الثلاثاء 16 إبريل 2024
كتاب الرأي

جمال المحافظ :عودة سلطة الرأي العام... حملة المقاطعة نموذجا

جمال المحافظ :عودة سلطة الرأي العام... حملة المقاطعة نموذجا جمال المحافظ
اضطلعت وسائط الاتصال الاجتماعي بدور هام في مجال التعبئة لمقاطعة عدد من المنتوجات والمساهمة الفعالة في تشكيل وتوجيه الرأي العام الذي يعد عنصراً مؤثرا خاصة في الميادين السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، لارتباطٌ الرأي العام بالتعبيرات العلنية، والواضحة عن رأي ما، .شعبي له واسناد مع وجود تأييدٍ . فبغض النظر عن تداعيات حملة مقاطعة بعض العلامات التجارية في قطاع التغذية والطاقة، وتراوح المواقف بشأنها ما بين مؤيد ومعارض، فان هذه الحملة التي بدأت على منصات وشبكات التواصل الاجتماعي، يشكل دليلا قاطعا على أهمية الرأي العام وقوته في التأثير على السياسات الاقتصادية والاجتماعية والاقتصادية.
وفي غياب دراسات علمية أو احصائية لانعكاسات واسقاطات هذه الحملة التي بدأت على منصات وسائط التواصل الاجتماعي ، قد مست شرارتها جمهورا واسعا من جميع الفئات والجهات وتفاعلت معها كافة الحساسيات والفاعلين من مختلف مواقعهم وطبقاتهم، بالتعليق وابداء الرأي حول دعوة مقاطعة مواد ومنتجات بعض الشركات، بدعوى ارتفاع اسعارها واحتكارها.
وإذا كانت هذه المبادرة، تمرينا وتجربة غير مسبوقة في الأساليب الاحتجاج والرفض المعتمدة في التواصل السياسي، فإنها برهنت بالملموس عن محدودية ومهنية المكلفين بمهام التواصل والتسويق وأكدت بما لا يدع مجالا للشك، قصور الفاعل السياسي ومؤسسات الوساطة من هيئات سياسية وهيئات نقابية ومنظمات المجتمع المدني خاصة المهتمة بحماية المستهلك.
فعوض أن تثير هذه الحملة نقاشا عموميا خاصة الاعلام ومنه المرتبط بتقديم الخدمة العمومية، كما هو الشأن في الأنظمة الديمقراطية، حينما تطفو على السطح ، أو تستأثر باهتمام الرأي العام، تم الاستعاضة عن ذلك باللجوء الى نظرية المؤامرة وشيطنة الآراء المعارضة، وذلك عبر التساؤل عن الواقفين وراء هذه المبادرة واشهار عدة أسلحة منها " سلاح الوطنية والتخوين"، في الوقت كان من الأجدر التفاعل الايجابي مع المطالب التي يتم رفعها في هذه الحملة التي نقلت المضمر الى المعلن من خلال الابحار في العالم الافتراضي الذي يتيح حرية أكبر.
فقد أبانت هذه الحملة بالملموس، أنه مازال بمقدور المغاربة ابداع اساليب من شأنها التأثير في الرأي العام وتحويله من قوة سالبة الى قوة ضاغطة لمواجهة كل أشكال الريع الاقتصادي والسياسي والتأثير على أصحاب القرار، للتراجع عن مشاريع يمكن أن تمس مصالحه. وهذا ما سيجعله قوة حاسمة لقلب كافة المعادلات، انطلاقا من أن الرأي العام يعد تعبيرا لجماعة أو جمهور أو مجتمع معين عن رأيه أو مشاعره أو معتقداته أو مواقفه أو اتجاهاته حول قضية تهمه أو مشكلة تؤرقه ويتفاعل معها ومع تداعياتها لتأثيرها على نمط حياته في فترة معينة.
كما أن الرأي العام يمثل في حقيقة الأمر صورة من صور السلوك الجماعي للآراء التي يعبر عنها أفراد الجماعة سواء من تلقاء أنفسهم أو بناء على دعوة توجه إليهم، تعبيرا مؤيدا أو معارضا لحالة محددة أو شخص معين أو اقتراح خاص، مع ما يترتب عنه من احتمال القيام بسلوك مباشر وغير مباشر خاص وكذلك هو محصلة آراء أفراد الجماعة.
فعوض اللجوء إلى أساليب الشيطنة والادعاء بأن "دوافع سياسية" و" استهدافا للاقتصاد الوطني"، و"خلق التفرقة بين المغاربة " وراء حملة المقاطعة للعلامات التجارية المستهدفة، يتعين الانكباب على الوسائل الكفيلة بالقطع مع سياسات الريع الاقتصادي والسياسي وتفعيل أدوار مجلس المنافسة لمنع الاحتكار والالتزام بقواعد وشروط المنافسة التي تقتضيها متطلبات السوق.
فحملة المقاطعة لا تعدو في النهاية أن تكون الا أسلوبا حضاريا للاحتجاج على أوضاع معيشية، مما تشكل مؤشرا صحيا عن رأي عام حي حيوي ويقظ، مقابل هيئات وساطة أصابها الصمم والترهل، وفقدت زمام المبادرة والاستقلالية وأيضا البوصلة التي كانت تهتدى بها في معانقة حاجيات ومطالب ساكنة، أضحت أكثر من أي وقت مضى، موجهة للرأي عام ومؤثرة فيه. مجتمع قرر أن سأخذ قراره ويحدد مصيره بنفسه للتعبير عن آرائه وفرض مطالبه واسماع صوتها، مستفيدا من الامكانيات التي تتيحها الثورة الرقمية ومنها وسائل الاتصال الاجتماعي، في عمليات التعبئة وبالتالي التأثير في عملية صناعة القرار السياسي والاقتصادي.
فليس المهم هو ان نضيع الوقت في البحث عن جواب حول من أطلق هذه المبادرة؟ أو من معها؟ أو من هو ضد المقاطعة؟، لكن الأهم والمفيد هو الانتباه الى فعالية الوسائط الجديدة في تشكيل الرأي العام وفق ما تتطلبه مقتضيات القرن الواحد والعشرين، ومنها الانصات الي نبض الشارع والتجاوب مع تطلعات المواطنين وتحقيق مطالبهم في العيش الكريم. فالرأي العام المصدر الأول للضبط الاجتماعي، تمكن بهذه الحملة ليس فقط في الرفع من منسوب الاحتجاج وتحديث أساليبه، بل استطاع استعادة " وعه الشقي" حسب ما كتبه المفكر عبد الكبير الخطيبي في مؤلف" النقد المزدوج".
                                                      جمال المحافظ، كاتب صحفي، باحث في الاعلام والاتصال