الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

لحسن العسبي:ما بعد 7 أكتوبر

لحسن العسبي:ما بعد 7 أكتوبر

هل هي دورة سياسية كاملة قد ولجها المغرب والمغاربة، تضع نقطة النهاية للدورة السياسية الأخرى التي ولدت سنة 1930 (التي كانت قد أنهت بدورها دورة سياسية مغربية أخرى كانت قد ولدت بهم إصلاحي وقلق تدبيري ما بعد هزيمة معركة إيسلي سنة 1845 وهزيمة تطوان سنة 1860، بما أفضت إليه من نتائج مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906)؟ بمعنى أكثر دقة، هل هي نهاية ما يمكن وصفه ب "تيار الحركة الوطنية" وما أفرزه من تجارب تنظيمية حزبية؟. إنه على كل حال، رجاء سياسي ظل يسكن مخيال فاعلين سياسيين وازنين ومؤثرين ضمن منظومة صناعة القرار السياسي بالدولة المغربية، لسنوات. ما يجعل واقع المشهد الحزبي والسياسي المغربي اليوم، كما لو أنه تتويج لما انطلق عمليا منذ ما بعد الإنتخابات التشريعية لسنة 2002. هذا يعني أن مغربا جديدا قد ولد، عنوانه نهاية دورة القرن 20 السياسية، وترسخ أكثر للدورة الجديدة للقرن 21.
سوسيولوجيا، تمة تحول هائل يحدث في البنية الإجتماعية للمغاربة، عنوانه تحكم سلوكي أكثر للمحافظة، لكن بشكل سلمي، بذات الشكل الذي حدث في تجارب مجتمعية عربية وإسلامية أخرى (لكن بعنف دموي، مثل ما حدث ويحدث في أفغانستان والعراق وسورية واليمن ومصر)، كنتيجة طبيعية لتحكم وزحف البدونة على حساب المنطق الطبيعي للتمدن، مما أنتج ما يمكن وصفه ب "التوحش التمديني"، الذي ينتج تغولا في السلوك.
سوسيولوجيا دائما، في لحظات تحول مماثلة، للإنتقال من بنية اجتماعية فلاحية بدوية، إلى ملامح بنية اجتماعية مدينية خدماتية، فإن التحالف يتم طبيعيا بين الرأسمال والخطاب الديني (تجربة الأحزاب المسيحية الديمقراطية بأروبا وعلاقتها القوية أيضا بالمؤسسة العسكرية في بلدانها، كمثال، سجل خلال القرنين 19 و 20). أليس هذا بعض مما يتحقق مغربيا اليوم؟. أي التحالف المصلحي الطبيعي بين الرأسمال والخطاب الديني والسلطة؟. لكن ميزته أنه تحالف يتم تحت سقف سيادة التربية السلوكية البدوية المحافظة، على حساب المنطق الطبيعي المفترض لتطور وسيادة التربية السلوكية المدينية الليبرالية.
سياسيا، سيتطلب الأمر مسافة زمنية واجبة (دورة جيلية كاملة ربما)، كي يستشعر الفرد المغربي الجديد، الذي أفرزته دورة البنية السوسيولوجية الجديدة هذه، معنى نتائج اختياراته التي انخرط فيها بمنطق المغرب الجديد، مغرب القرن 21. وأن التتويج لذلك، في أفق منظور، قد يكون بعد 10 أو 15 سنة، هو فرز أكثر وضوحا للتقاطب بين خيار المحافظة وخيار التقدم والحداثة. وهذه معركة هائلة قادمة، سيكون القرار السياسي للدولة في امتحان مفتوح لحسن التعايش معها، بأقل الخسائر الممكنة.
واضح، أننا مغربيا، سندخل معنى آخر للسياسة مختلف تماما عن ما خلقه جيل 1930 و 1944 و 1959 و 1975. صحيح أنه من الوهم الإعتقاد أنه في مصائر الأمم، هناك قطائع نهائية بين مرحلة ومرحلة (بمعنى وهم الإلغاء والبداية من الصفر)، لكن المؤكد أن هناك انعطافات. وما نشهده اليوم كجيل وكشهود في لحظة تاريخية من الصيرورة المغربية الممتدة منذ 14 قرنا من تبلور فكرة الدولة بالمغرب، إنما هو لحظة امتحان لانعطافة جديدة. ربما، الأسلم القول إنها لحظة امتحان لملامح مشروع مجتمعي جديد، يحكمه تقاطب بين وعي مديني محافظ ووعي مديني ليبرالي. الصراع القادم، صراع قيم، واللعبة الإنتخابية ليست سوى آلية وتجل لذلك.