يسود غضب وجدل كبيران في أوساط الفعاليات الأمازيغية بسبب النتائج الأخيرة للإحصاء العام للسكان والسكنى المتعلقة بنسبة الأمازيغ، والتي حددت مصالح مندوبية أحمد الحليمي نسبة الناطقين بالأمازيغية بالمغرب في 26.7 في المائة، 15 منهم يتكلمون تشلحيت، و7.6 في المائة تمازيغت، و4.1 في المائة تاريفيت. «الوطن الآن» اتصلت بفعاليات مهتمة بالمسألة الأمازيغية وطرحت عليها السؤال التالي: هل أصبح الأمازيغ أقلية بالمغرب؟ بعض الردود أكدت غضبها من هذه النتيجة فعلا، وبعضها اعتبر الأمر عاديا، لأن هناك مسارا طويلا لتراجع استعمال اللغة الامازيغية بالمغرب، والبعض الآخر أرجع السبب إلى التقنية والسؤال اللذين استعملا في عملية الاحصاء.
ليلى الشفقي، مديرة راديو بلوس أكادير
ليسوا أقلية.. ولابد من إجراء إحصاء بطريقة تترجم الواقع الحقيقي لمغرب التنوع
حسب الإحصاء الأخير الذي قامت به المندوبية السامية للتخطيط فإن 27 % من المغاربة فقط من يتكلمون الأمازيغية فيما يتكلم البقية العربية الدارجة. في قراءتي لهذه الأرقام أقول إن الإحصاء هو عملية علمية تخضع لقوانين ومعايير متفق عليها عالميا. وبالتالي فمن أجل التدقيق في النسبة المعلن عنها يجب الاطلاع على الأسئلة التي طرحت، وكيف تمت صياغتها، ثم دراسة العينة التي تم استجوابها للتأكد من صحة تمثيلها لساكنة الم
غرب. شخصيا، لا أظن أن الناطقين باللغة الأمازيغية يشكلون أقلية. فإذا قمنا بإحصاء دواوير العالم القروي بالمغرب الذين يتكلمون الأمازيغية ببعض المناطق وأخص بالذكر سوس ماسة، الحوز، درعة، الأطلس المتوسط والريف علاوة على المدن التي نجد فيها اللغتين العربية والأمازيغية أظن أَن النسبة سوف تتجاوز بكثير النسبة المعلن عنها والتي تنحصر في 27 % فقط كما جاء في الإحصاء الأخير. وأجد أن هناك فرقا بين أن تكون الأمازيغية هي اللغة الأم وبين إتقانها قراءة وكتابة. وهنا أؤكد على كيفية صياغة الأسئلة والإجابات المنتظرة منها، فلا يمكن مثلا أن نقول عن مغربي عربي لا يجيد القراءة والكتابة إنه ليس عربيا لأنه أمي. وبما أن اللغة الأمازيغية لم تكن تدرس في المقررات المغربية فجل الأمازيغ لا يقرؤون ولا يكتبون تيفيناغ. وبالتالي وجب السؤال عن اللغة الأم وليس عن اللغة المقروءة والمكتوبة. أنا مثلا أمازيغية أبا عن جد، أتكلم الأمازيغية بطلاقة، لكني أكتبها بالحروف اللاتينية، لأنه لم يتسن لي تعلم الكتابة بتيفيناغ. كما أن العديد من الأمازيغ المغاربة وجدوا أنفسهم مضطرين لتعلم اللغة العربية لأنها اللغة المعتمدة في شتى إدارات التراب الوطني. هل نعتبر إذن أن الأمازيغ أقلية لأنهم يبذلون مجهودا في التواصل من أجل قضاء مصالحهم؟ من غير المنطقي إذن أن يعلن إحصاء من جهات رسمية أن الأمازيغ أقلية في المغرب، لابد من إجراء إحصاء بطريقة تترجم الواقع الحقيقي لمغرب التنوع، مغرب الأمازيغية والعربية وتمكين المغاربة الأمازيغ من الحفاظ على هويتهم بتنزيل الدستور عبر تكريس اللغة الأمازيغية في المقررات التعليمية.
