قبل ثماني سنوات دقت الرسالة الملكية إلى المناظرة الوطنية للرياضة ناقوس الخطر عن تدهور أحوال الرياضة الوطنية المتخبطة في الارتجال، والمستخدمة كمطية من عدد من المتطفلين عليها للارتزاق وتحقيق الأغراض الشخصية.
وقد جسدت الرسالة عن حق هذا التدهور في حديثها صراحة عن النتائج الهزيلة والمخيبة للآمال، التي لم تستطع إنجازات بعض المواهب الفردية والفلتات الرياضية إخفاء حقيقتها ؛ الأمر الذي يخلق دائما شعورا عاما بالإحباط تكون له انعكاسات سلبية على الجمهور، ما يدفع البعض منه إلى إتيان ممارسات مشينة وأعمال عنف مرفوضة أخلاقيا وقانونيا.
لم تقف الرسالة الملكية عند تشخيص الواقع المزري والتعبير عن الأماني والطموحات، وإنما رسمت خارطة طريق ؛ مؤكدة أن الدولة لن تألو جهدا في دعم كل عمل ومبادرة من شأنها جعل الرياضة نموذجا متميزا، ومدرسة حقيقية للحياة والوطنية والمواطنة، وعنصرا للتلاحم الاجتماعي، ورافعة لإشعاع المغرب جهويا ودوليا.
وبالفعل، تم تجنيد إمكانيات السلطة المركزية والسلطات الجهوية والعديد من المؤسسات العمومية لدعم المنتخبات الوطنية والفرق الرياضية، ولا سيما في الرياضات القاطرة والأكثر جماهيرية، وهي كرة القدم التي تم التسرع بتطبيق نظام الاحتراف في أقسامها الأولى، وألعاب القوى حيث للمغرب رصيد من الصيت دوليا. ومع ذلك لم تواكب النتائج الطموحات، ولم تعبر قط عن حجم الإمكانيات المهدورة.
وإذا كنا لا نعرف كثيرا عما يجري في كواليس ساحة ألعاب القوى سوى أن النتائج منذ الرسالة الملكية في تقهقر متواصل ( ميدالية برونزية يتيمة في أولمبياد لندن 2012، ولا شيء على الإطلاق في أولمبياد ريو دي جنيرو 2016 )، فإن الطامة الكبرى تتجسد في كرة القدم، التي صارت تعاني إفلاسين متواترين ومزمنين في آن واحد:
1/ إفلاس تقني : يتجلى هذا الإفلاس واضحا في :
أ / تدهور النتائج ممثلا في غياب مسترسل عن كأس العالم وصل إلى 20 سنة الآن، وقد يتواصل إذا ما استمر المستوى على شاكلة لقاء الغابون مؤخرا ؛ وحضور باهت في كؤوس أمم إفريقيا الأخيرة ينتهي بالخروج من الدور الأول. خروج يجملونه بالمشرف، يوازيه حضور متوسط للأندية المغربية في المنافسات القارية غاب عنه الإنجاز القاري منذ 5 سنوات.
ب / عقم البطولة الوطنية الاحترافية عن إنتاج لاعب واحد قادر على حمل القميص الوطني بشكل رسمي ومتواصل ؛ الشيء الذي جعل الاستنجاد بأبناء الجالية المغربية في الخارج يصبح قاعدة عامة ويمتد إلى الفئات الصغرى بعد أن كان هذا الاستنجاد استثناءا ومحدودا للغاية ( كريمو ومصطفى ميري 1986، مصطفى حجي 1994 و1998 ). وتجلى هذا العقم أيضا في توقف تام عن تصدير اللاعبين المغاربة إلى النوادي الأوروبية حتى المتوسطة منها، ليتوقف منتوجنا في الوقت الراهن عند فرق المستوى الثاني من البطولات الخليجية، وبعض البطولات العربية والآسيوية المغمورة.
2/ إفلاس مادي :
رغم أن فرق البطولة الاحترافية تلتهم مجتمعة أزيد من 100 مليار سنتيم سنويا تغطي معظمها اعتمادات من الدولة عن طريق الوزارة الوصية والجامعة المنظمة للعبة والجماعات الترابية على اختلاف أنواعها، والمؤسسات العمومية ؛ فإن شبح الإفلاس يطارد مجموعة من الأندية الوطنية، التي لم يعد في وسع مسيريها إخفاء الحقائق، ولكن من دون أن تتوفر لديهم الإرادة للحديث عن أسباب هذه الوضعية.
إن السبب الجوهري وراء هذه الوضعية التي باتت تئن تحت وطأتها أندية عريقة وذات ألقاب محلية وقارية عديدة يكمن في شيوع روح الاتكالية لدى رؤساء هذه الأندية ومكاتبها التي أصبحت تصنع على مقاس الرئيس المختار في معظم الأحيان بالتزكية والقادم أصلا بطرق ملتوية أو بتوصية من هذه الجهة السياسية أو تلك ؛ علما بأن تسييس الرياضة يشكل أكبر كارثة عليها. لقد شاهدنا إسبانيا تفوز بكأس العالم سنة 2010، وتليها ألمانيا سنة 2014، ولكن لم نسمع أن هذا الزعيم أو ذاك قد وظف الإنجاز لصالحه أو لصالح حزبه.
