق أعظم الآثار على الطابع المغلق للنخبة المغربية.

ولتحديد أهمية هذه الشريحة النخبة في التمسك بالقاعدة التشريعية الوضعية على النمط الفرنسي، يكفي التذكير بالمكانة التي يحتلها القطاع الخاص في المغرب، فمن المهن الحرة إلى مختلف النشاطات التجارية، الفلاحية والصناعية ، يحظى القطاع الخاص بدعم الدولة التي ترى فيه قاعدتها الاجتماعية.

وإذا كانت هذه الشريحة ترتبط بعلاقات وثيقة مع جهاز الدولة فليس ذلك طلبا فقط لحمايته، بل أيضا للاستفادة من امتيازاته وتسهيلاته.

لذا فهذه الشريحة ترتبط بالليبرالية وبكل الأسس الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية التي تقوم عليها في الوقت الدي تتمسك فيه بالقيم كخطاب موجه للاستهلاك الداخلي.

وداخل القانون الوضعي ما زال الظهير يعتبر ترجمة مخزنية للتشريع ولتحديد الانتماء للمخزن ودعمه، حيث يعتبر الظهير بمثابة التعيين الرسمي  أو الإلحاق الرسمي بطبقة المخزن، وكذلك الشأن فيما يخص الإلحاق  أو الترقي، أو العزل أو التوقف أو الحرمان من الحقوق.

إن الموظفين الذين يضمنون تطبيق القوانين الموضوعة من طرف النخبة لا يضعونها موضع اجتهاد، وإنما يقومون بإجراءات تخص تطبيقها إنهم لا يقومون بتأويل القانون وإنما بتطبيقه فالظهير الصادر عن السلطان يعد بمثابة قانون ملزم، لذلك لا يمكن أن يكون موضوع اعتراض.

إن التشريع إذن يرتبط بصفة عامة بنوعية العلاقات الاجتماعية وبنوعية الثقافة الجديدة لما يسمى بمستوى وكيفية العيش، ذلك أن وضع قواعد لإعادة تنظيم المجتمع والقطاع الإنتاجي تظل بدون فائدة كبيرة ما لم ترتبط بمفهوم جديد لنوعية المجتمع المتوخى بناءه، إن المطلوب هو إيجاد نظرية شمولية لما هو مجتمعي، للثقافة والقيم، والحياة وكيفية العيش، وفي نفس السياق يمكن إثارة مثلا علاقة المدينة بالإنتاج والحراك الاجتماعي للمواطنين، أي يجب أن يكون هناك تطابق بين المدينة كسكنى والمدينة كإنتاج باعتباره المدخل  للتنمية الحقيقية.

ويمكن تبعا لذلك أن نأخذ الملفات القانونية المطروحة الملف تلو الآخر ونبحث عن وجود أو عدم وجود منظور جديد لإعادة التفكير في القطاعات من خلال إعادة التفكير في الترسنة التشريعية الحقيقية للتنمية والانتقال الديمقراطي .