د.الحسين بويعقوبي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة بن زهر بأكادير
الأمازيغية لم تكن لغة سيادة حتى في عهد الإمبراطورية الموحدية والمرابطية
أعلنت المندوبية السامية للتخطيط أن نسبة الناطقين بالأمازيغية في المغرب هي 27 %. وتبقى جهة سوس ماسة أكثر الجهات استعمالا للأمازيغية بنسبة 70 %. ودون الدخول في النقاش حول مدى مصداقية هذه النتائج ومختلف الإشكالات المرتبطة بتقنية الإحصاء وطريقة طرح الأسئلة وظروف طرحها، والتي تؤثر عن وعي أو عن غير وعي في طبيعة النتائج، فإن ما أعلنت عنه المندوبية السامية يعتبر أرقاما رسمية يجب أخذها مأخذ الجد، باعتبارها المرجع الوحيد في الموضوع سواء للباحثين أو للمنظمات المهتمة. هذه النتائج الرسمية تضع الناطقين بالأمازيغية وبشكل صريح في وضعية «الأقلية اللسنية»، وما يتبع ذلك من التزامات أمام المنتظم الدولي وضرورة احترام الدولة المغربية للمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الأقليات. بل إن هذه الإحصاءات تجعل المغرب في تدبيره لوضعية اللغات بين المطرقة والسندان، أي إما الالتزام بـ «حقوق الأقليات» أو قبول «حقوق الشعوب الأصلية». وكلا الطرحين غير مقبولين من طرف الدولة المغربية، خاصة بعد الاعتراف الدستوري بالأمازيغية لغة رسمية واعتبارها ملكا لجميع المغاربة في دستور 2011. لنترك هدا الإشكال جانبا ولنعد للتاريخ لفهم مسار تراجع استعمال اللغة الأمازيغية، لأن ذلك سيجعلنا نفرض أن نسبة 27 % المعلنة مع إضافة 10 % كهامش للخطأ كي نصل إلى 38 %، ربما قد تكون صحيحة وتفرض الخروج من وهم «الأغلبية الناطقة بالأمازيغية» للتفكير في مستقبل هذه اللغة بناء على هذه المعطيات الجديدة. فجولة بسيطة في أغلب المجال الحضري بالمغرب، وحتى في العديد من الدواوير، تظهر غلبة استعمال الدارجة المغربية أمام تراجع الأمازيغية في عقر دارها، ولنا في الأطفال الصغار وفي عائلات المناضلين أنفسهم خير مثال. هذا التراجع بدأ منذ قرون، خاصة وأن الأمازيغية لم تكن قط لغة سيادة، حتى لدى الإمبراطوريات الأمازيغية (المرابطون والموحدون…) رغم ما يقال عن استعمالها من طرف السلاطين وداخل البلاط. واستمر التراجع بشكل جلي بعد التحولات العميقة التي أحدثها الاستعمار الفرنسي بشمال إفريقيا بين 1830 و1962. في سنتي 1910 و1913 طلبت الإدارة الفرنسية من الباحثين «ايدموند دوتي» و«كوتيي» القيام بدراسة حول وضعية الأمازيغية وعدد الناطقين بها بالجزائر، فخلصوا إلى أنه «من الناحية العملية من المهم أن تعرف الإدارة مدى تراجع استعمال اللغة الأمازيغية وسرعته وتأخذ ذلك بعين الاعتبار، لأن الشعب الذي يهجر لغته يعيش تحولات عميقة ستكون لها نتائج على المدى البعيد». وأضافا «ليس هناك شك في أن استعمال الأمازيغية في تراجع وما ينقصنا هو التفاصيل». بعد دخول الفرنسيين إلى المغرب تساءل «اندري باصي» سنة 1938 في مقال حول هذا الموضوع عن «مستقبل اللغة الأمازيغية في شمال إفريقيا»، وأقر بدوره بتراجع استعمال هذه اللغة. بل إن «باصي» اقترح حلين لهذه المشكلة: إما قرار سياسي من طرف حاكم لصالح الأمازيغية، أو ظهور أديب كبير من بين الأمازيغ يغير مجرى هذه اللغة. وخلص في الأخير إلى أن «المشكل في العمق يعود لمدى تجدر الوعي اللسني لدى الأمازيغ ورغبتهم في الحفاظ على لغتهم». لكن هذا الوعي نفسه كان يبدو بالنسبة لـ«باصي» بعيد المنال خاصة بعد ظهور الفكر العروبي-الإسلامي في سياق الثلاثينات من القرن الماضي والانخراط الواسع للأمازيغ في هذه الإيديولوجية وميول جزء من نخبتهم نحو ترك لغتهم. وقد استمر التساؤل حول الأمازيغية ومستقبلها ومختلف القضايا