ومرد شيوع الاتكالية هو ترويج فهم خاطئ لروح الرسالة الملكية للمناظرة الوطنية للرياضة، التي تمت قراءة مضامينها على قاعدة "ويل للمصلين" ؛ إذ اكتفى المتناظرون بالترحيب بالأوامر الملكية للمساعدة في توفير التمويل اللازم للنهوض بالرياضة، متجاهلين أن تلك الأوامر كانت مشروطة بضرورة "الاجتهاد في بلورة أفضل السبل لوضع استراتيجية وطنية للرياضة المغربية في إطار رؤية جماعية مسؤولة".
وللأسف، فإن الذي ساد هو انعدام المسؤولية متمثلا في هدر الإمكانيات والابتعاد عن ترشيد النفقات والدخول في مزايدات على بعض صفقات اللاعبين والمدربين، ما خلق نوعا من التضخم في هذا المجال انعكس عجزا مزمنا في ميزانيات الفرق. عجز ما يزال الجميع واثقا من أن الدولة ومؤسساتها ستتدخل في آخر المطاف لسده، لتظل الكرة تدور في حلقة مفرغة تستنزف المال العام وتهدره بلا طائل.
لقد تحولت الدولة بهذا السلوك إلى أكبر جهة توظف المنخرطين في عالم كرة القدم ؛ الأمر الذي أغرى العديد ممن وصفتهم الرسالة الملكية بالمتطفلين والارتزاقيين باقتحام هذا المجال، والتنظير فيه طاردين الشغوفين به، الذين كانوا يرون في الأندية منازل ثانية لهم، وفي اللاعبين أبناء من غير صلبهم.
وبديهي في سياق كهذا أن يعمد مسيرو الفرق الرياضية إلى وأد كل المحاولات الديمقراطية لتشكيل المكاتب عبر رفضهم توسيع شبكة المنخرطين وقصرها على من يرضون عنهم أو من يدور في فلكهم بحكم القرابة والمصاهرة والمصالح المتبادلة ؛ وذلك رغم أن نظام الانخراط تم سنه ليكون مصدرا ماليا إضافيا للفرق. كما توقفوا أيضا عن الاجتهاد في إيجاد موارد مالية أخرى تدعم الأندية إذا كانت لبعضهم ملكة الاجتهاد من الأصل.
لست في وارد التجني على أحد، ولكني بصدد التأكيد على أن كرة القدم أصبحت صناعة في معظم دول العالم ترفد خزينة الدول بمداخيل مهمة نتيجة الاقتطاعات الضريبية المفروضة على الكثير من أنشطتها. وفي أبجديات علم هذه الصناعة تتكون مداخيل الفرق الرياضية من :
*الجمهور، الذي لا تتم معاملته كمجرد عاشق Fan ، وإنما كزبون Client ايضا كي يتواصل حضوره. سنة 2014 زاد عدد الحضور الجماهيري لمقابلات القسم الأول من البطولة الإسبانية عن 10 مليون شخص بنسبة إشغال للملعب جاوزت 75% ، وفي أنجلترا تجاوز العدد 14 مليون بنسبة إشغال قاربت 98%. هل يمتلك أحد من مسؤولي كرتنا الشجاعة للإفصاح عن أرقامنا المخجلة في هذا الباب من دون الحديث عما رافق الحضور من أعمال شغب وصلت حد الموت والإعاقة، ناهيك عن المتاعب الأمنية التي ترافق حضور الجمهور في بعض المباريات.
*الرعاية، لا أحد ينكر أن معظم عقود الرعاية لبعض الفرق لم تتم عن قناعة من الشركة الراعية، وإنما بتعليمات وأحيانا بإملاءات. والدليل على ذلك انتفاء الربح المقابل للجهة الراعية من رعايتها للعديد من الفرق.
*البث التلفزي والمراهنات هي الأخرى تضخ دعما ماليا وفق تعليمات وليس قناعات ؛ لأن المنتوج الكروي أداء وحضورا لا يغري بتبنيه إلا في مناسبات قليلة، بل إن العديد من كلاسيكيات البطولة الوطنية التي كانت تجذب جماهير غفيرة باتت تجري أمام مدرجات فارغة.
*وبطبيعة الحال، فإن كل الفرق المغربية لا تتوفر على استراتيجية لتسويق منتجات تعبر عنها كالأقمصة والتذكارات الصغيرة (caches nez- portes clés et autres gadgets ). وقد باءت بالفشل كل المحاولات التي بذلها البعض بدليل أن احدا لم يعد يسمع عن تجربة Raja Store.
هل هذا الوضع قدرا محتوما ؟ بالطبع لا، ولكن هل تتوفر الإرادة اللازمة للخروج من متاهته ؟ أخشى في ظل سيادة الرذالة، وما نراه من تسيير يدل على الضحالة أن يكون الجواب لالالالالا.