الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

أزراج عمر:المثقفون وآفة الانقطاع بين الأجيال في الجزائر

أزراج عمر:المثقفون وآفة الانقطاع بين الأجيال في الجزائر

هناك ظاهرة مقلقة ومخيفة جدا تلوث الحياة الثقافية الجزائرية، وتكشف عن مرض الانقطاع بين الأجيال، وهي تتمثل في التنكر للقامات الأدبية والفكرية وإدارة الظهر لها وخاصة تلك التي فضلت ممارسة الإبداع في صمت بعيدا عن ضجيج الساحة الثقافية وكواليسها أو تلك التي غيبها الموت.
إن هذه الظاهرة تحدث باسم ما يسمى بإدعاء الأجيال التالية تجاوز الأجيال التي سبقتها دون حجة مقنعة وكأن معيار القيمة الأدبية والفكرية هو الزمان الكرونولوجي وليس الإبداع أو الاجتهاد أو الإضافة. على مدى سنوات وأنا أراقب ما تنشره وسائل الإعلام الجزائرية المكتوبة والناطقة باللغة العربية وبشكل خاص ما يظهر في الأقسام الثقافية في هذه الوسائل، ونادرا جدا ما قرأت ملفا شاملا خاصا بهذا الأديب أو هذا الدارس أو ذاك المفكر الغائب أو الراحل عن دنيانا.

كما يلاحظ المراقب أن معظم الدراسات التي تنشر في المجلات، والصحف، أو تصدر في كتب تقتصر غالبا على أعمال الأحياء وبشكل خاص أعمال أولئك الذين يحتلون المناصب الحساسة في المؤسسات وأجهزة الدولة، أو ينتمون إلى هذه الشلَة أو تلك. وأكثر من ذلك فإن هذا النوع من الدراسات والكتب المذكورة تدخل في إطار حك لي ظهري لأحك لك ظهرك وليس في إطار إبراز فكرة مبتكرة ومحاولة توسيعها أو تطويرها، أو نظرية جديدة أو معدلة، أو طريقة وأسلوب متميزين.

ومن ضحايا هذا الوضع المثقف الجزائري الدكتور عبدالله شريط الذي توفي في عام 2010 والذي كرس كل حياته لتكوين أجيال الطلاب في جامعة الجزائر، وللإنتاج الثقافي والفكري في ميادين الدراسات التاريخية، والبحث الفلسفي، وتحليل الظواهر الاجتماعية ببعديها الثقافي والتربوي.

من الممكن اعتبار الدكتور شريط، الذي يغيب الآن، من المثقفين الجزائريين البارزين، والباحثين الجادين القلائل في مجال الدراسات الخلدونية في العالم العربي حيث يتميز كتابه عن الفكر الأخلاقي عند ابن خلدون بأنه ليس مجرد بحث أكاديمي جاف بل يلمح الدكتور شريط من خلال قراءته النقدية لنظرية العصبية عند ابن خلدون أن الدولة العربية المعاصرة لا تزال تعيد إنتاج هذه الآفة إلى يومنا هذا.

إلى جانب هذا الإسهام فقد كان شريط من بين القلة في الساحة الثقافية الجزائرية الذين لجأوا إلى المناظرات والسجالات الفكرية كوسيلة للدفاع عن اللغة العربية في الجزائر، وهو قد ترك وراءه ما لا يقل عن 12 كتابا في الفلسفة، وعلم الاجتماع والتاريخ، ورغم كل هذا الإنتاج الغزير والجدي فإن هذه الأعمال لم تدرس ككل كما أن اسمه مغيب ولم يطلق حتى على مدرسة ابتدائية.