Saturday 11 October 2025
كتاب الرأي

عبد الحي السملالي: الزمن الأميري كمدخل لمعالجة تحديات جيل زد..الخطاب الملكي أنموذجًا

عبد الحي السملالي: الزمن الأميري كمدخل لمعالجة تحديات جيل زد..الخطاب الملكي أنموذجًا عبد الحي السملالي
بين الاحتجاج الصريح والمعالجة المؤسساتية
يشهد المغرب تحولات مجتمعية عميقة مع بروز جيل زد كفاعل رقمي ومجتمعي جديد، يعبّر عن مطالبه بطرق غير تقليدية، ويطرح أسئلة حقيقية حول العدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص، ودور المؤسسات. أمام هذه التحولات، لم يعد الخطاب السياسي التقليدي كافيًا لاحتواء الانتظارات المتزايدة، مما يستدعي قراءة جديدة لطريقة اشتغال الشرعية في النظام السياسي المغربي.
في هذا الإطار، يُقدَّم مفهوم "الزمن الأميري" بوصفه إطارًا يساعد على فهم كيف تُنتج المؤسسة الملكية مشروعيتها عبر الأثر لا عبر الرمز فقط. فالزمن الأميري هو الزمن الذي تُقاس فيه الشرعية بمدى تحقق المقاصد الكبرى للدولة – كالعدل، والكرامة، والتنمية – في حياة المواطنين.
ومن هنا، يشكّل الخطاب الملكي لأكتوبر 2025 نموذجًا دالًا على هذا التحول، إذ يجمع بين احترام منطق الدستور واستحضار حاجات الأجيال الجديدة، في مقدمتها جيل زد.
 
الاحترام الدستوري: توزيع الأدوار والمسؤوليات
يؤكد الخطاب الملكي على ضرورة احترام التوازن الدستوري في تدبير الشأن العام، حيث يخاطب الملك ممثلي الأمة من موقعه كـ"ضامن دوام الدولة واستمرارها" (الفصل 42 من الدستور).
وتتجلى معالم هذا التوازن في ثلاثة مستويات رئيسية:
- إعادة تأكيد دور البرلمان في التشريع ومراقبة العمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية؛
- ربط المسؤولية بالمحاسبة كآلية لترسيخ الثقة بين المواطن والمؤسسات؛
- التشديد على الطابع الجماعي للمسؤولية في إنجاح المشاريع الوطنية، حيث "ليست الحكومة وحدها من تتحمل المسؤولية، بل جميع الفاعلين دون استثناء".
بهذا، يُعيد الخطاب إنتاج العلاقة بين السلطة والمسؤولية داخل منطق الزمن الأميري، الذي يربط الشرعية بالمردودية لا بالموقع المؤسساتي فحسب.
 
المعالجة غير المباشرة لتحديات جيل زد
رغم أن الخطاب الملكي لم يتحدث عن احتجاجات جيل زد بشكل مباشر، فإنه قدّم معالجة جوهرية لتطلعات هذا الجيل من خلال سياسات واقعية ومقاصدية تهدف إلى تحويل طاقاته من التوتر إلى البناء. ويتجلى ذلك في:
- العدالة المجالية كبديل عن الاحتجاج: إذ شدد الخطاب على "إعطاء عناية خاصة للمناطق الأكثر هشاشة، وخاصة مناطق الجبال والواحات"، وهي فضاءات تمثل بؤر توتر اجتماعي وشبابي.
- اقتصاد الفرص بدل خطاب الغضب: من خلال "تشجيع المبادرات المحلية والأنشطة الاقتصادية وتوفير فرص الشغل للشباب"، بما يعيد الثقة في العمل والإنتاج.
- المؤسسات القريبة بدل الوساطة التقليدية: بدعوة إلى "توسيع نطاق المراكز القروية" لتقريب الخدمات من المواطنين وتجاوز فجوة الثقة التي تفصل الشباب عن المؤسسات.
هذه المقاربة تنقل الخطاب من معالجة الظاهرة إلى معالجة الأسباب، وتحوّل الاحتجاج من طاقة غضب إلى رافعة للتنمية، وهو جوهر الفعل في الزمن الأميري.
 
الزمن الأميري: من الرمز إلى الأثر
يقدم الخطاب الملكي تطبيقًا عمليًا لمفهوم الزمن الأميري من خلال انتقاله من الرمزية إلى المقصد، ومن القول إلى الفعل.
فإذا كان "الكد الرمزي" يقوم على إنتاج الرموز السياسية والدينية لترسيخ الشرعية، فإن "الزمن الأميري" في صيغته الجديدة يربط هذه الرموز بالفعل الاجتماعي والاقتصادي الذي يحقق العدالة.
ويتجسد ذلك في ثلاثة أبعاد مترابطة:
1. من الكد الرمزي إلى التراكم المقاصدي
   تحويل الرموز الدينية والسياسية (كالبيعة وإمارة المؤمنين) إلى أدوات عملية لتجسيد قيم العدالة والمساواة.
2. من الشرعية إلى الأثر
   جعل الأداء والمردودية أساسًا للثقة السياسية، عبر "محاربة كل الممارسات التي تُضيّع الوقت والجهد والإمكانات".
3. من المقصد إلى السياسة
   معالجة المطالب المجتمعية ضمن رؤية مقاصدية شاملة تشمل التعليم، الصحة، الشغل، والعدالة المجالية.
إنجاز المشاريع كمقياس للزمن الأميري
من بين ما يؤكد رسوخ منطق الزمن الأميري في الخطاب الملكي، الدعوة إلى تسريع وتيرة إنجاز المشاريع الكبرى التي تم إطلاقها في مختلف الجهات.
فـ"المحاسبة على الأثر" و"تجويد الإنجاز" أصبحتا مقياسًا حقيقيًا للفعل العمومي، لأن الزمن الأميري لا يُقاس بعدد المشاريع المعلنة، بل بمدى أثرها على حياة الناس.
وهذا ما دعا إليه الملك صراحة حين شدد على ضرورة رفع منسوب الجدية والمردودية في تدبير الاستثمار العمومي، معتبرًا أن أي تهاون في الإنجاز هو تهاون في خدمة المواطن.
بهذا المعنى، يصبح التنفيذ الناجع هو التعبير الملموس عن الشرعية في الزمن الأميري.
 
خاتمة: نحو عقد اجتماعي متجدد
يمثل الخطاب الملكي (أكتوبر 2025) نموذجًا متقدمًا للتفاعل مع تحولات المجتمع المغربي، وخاصة تحديات جيل زد.
فهو يجمع بين:
- الاحترام الدستوري الذي يحافظ على توازن السلطات؛
- الرؤية الإستراتيجية التي تتعامل مع المطالب الشبابية في عمقها الاجتماعي والاقتصادي؛
- الزمن الأميري كإطار قيمي ومقاصدي يجعل من الأثر والعدالة مقياسًا للشرعية.
وهكذا، يتحول الزمن الأميري من مفهوم تأويلي إلى منهج في الحكم والإصلاح، يؤسس لعقد اجتماعي جديد بين الدولة والمجتمع، تُبنى فيه الثقة من خلال النتائج، لا الوعود، ويُقاس فيه الولاء بعمق الأثر لا بطول الشعارات.