الجمعة 3 مايو 2024
سياسة

بعد فشلها في توسيع صلاحيات المينورسو.. الجزائر تحرّض الأمم المتحدة على نسف الجدار الأمني

بعد فشلها في توسيع صلاحيات المينورسو.. الجزائر تحرّض الأمم المتحدة على نسف الجدار الأمني

حين اختار المغرب نهج الانفتاح على حقوق الإنسان كان ذلك رغبة منه في تأهيل البلاد إلى المستقبل، بما يعنيه ذلك من التصالح مع ذاكرة الماضي، وترسيخ فضيلة الإنصاف، وتصحيح العلاقات مع المنتظم الدولي. ومع ذلك فهذا النهج لم يجد له الصدى الملائم في الخارج الذي ظل يقرأ اختياراتنا المنفتحة، بتدرج هادىء، كسلوك ضعف أمام «فزاعات» المنظمات الحقوقية الدولية، «الفزاعات» التي تأكد مع الوقت أنها مشتراة لحشر المغرب في الزاوية الضيقة، ولإنهاك طاقته المفترض أن تشحذ لمواجهة تحديات التنمية والبناء. ولذلك ترصد العديد من هذه المنظمات المسار الإيجابي لتعامل المغرب مع المنتظم الدولي بخصوص قضية وحدتنا الترابية بمنطق الابتزاز ولي ذراع المغرب، ولذلك تحول أحداث مخيم «إكديم إيزيك» بالعيون إلى شرط إدانة للمغرب، محولة الجناة إلى ضحايا، وأصحاب السوابق إلى رموز للنضال الحقوقي الدولي، مستعينة بخبرة مكاتب «انتدابها» في الداخل، سواء عبر بعض الجمعيات الحقوقية المغربية، أو عبر «انفصاليي الداخل»، وبخصومنا في المنتديات الدولية. إضافة إلى أنها تتعمد اختيار حالات تعذيب منعزلة لتراها نهج الدولة الرسمي، وتضخم الموقف من تعبيرات محدودة للشواذ والسحاقيات وفاطري رمضان وشغب «فيمن»... كمنهج لقهر «الأقليات».

يتم كل ذلك في الوقت الذي تصمت هذه المنظمات الدولية عن حقيقة الوضع الحقوقي في الجزائر، بما يشمله من حجز قهري للحريات الفردية والجماعية، وعن منهج التعذيب ضمن الواقع الإنساني الأسود المفروض داخل مخيمات تندوف. ولذلك نرى الحاجة قائمة اليوم لأن يقدم المغرب على مراجعة نهج انفتاحه على المنظومة الأممية لحقوق الإنسان، إذ لا يعقل تبني سياسة الكيل بالمكاييل، في ما يتم الاستمرار في التشويش على المغرب، وعلى قضايانا الحيوية، حيث صار من المحقق أن نهج الانفتاح يجعلنا رهينة «سوق جنيف» في شهر مارس من كل سنة و«سوق نيويورك» في شهر أبريل من كل سنة، وهو ما يعني أن العقل العام للدولة يكون منشغلا بملف الصحراء وبالمناورات المحاكة عوض أن تركز الدولة والمجتمع الاهتمام على مشاريع البناء، وأن نؤسر دائما في موقف الدفاع أمام توالي التحرش بنا على جميع الواجهات، مثلما حدث مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة الذي وجه في آخر تقرير له حول المغرب كشافات الضوء نحو الجدار الأمني بالصحراء بدعوى أنه يعيق تواصل الصحراويين مع أرضهم وذويهم، في حين أن أهداف إقامة هذا الجدار كانت، بالإضافة إلى حماية أمننا الحدودي، تتناغم مع نداءات المجتمع الدولي التي تصب في مكافحة تهريب المخدرات والهجرة السرية والاتجار في البشر، والتسرب المحتمل للخلايا الإرهابية المبثوثة على امتداد منطقة الساحل والصحراء.

