Friday 9 May 2025
فن وثقافة

أحيدوس، بهجة ووئام في محيط إقليمي موبوء بالحروب والاضطرابات

أحيدوس، بهجة ووئام في محيط إقليمي موبوء بالحروب والاضطرابات

حضر اللعب النظيف، وقبل ذلك جاء الجمهور من كل فج عميق، ارتدوا أحسن الأزياء الأمازيغية، وتزينت الفتيات بالزينة، لم تكن هناك مراوغات ولم تسجل أي حالة تسلل، فكل فريق كانت له خطة للبروز بشكل جذاب ومثير أمام جماهير غفيرة، منهم من افترش الأرض، ومنهم من ظل واقفا لساعات، ومنهم من تسلق الأشجار المحيطة بملعب كرة القدم بقرية عين اللوح التابعة لإقليم إفران، كلهم جاؤوا لمتابعة فنية 38 فريقا، بعد إقصائيات ضمت 110 فرقة، وكل فرقة مشاركة نصبت لها خيمة تساير موروثها الثقافي..
الأمر لايتعلق بمباريات إقصائية في كرة القدم، بل بمهرجان أضحى من المواعيد الثقافية والفنية الهامة التي تحتفي بفن أحيدوس باعتباره أحد مكونات التراث اللامادي الوطني، حيث انطلق هذا المهرجان يوم أمس الجمعة 12 غشت وسيستمر إلى 14 منه، كل الأنظار كانت متجهة للمنصة التي أقيمت لاحتضان فعاليات المهرجان في دورته 16، فهي دورة العطاء بعد أن مرت الدورات السابقة كدورة الحياة من الولادة وصعوباتها في النمو وإثبات الذات وسط فورة مهرجانات مشابهة، ومع ذلك حافظ المهرجان على تألقه دورة بعد دورة، مع طموح أقوى لجعله أكثر عطاء في قابل الدورات، تنظيميا وفنيا وإشعاعيا.. 
فوسط الجبال من كل جانب، انطلقت فعاليات هذه الدورة، بكلمات لوزارة الثقافة وجمعية ثايمات لفنون الأطلس والجماعة القروية لعين اللوح، والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، كلمات شددت على أهمية المهرجان كمحطة أساسية ضمن خريطة المهرجانات التراثية الوطنية التي تسعى من خلالها إلى الاحتفاء بالثقافة والفنون الأمازيغية المجسدة للتعدد والتنوع الثقافي بالمغرب.. المدير الجهوي لوزارة الثقافة، تحدث في كلمته عن دور هذا المهرجان في إثبات السلم والأمن في محيط إقليمي يعرف تبادلا لإطلاق النار، ليأتي المهرجان، بروح الفرح والسرور بطعم الحياة.. أما حمو اوحلي، رئيس جمعية ثايمات، فقد اعتبر أن المهرجان بمواده الأمازيغية يشكل حافزا على تعلم الأمازيغية لغير الناطقين بها، فهو بمثابة دروس تطبيقية للامازيغية من خلال الأهازيج والشعر.. لتبقى قرية عين اللوح صغيرة في مساحتها لكنها كبيرة في تأثيرها التراثي وطنيا، فبعد أن كانت الدورات الأولى بشق الأنفس تستطيع بلوغ "النصاب القانوني" ليطلق عليها مهرجانا، في ظل قلة قليلة من فرق احيدوس، صارت اليوم تنظم إقصائيات للفرق المشاركة، لتقديم زبدتها في الأيام الثلاثة للمهرجان..
مع غروب شمس اليوم الأول من المهرجان، اصطفت عدد من الفرق من خنيفرة وصفرو وتنغير وتازة وكرسيف وإفران والخميسات وبولمان.. كل ولسانه وهندامه وطبقه الفني، وبشكل تناوبي، قدمت كل مجموعة عطاءاتها الفنية أمام جمهور بلسان أمازيغي أو عربي أو أجنبي، وعلى إيقاع تمايل الأجساد الذكورية والأنثوية، كانت تنعكس على جمهور، قدم من جل الأقاليم المحيطة بجهة فاس مكناس، انفرط عقد البروتوكول، وحضرت الفرجة، من الصف الول ممثلا في عامل إقليم إفران ووزير الشباب والرياضة وباقي المنتخبين والشخصيات المدنية والعسكرية، إلى الصفوف الخلفية من عشاق فن أحيدوس.. وحتى ما بعد منتصف الليل، تكاملت لغة الشعر والإيقاع، في منظر مهيب للتأمل والتفاعل، فأحيدوس قوة شعر وجودة إيقاع وفورة رقص، وقوة حناجر وضبط إيقاع، دقات دفوف متناسقة، تحيل على حركة سربة خيل، يطلق فرسانها البارود اسفل أقدام الخيول، فكما للفرسان صولات وجولات، فأيضا لمجموعات أحيدوس مبارزات شعرية في الإبداع الأمازيغي.. كلمات لها معاني مرتبطة بالأرض والقيم النبيلة تعيد ترصيص الماضي في الحاضر، بفرحة الفرجة.. ولأن المجموعات من عمق الطبيعة، فكذلك حركاتهم فوق خشبة المنصة، تشكل شلالا متدفقا، وعيونا معطاءة تمنح ماء زلالا، يروي ظمأ النفس والروح، بالمقابل هناك مجموعات انعكست قساوة تضاريس مجالها على لوحاتها الفنية، كما أن للباس دور كبير في هذا الإبداع الفني، يتقدما مايسترو، مرتديا لون خضرة الأرض أو زرقة السماء أو بياض الثلج، وغيرها من ألوان قوس قزح المرتبطة بساكنة الجبال والعاكسة للأمل بين نفوس العباد، مشكلة توليفة متماهية بين الطبيعة والإنسان..
ولأن أحيدوس، صلة وصل بين الماضي والحاضر، حظيت فقرة تكريم الشاعرين بنعيسى زريف ومحمد مكاوي والفنانين حدو رزاق عايشة اسماعيلي، باهتمام كبير وسط زملائهم "الاحيدوسيين"، وجمهور متعطش للفن الجميل، فالمكرمون من الوجوه الأمازيغية، التي نذرت حياتها رغم الصعوبات الإجتماعية لجعل الفن الأمازيغي، ضمن الثرات اللامادي، فك العزلة عن مناطق الأطلس المتوسط، وهو ما يجعل من السلطات الترابية والانتخابية بالجهة وخارجها إلى مزيد من العمل من أجل تأهيل المكونات الثقافية والفنية للاستقطاب السياحي وإدماج التراث الثقافي في سيرورة التنمية المستدامة..