المرتبطة بها طيلة فترة الحماية الفرنسية بالمغرب. فجاء «روبير مونطاني» الباحث السوسيولوجي المعروف وصديق الجنرال ليوطي ليتساءل سنة 1955عن مستقبل الأمازيغيةوعلاقتها بمستقبل الإمبراطورية الشريفة، فخلص إلى أن «وحدة الإمبراطورية الشريفة لا نقاش فيها ولا مجال للحديث عن أي استقلال للأمازيغ. لكن بين «المركزية العمياء» و«الانفصال» يمكن الحديث عن آلاف المشاريع الجهوية التي من شأنها أن تضمن التوفيق بين سيادة السلطان واحترام الدين وضمان تشبث الأمازيغ بمؤسساتهم المحلية وعاداتهم المرتبطة بحياتهم المادية والاجتماعية» هذه النماذج من الكتابات التي تعود للنصف الأول من القرن الماضي تثبت أن تراجع استعمال اللغة الأمازيغية ليس بالشيء الجديد، واستمر أكثر في فترة الاستقلال. كما أن العديد من الأسئلة المطروحة اليوم حول اللغة الأمازيغية وعلاقتها بالمركز وبالجهوية وتراجع استعمالها وممكنات تطويرها كانت مطروحة مند فترة الحماية الفرنسية. بل يمكن القول إن هذه الكتابات كانت تضمر بعض الحلول المطروحة اليوم كعلاقة الأمازيغية بالقرار السياسي أو بالجهوية أو أهمية الوعي اللسني لدى الأمازيغ. في هذا الاتجاه ألا تدفعنا الإحصائيات الأخيرة إلى ضرورة التفكير أولا في تحصين المجالات التي لا زالت تستعمل الأمازيغية وضمان مجال طبيعي لإعادة إنتاجها وتطويرها قبل التفكير في التعميم؟ وفي هذا الإطار وما دامت الدولة تقر بأن الأمازيغية هي اللغة الأولى في جهة سوس ماسة فما الذي يمنع من جعلها اللغة الرسمية الأولى في هذه الجهة؟
رشيد الحاحي، مفتش تربوي وفاعل جمعوي رئيس فدرالية الجمعيات الأمازيغية بالمغرب
استمارة الإحصاء والأسئلة الغامضة حول الأمازيغية
تدخل العملية الإحصائية ضمن مجالات التعداد والتقدير العددي، تعتمد طرق علمية لكن غير دقيقة في منهاجها ونتائجها، ومنها الاعتماد على عينة الإحصاء التمثيلية لمجموعة كبيرة تبقى رغم كل شروط الانتقاء غير متجانسة، وتقنيات المقابلة وملء الاستمارة التي تخضع بدورها لمجموعة من المتغيرات والمؤثرات الذاتية والموضوعية، سواء التي تخص المستجوب أو الباحث الإحصائي أو أسئلة وصياغة وظروف للاستبيان، مما يضفي على نتائجها طابعا غير دقيق. وبالنسبة للنتائج التي كشفت عنها مندوبية التخطيط فقد قامت على عينة من 2 في المائة، وخلال الإحصاء تم اعتماد تقنية الاستمارة والمقابلة، وهذه كلها أسباب وعوامل تجعلنا نؤكد افتقاد هذه الأرقام إلى العلمية ومطابقة الواقع السوسيو لساني المغربي. فالسؤال المطروح في الاستمارة لا يستبين إن كان المستجوب يتحدث اللغة المحلية وإن كان ناطقا بها، بل إن كان يستعملها، وهناك فرق كبير من الصياغتين والاستبيانين. فسؤال الاستعمال يبقى غامضا ولا يتضمن توضيح حول المقصود بالاستعمال ومجاله، هل المقصود مثلا، فضاء البيوت أو الشارع أو في مجالات العمل...؟ فيمكن أن يكون المستجوب أي المواطن ناطقا بإحدى فروع اللغة الأمازيغية، لكن يستعملها مع أفراد الأسرة وداخل البيت، ولا يستعملها في حياته العملية وفي الشارع وفي علاقاته الاجتماعية العامة، حيث تبقى الدارجة لغة التواصل الأكثر استعمالا، خاصة في المدن وحتى بعض المجالات القروية ذات ساكنة أمازيغية. وإضافة إلى الظروف المحيطة بالإحصاء وتعبئة استمارة الاستبيان، كغموض المقصود بسؤال الاستعمال كما وضحنا ذلك أعلاه، وتمثلات المستجوبين والإحساس بدونية استعمال اللغة الأمازيغية كما يحصل في المدن الكبرى، فثمة العديد من المؤشرات التي تؤكد اتساع ظاهرة «التدريج» على حساب استعمال اللغة الأمازيغية في صفوف السكان ذوي الأصول الأمازيغية، سواء في المدن أو في الأوساط شبه قروية.