ثم إن المنطق يقتضي، إن كانت النيات لدى هذا المجلس الأممي وغيرها من الهيئات الدولية صافية من أجل التواصل الإنساني، أن تتضافر الجهود الأممية من أجل الاستجابة لمطلب المغرب الداعي لفتح الحدود مع الجزائر، ومن أجل رفع الحصار على محتجزي تندوف للتواصل حقيقة مع ذويهم ووطنهم. وفي نظرنا، فهذه المراجعة (أي مراجعة تعامل المغرب مع المنظومة الأممية لحقوق الإنسان) ينبغي أن ترتكز على مفهوم السيادة أولا وأن تقوم على مبدإ التحول إلى موقف الهجوم ثانيا لفضح المناورات التي تقوم بها بعض المنظمات غير الحكومية بموازاة تلك التي تقوم بها الجزائر في المحفل الدولي.

وفي هذا الإطار نرى ضرورة أن يغتنم المغرب فرصة دعوة مجلس الأمن الأخيرة إلى «الحاجة الملحة لأن تعود البعثة الأممية إلى أداء وظائفها كاملة» بالصحراء لإعادة تدقيق أدوار هذه البعثة المحددة وفق الأهداف المرسومة لها دون سواها منذ سنة 1991، وهي: مراقبة وقف إطلاق النار، وزرع إجراءات الثقة عبر ترتيب زيارات الصحراويين بين تندوف والأقاليم الجنوبية، والإشراف على إجراء الاستفتاء. وبهذا الخصوص سجل المتتبعون أن بعثة المينورسو صارت تتصرف، منذ أربع سنوات تقريبا، خارج مهامها الرسمية من قبيل أن تحول بعض موظفيها إلى كتابة تقارير سرية «مخدومة» حول الحالة في صحرائنا. والخطير أن هذه التقارير صارت هي المعتمدة من طرف الأمانة العامة للأمم المتحدة، عوض الاعتماد على تقارير الدولة المغربية كما هو مفترض في أعراف العمل الأممي الدولية.

كما لوحظ كذلك تحول «المينورسو» إلى متعهد كل الزيارات التي تقوم بها بعض الوفود الأممية إلى المنطقة، حيث صارت هي التي تضبط برنامج تلك الوفود، وتوجهها إلى من يجب الاتصال به والإنصات إليه.

ثلاثة اعتبارات تدفعنا إلى القول بضرورة تقييم تعاملنا مع المنظومة الأممية لحقوق الإنسان في أفق مراجعتها، دون المساس بتعاقداتنا الدولية في هذا الباب من جهة ودون المس بالالتزامات الدستورية الواردة في وثيقة 2011:

وعي المغرب بأن التحرش به في موضوعات حقوق الإنسان هو تعبير عن الحرب بالوكالة التي تشنها علينا الجزائر عبر آليات تحركها في الخارج، وعبر «مكاتب الانتداب» في الداخل التي اختارت الاصطفاف ضد كل ما يرمز لموروث المغاربة (دينيا أو سياسيا أو ترابيا).

وعي المغرب بأنه صار يوجد في مرمى السهام للمس بوحدته الترابية من خلال مخططات التقسيم التي تتبناها سياسة الفوضى الخلاقة.

وعي المغرب بفعالية تنويع علاقاته الدولية خارج المدار التقليدي (أمريكا والاتحاد الأوربي)، وتجسير العلاقة مع روسيا والصين والهند ودول مجلس التعاون الخليجي.

هذه بعض الاعتبارات التي لا تدعم فقط فكرة الحاجة إلى المراجعة، وإلى تبني خطة الهجوم بدل موقف الدفاع، وإلى فضح نهج المناورة التي تبخس صورة المغرب الحقوقي، ولكنها تؤكد كذلك ثقة المغرب باختياراته، وبأفقه الطامح إلى الانتصار على سماسرة العمل الدولي، وعلى متعهدي المآسي المتاجرين في القيم والمبادئ باسم حقوق الإنسان.

تفاصيل أوفى تطلعون عليها في عدد أسبوعية "الوطن الآن" المتواجد حاليا في الأكشاك