الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

سعيد الكحل: أيها الريسوني! الحداثة تجرّم التحرش والاغتصاب والابتزاز الجنسي وأنت تشرعنهم 2/2

سعيد الكحل: أيها الريسوني! الحداثة تجرّم التحرش والاغتصاب والابتزاز الجنسي وأنت تشرعنهم 2/2 سعيد الكحل

لا غرو أن معاداة الفقيه الريسوني لحقوق المرأة جعله يناهض كل المكتسبات التي حققتها النساء في ظل القوانين المدنية التي أفرزتها قيم الحداثة وثقافتها. لهذا ظل يحن لعهد الخلافة الإسلامية ويسعى لاستعادتها حتى يكون له من الغنائم والسبايا وملك اليمين ما لم تعد تسمح به قوانين الدولة والتشريعات الأممية، التي لولاها لاستمر السبي والاستعباد في كل بلاد المسلمين. فتشريعات الإسلام وأحكامه الفقهية لا تمنع الريسوني من استغلال جسد النساء أبشع استغلال؛ بل تشرّع له أن يتخذ من النساء زوجات أربع، ومِن مِلْك اليمين والسبايا والإماء أفواجا متجددة يستبدلهن كما يستبدل جواربه، دون قيد أو شرط. لهذا فهو يبغض الحداثة ويناهض القوانين المدنية، ويفتي بأن ما تضمنه من حقوق للنساء "مصادم للشرع". لقد خاض الفقيه الريسوني حربه الدينية والسياسة ضد مشروع خطة إدماج المرأة لكونه نص على منع زواج القاصرات وحث على تجريمه ضمانا لحقوق الطفلات وحماية لهن، وها هو يعود ليهاجم الحداثة التي لم تسعفه قوانينها في استغلال جسد الطفلات وشرعنة البيدوفيليا. وكان من القضايا التي ركز عليها في مقالته:

1- زواج الطفلات: لم يفتأ الفقيه الريسوني يتغنى بزواج القاصرات وفضله في حماية الشباب ومنع العنوسة، مثلما فعل  سنة 2000 عبر بيانه السخيف. بل إنه هذه المرة اتهم الحداثيين بـ "تضييق مسالك الحلال وتوسيع مسالك الحرام"، ليحملهم مسئولية "مشكلة الأمهات العازبات". ولم يدرك بعد، أن المطالبة برفع سن الزواج إلى 18 سنة هو ضمان لحقوق الفتاة في التربية والتعليم وحماية لصحتها النفسية والجسدية. كما لم يدرك بعد أن زواج القاصرات والتغرير بهن واغتصاب الطفلات وتجريم الإجهاض، من الأسباب الرئيسية لظاهرة الأمهات العازبات. فما يهم الريسوني وأتباعه هو جسد الأنثى، بغض النظر عن حقوقها ومآلها.. إذ أن كثيرا من الطفلات أصبحن مطلقات ولم يبلغن بعد سن 18. ولا يختلف الريسوني عن نظرائه من الفقهاء الذين يجيزون زواج الطفلات الصغيرات ويفتون "بالمفاخدة" في انتظار أن تتحمل الوطء. وكان من المفروض أن ينضم الريسوني إلى المطالبين/ات بتجريم زواج القاصرات وإلزام الدولة بتوفير المقاعد المدرسية لكل الطفلات والأطفال في سن التمدرس. إذ المكان الطبيعي للطفلات هو المدرسة وليس بيت الزوجية. لكنه لم ولن يفعل طالما ظل متشبعا بعقائد تشرعن له الاستمتاع بجسد الأنثى أنى كان سنها.. فليس أحقر من اغتصاب الطفولة باسم الدين والشريعة والأعراف الاجتماعية.

2- الأمهات العازبات: يرجع الدكتور الريسوني سبب وجود ظاهرة الأمهات العازبات إلى منع الزواج دون سنة 18. ولعمري إنه تفكير يحايث الحس السليم. لقد غابت عن الفقيه أن المسئولية الكبيرة في وجود الأمهات العازبات تقع على الدولة وعلى الفقهاء من وجهين: الأول، كونهم يرفضون اعتماد التحاليل الجينية في إثبات النسب للأب البيولوجي تاركين الأم وحدها تتحمل النتيجة. والثاني، تجريم الإجهاض الطبي إلا في حالات جد ضيقة وبعد مخاض ونضال من طرف الجمعيات النسائية والحقوقية. فحالات الاغتصاب والتغرير تحتل صدارة أسباب هذه الظاهرة. وحين تأخذ الدولة بنتائج التحاليل الجينية ستحمي الأم والجنين معا وستقلص إلى حدود دنيا، من هذه الظاهرة، وقد تقضي عليها إذ وضعت تشريعا يجيز الإجهاض الطبي ويشدد عقوبة التغرير بالقاصرات وجرائم الاغتصاب.