لحسن أمقران، فاعل جمعوي وأستاذ اللغة الامازيغية
أحمد الحليمي لم ينتصر للموضوعية بل خاض حرباً بالنيابة ضد الأمازيغ
صراحة مثل هذه الأرقام مثيرة للضحك لسبب بسيط، وهو أن القاصي والداني يعرف أنها مفبركة ولا مصداقية لها، فهي لا تعبر عن حقيقة الوضع اللغوي في شقه الأمازيغي. كما تعلم، وإلى حدود اوائل القرن الماضي كانت اللغة الأمازيغية لغة السواد الاعظم من المغاربة، وقد كان وقع أساليب التهميش والمحاصرة التي نهجتها دولة ما بعد الاستقلال الشكلي مؤثرا إلى حد كبير على تطور توظيف اللغة الأمازيغية. لكن ذلك لا يعني بتاتا وصول مستواها إلى ما تدّعيه المندوبية السامية للتخطيط. إن نسبة كبيرة من المغاربة تتواصل بالأمازيغية لغة الاجداد ومتمسكة بها وهي النسبة التي ترتفع في العالم القروي، ومع الصحوة الأمازيغية خصوصا مع عقد التسعينيات من القرن الماضي، أصبح الحضريون أنفسهم يتصالحون مع لغتهم الأمازيغية بعد أن تخلص عدد كبير منهم من «مركب النقص» الذي عمّر طويلا، لقد كان على مندوبية الحليمي أن تنتصر للموضوعية والحياد بدل الخوض في حرب أيديولوجية بالنيابة، إنه من الخطأ ربط الأمازيغ بجهة دون أخرى، والحديث عن أقاليم الريف والأطلس وسوس تناول خاطئ وغير سليم، فعدد الأمازيغ الناطقين بالرباط والبيضاء فقط يقارب وقد يتجاوز الناطقين بأحد الأقاليم الثلاث المذكورة، يجب أن يعلم الحليمي ومن معه أن دائرة المعارف الإسلامية تقر بأن نسبة الناطقين بالأمازيغية في المغرب هو %60. نفس الشيء يسري على الموسوعة الإنجليزية التي تعترف بأن عد الناطقين بالأمازيغية يتحدد في ما بين %40 و %50. باختصار، فليعلم السيد الحليمي أنه أساء إلى التخطيط وأساء إلى الدراسات الإحصائية بهذه الخطوة غير العلمية. لقد تمت قولبة الاستمارات بشكل يخدم توهيم المغاربة بأن الأمازيغ لا يشكلون غير «أقلية» في النسيج المجتمعي لتمرير مشاريع وسنّ قوانين تجهز على الخصوصية الأمازيغية بدعوى القلة، ثم إيهام الحركة الأمازيغية أنها خسرت معركتها النضالية أمام المد التعريبي الذي تموّله تنظيمات البترودولار وتتواطؤ معه الدولة المغربية لكسر شوكتها وإجهاض طموحاتها. الأقليات لا تصنعها الأرقام أولا، ثم لو افترضنا جدلا أنه «تعرب» آخر ناطق باللغة الأمازيغية في بلادنا، فإن ذلك لا يعني بتاتا أن هويته الأمازيغية قد تغيرت. ثانيا، المغاربة أمازيغ وهم يدركون ذلك خصوصا جهابذة التيار التعريبي، هؤلاء الذين لا يدخرون جهدا في اعتبار أنفسهم عربا عاربة. لسنا في حاجة إلى تحليلات (ADN) لنثبت ذلك، لأن دراسات سابقة تثبت من نحن بغض النظر عن أفكارنا، مرجعياتنا ومواقفنا. إن اعتبار الأمازيغ «أقلية» مجرد توهم من وحي المستلبين. من جهة أخرى، ما يهمنا من هذا الحدث أنه يتعيّن على الأسر المغربية الانخراط الفعلي في مساعي إنصاف اللغة الأمازيغية والكف عن الاستخفاف بأهمية لغة التواصل. صحيح أن الوظيفة الأساسية للغة هي التواصل، لكن وبما أن الأمور تنحو هذا المحو، يجب أن نكون صارمين مع ذواتنا وأبنائنا في تعلم وتوريث لغتنا التي عاشت لقرون كثيرة دون سند مكتوب أو طقوس دينية تحفّظها. في الأخير، نكرر أن ما انتهى إليه الحليمي وزمرته لا يهمنا في شيء وندرك أن التزييف العمدي غير مستبعد، ونطالب الدولة المغربية أن تنظم إحصاء موضوعيا وعلميا يرصد السوق اللغوية المغربية، ونهمس في أذن المسؤولين أن ملايير تصرف من أجل إنعاش اللغة الأمازيغية وتشجيع تعابيرها، وإذا «صدق» الحليمي في ما ذهب إليه وجب إنهاء مهام المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والقناة الأمازيغية وحتى الإذاعة الأمازيغية، لأن هذه المؤسسات «فشلت» في حفظ وتشجيع توظيف اللغة الأمازيغية.
