الغياب الذي يعنينا بشكل عام، هو عدم حضور شخص إلى المؤسسة التي يشتغل فيها إذا كان موظفا، أو المؤسسة التي يتلقى فيها تعليما إذا كان متعلما. و ليس الغياب في واقعنا التعليمي مجرد واقعة أو حدث عرضي، بل إنه بالنظر إلى تفشيه و ديمومته، يرقى إلى مستوى الظاهرة Phénomène، بالمعنى الذي تجعل من الظاهرة واقعة ( Fait) قابلة لأن تكون موضوع تفكير عقلاني و دراسة علمية كظاهرة طبيعية أو مستفزة للتفكير ( Phénoménale) (1).
و إذا كان التخلف عن الحضور المبرر بشهادة طبية أو بترخيص من جهة وصية يعتبر غيابا، فإن الغياب غير المبرر يتخذ صورة انقطاع Abandon. و الغياب من الوجهة الوظيفية هو نوع من الهدر للزمن المدرسي. و تندرج مراقبة غياب التلاميذ ضمن المهام التي يضطلع بها الحراس العامون، فالمادة 15 من مرسوم 376-02-2 المتعلقة بآليات التأطير و التدبير التربوي و الإداري... تقر ضمن محتوياتها وجوب قيام الحراسة العامة بإعداد تقارير دورية حول مواظبة التلاميذ، و المواظبة بدلالتها الزمنية هي المقابل السالب للغياب، إلا أننا نلاحظ نوعا من الشح في أرشيف الوثائق الإدارية الرسمية المنظمة للإجراءات و التدابير التي تهم الغياب، و هذا الشح قد يترتب عنه القصور في تغطية كل حالات الغياب، كما يؤدي إلى توسيع هامش التحايل على القانون للتملص من تحمل مسؤولية الغياب، خصوصا من طرف التلاميذ. و على سبيل المثال، فإذا كان الموظف يطالب بإجراء فحص مضاد عندما يتجاوز غيابه أياما محدودة، رغم أنه سبق أن أدلى بشهادة طبية، فإن التلميذ بمقدوره أن يتغيب شهرا أو أكثر، و يدلي بعد ذلك بشهادة تبرر غيابه بمرض وهمي، ثم يلتحق بقسمه بدون عناء، بدعوى محاربة الهدر المدرسي. فما هي المراجع القانونية لتدبير و مراقبة الغياب ؟
بغض النظر عن النصوص التشريعية التي تتناول الغياب على مستوى الوظيفة العمومية بصورة عامة، فإن الوثائق الرسمية التي تخص الغياب في المؤسسة التعليمية يمكن تصنيفها إلى صنفين :– وثائق لا تعتبر تشريعية بالمعنى القانونيسميت كذلك لأنها ترتبط بظروف خاصة أو طارئة، مثال ذلك المذكرة رقم 1à بتاريخ 28/12/2008، و تهم ما وقع في السنة الدراسية 2007/2008 من توقف للتلاميذ عن الدراسة قبل حلول موعد عطلة نهاية الدورة الأولى بمدة تتجاوز في بعض المؤسسات 10 أيام.
و المذكرة هي مقرر وزيري يذكر بضرورة احترام الزمن المدرسي و التقيد بالمذكرات المحددة للإيقاعات المدرسية...
– وثائق تشريعية و تنظيمية بالمعنى القانوني
1 – النظام الداخلي للمؤسسة التعليمية :
يتناول حيثيات الغياب في المادة 18 من الفصل 4، و المواد 23 و 24 و 26 من الفصل 5، إضافة إلى الجدول الذي يتعلق بالغياب غير المبرر الوارد ضمن الإجراءات التنظيمية (2).
2 – المذكرة 238 بتاريخ 19/12/1997 حول منح نقطة المواظبة و السلوك أو الخصم منها .
إن محتويات هذه الوثائق لا تغني من اللجوء أحيانا إلى تكييف مادة من مواد القانون، أو تأويلها لمواجهة حالة غياب في ملابسات غير مألوفة بما يخدم مصلحة التلميذ.
كما أن هذه النصوص لا تمنع من وجود صعوبات تعيق مراقبة الغياب و ضبطه بصورة دقيقة. فما هي هذه الصعوبات ؟
- تضخم أعداد التلاميذ المسجلين ببعض مكاتب الحراسة العامة المكلفة بمراقبة غيابهم.
- الخصاص في الموارد البشرية، حيث أن بعض الحراس العامين يشتغلون بمعية معيذ واحد أو بمفردهم.
- تعذر التواصل أحيانا مع جمعيات الآباء للتشاور و التنسيق من أجل الحد من ظاهرة الغياب في المؤسسة التعليمية.
- محدودية الوسائل اللوجيستيكية المساعدة على ضبط الغياب (حاسوب، هاتف، أرشيف إعلامي، لوازم المكتب... ).
- عدم تعاون بعض أولياء التلاميذ مع الحراسة العامة لمراقبة تغيبات أبنائهم، بل من الآباء من يتحايلون على الحراسة بتعليل غياب أبنائهم بمبررات مفتعلة.
هذه الصعوبات لا تعني الاستسلام للأمر الواقع، وإنما تؤشر إلى حجم الجهود التي يتعين على الحارس العام أن يبذلها كي يضطلع بمهامه.
- إن القوانين التي تنظم الحياة العامة متناهية وتتسم بالعمومية، في حين أن الأفعال و النوازل التي تصدر القوانين أحكاما عليها، ليست متناهية، و ليست دائما مألوفة،، و لذلك يتعين باستمرار مراجعة القوانين و التشريعات و تعديلها عند الاقتضاء لتغطي المستجدات، و هذا ما انتبه إليه الفيلسوف اليوناني أرسطو منذ قرون (3).
- إذا كان الغياب ظاهرة عامة تمس قطاعات متعددة، فالأمر يستدعي تدابير و إجراءات ترتبط بالقرار السياسي.
- إذا كان غياب التلاميذ وجها من وجوه الهدر المدرسي، و كان إيجابيا أن يلحق التكوين المهني بوزارة التربية الوطنية، فإن هذا الإلحاق سيكون أكثر نجاعة لو أصبح يتم التوجيه إلى التكوين المهني انطلاقا من مداولات مجالس الأقسام الانتقالية ( السادس ابتدائي، و الثالث إعدادي، ثم الثانية بكالوريا )، و ذلك لفائدة تلميذ ليس له توجه أدبي أو علمي أو تقني واضح ( Non orientable )، أو تلميذ تعوزه إمكانات مواصلة التعليم العام. و الأمر بطبيعة الحال يتطلب إمكانات ضخمة، تهم بناء عدد كاف من مراكز التكوين و الورشات، و توفير موارد بشرية كافية، و الدولة لا تستطيع بمفردها أن توفر هذه الإمكانات. لكن المقاولات الكبرى و الأبناك و المؤسسات المالية و الإنتاجية مدعوة إلى المساهمة في توفير هذه الإمكانات بما يستجيب لحاجيات سوق الشغل. و بهذه المساهمة تكون فعلا مقاولات مواطنة.