3- الابتزاز الجنسي: يُروّج الفقيه الريسوني أن "الجمعيات الحقوقية والنسائية عندنا مهمومة ومنشغلة بالنضال لأجل رفع الحظر والتجريم عن العلاقات الجنسية خارج الزواج"، ليتساءل (فأين هي المنظمات والشخصيات الحقوقية والنسائية من هول هذه الكارثة، أم أنها تحظى عندهم بالتسامح والتعاطف، لكونها سلوكا حداثيا تحرريا؟ أم شغلتهم عنها معضلة التعصيب وكارثة زواج "القاصرات"؟). فمن أيها الفقيه يحمي المغتصِب ويدافع عن جريمته؟  أنت ورهطك أم المنظمات النسائية؟ ألست أنت من اتهم ضحايا بوعشرين باغتصابه؟ أليس هذا ما كتبته ببنانك في حق الضحايا (وأما النسوة اللاتي يتم إخفاؤهن في القاعة المغلقة، فمن المؤكد الآن أنهن قد ساهمن أو استعملن في اغتصاب رجل: في أمنه وعِرضه وحريته وكرامته ومهنته)؟ فكيف تجعل من المغتَصَب مُغتَصِبا ومن المجرم ضحية؟ فكيف تسمح لنفسك أن تتهم ضحايا "الابتزاز الجنسي" في مكتب بوعشرين بالتجني عليه و"اغتصابه"، بينما تأخذ بشكايات ضحايا الابتزاز في الكليات والإدارات وغيرها من مواقع الابتزاز؟ كان أحق بك أن تنتصر للحق وليس للجماعة أو الحزب. ومن يدافع عن المغتصِب، في ظل وجود اعترافات الضحايا وفيديوهات توثق الجريمة، فهو متواطئ معه في تكريس الابتزاز الجنسي والتطبيع معه، ومن ثم شرعنته. أليس مصطفى الرميد، أحد أتباعك ووزير العدل حينها، من أقبر شكاية إحدى ضحايا بوعشرين التي قدمتها إلى النيابة العامة مباشرة بعد تعرضها للاغتصاب؟ أكيد أيها الفقيه لن تناصر ضحايا الاغتصاب لأنك تؤمن بالسبي واغتصاب السبايا والإماء؛ فكل النساء هن إماء وسبايا في حكمك الشرعي.. واغتصاب السبايا هو شريعة تؤمن بها .

4- العلاقات الرضائية: يهاجم الفقيه الريسوني الهيئات النسائية والحقوقية بكونها (مهمومة ومنشغلة بالنضال لأجل رفع الحظر والتجريم عن العلاقات الجنسية خارج الزواج). فماذا يفعل الريسوني إذن حين يدافع عن السبي وملك اليمن والجواري؟ أو حين يدافع عن بوعشرين وممارساته الجنسية؟ أو حين شهد زورا لفائدة بنحماد وفاطمة النجار بعد ضبطهما يمارسان الجنس داخل سيارة على الشاطئ؟ كيف تقبل على نفسك ويطمئن قلبك أن تجيز اغتصاب السبايا وممارسة الجنس عليهن قهرا خارج إطار الزواج الشرعي بينما تحرّم العلاقات الرضائية؟ أيهما اشد ضررا وخطرا على  الإنسان والمجتمع؟ هل شروط الزواج تتوفر في اغتصاب السبايا؟ وكيف تسمي الممارسة الجنسية بين بوعشرين وضحاياه؟ أكيد ستجد في الفقه الإسلامي الموروث عن عصور تاريخية ولت، ما يجعلك تُشرعن هذه الممارسات وتحن إليها وتتطلع إلى اليوم الذي تقوم فيه دولة الخلافة بتشريعاتها البشعة من تمييز بين المواطنين واستعباد لفئات منهم وعرض للسبايا والإماء في سوق النخاسة. فأيهما أسلم: العلاقات الرضائية أو العلاقات الاستعبادية؟ فبأي صفة تصف طبيعة العلاقة بين برلمانيين ووزراء من حزبك مع عشيقاتهن؟؟

لتعلم سيدي، أن الجرائم الجنسية في بلادنا ليست ناتجة عن الدعارة ولا عن العلاقات الرضائية بقدر ما هي نتيجة حتمية لجرائم: تزويج القاصرات، التغرير بالفتيات، تجريم الإجهاض، الاغتصاب، الابتزاز الجنسي، التحرش الجنسي، رفض اعتماد التحليلات الجنينية لإثبات الأبوة البيولوجية. وطالما ظلت قوانيننا على حالها ستتسع هذه الظواهر وتتفاقم مآسيها. أما فتاواكم فلا يأخذ بها، حتى أتباعكم الذين طفحت فضائحهم وجبنوا عن اللجوء إلى القضاء خوفا من انكشاف مزيد من فضائحهم.