حسن سفري، باحث في القانون الدستوري وعلم السياسة
إحصاء لحليمي سلاح ضد الدولة لأنها أضحت مسؤولة عن عدم احترام حقوق الأقليات
تخطيط، وخصوصا الرقم المتعلق بعدد السكان المتحدثين باللغة الامازيغية، حيث صرحت المندوبية ب 27 بالمئة من الساكنة في تراجع عن أخر تقرير للمندوبية في احصاء 2004. وهذا الرقم المقدم هو من نتائج عملية الاحصاء يعتبر رقما غير دقيق و مغلوط كونه نتيجة لعملية لم تحترم فيها القواعد والمعايير الدولية للإحصاء حيت عرف اختلالات شكلية (البحث الميداني)، ومن ناحية المضمون (طبيعة الأسئلة الموجهة، صيغة الأسئلة...) وستكون هناك تأويلات وسيناريوهات في التفريغ وتجميع المعطيات لكي يتم التوصل لأرقام تكون في خدمة مشاريع وتصورات ايدولوجية ،وبغية كذلك الضبط والتحكم في طبيعة البنية السكانية بالمغرب عبر اختزال وتحريف الارقام خوفا من الاعتراف بالمميزات الهوياتية لشعب أصيل يشكل الاغلبية في المجتمع المغربي وكذلك محاولتا لتجاوز السقف المطلبي للحركة الامازيغية عبر محاولة تقزيم نسبة الامازيغ ، ما يشكل هروب إلى الامام للمؤسسات الرسمية وإرادة من أجل وأد الوعي الهوياتي الأمازيغي، بل تشجيع التعريب والفرنسة على حساب الامازيغية التي تعرضت لسياسات من التمييز والإقصاء من الولوج إلى الحياة العامة ،هذا من زاوية تحليل البعد الأيديولوجي للتقرير أم إن ربطناه بالسياق السياسي وطبيعة الظرفية الحالية خصوصا السنة التشريعية الاخيرة في حكومة البيجيدي. فلحدود اليوم لم يتم بعد تفعيل الدستور عبر تنزيل القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية ولا في القانون التنظيمي للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، والتقرير يمهد لشكل وطبيعة هذه القوانين التي ستكون ضد المطلب الامازيغي بل ومعرقلا أمامها وفرملة للمطلب الأمازيغي كونه لا يشكل إلا نسبة صغيرة في المجتمع المغربي. وبالتالي، فالزخم المطلبي للفعاليات الامازيغية ما هو إلا ثرثرة وإثارة للقلاقل، وما هو إلا خطابات سياسية تستغل... وتلك الخطابات الديماغوجية التي هدفها تضليل الرأي العام وسحب بساط الامتداد الشعبي وفصل الحركة عن القاعدة وتبرير عدم تحقيق مطالب الحركة الامازيغية بمبرر ضعف التداول والنسبة السكانية وتمرير كل القوانين المراد تمريرها والتي تخدم أجندة جهات حزبية وأيديولوجية مازالت تكن العداء وتحرف كل الحقائق والأرقام التي من شأنها توضيح المكانة والموقع الحقيقي للأمازيغ والأمازيغية في المغرب، ومثل هذه التقارير والاحصاءات تحتقر وتقزم كل ماله صلة بالأمازيغية في تناف مع المواثيق والعهود الدولية والتي يعتبر المغرب جزء منها والتي للأسف لا يلتزم بها. سؤال الأقلية والأكثرية سنعالجه كذلك من زاوية وهي أنه نفترض جدلا أن أرقام المندوبية السامية للتخطيط صحيحة، وأن الأمازيغية بمثابة أقلية في المجتمع المغربي ،فهو سيكون ضد الدولة لا لصالحها وهو بمثابة دليل على عدم احترام حقوق الاقليات وعدم تمكينها من حقوقها في الوجود و عدم الحفاظ عليها ،وتمتيعها بحقوقها التفافية وضرورة العمل على تطويرها، كتراث إنساني ومعبر عن التعدد والتنوع في تركيبة المجتمع المغربي ،فحقوق الأقليات حسب القانون الدولي تضمن أن تتمتع بحقوق الإنسان على غِرار أعضاء المجتمع الآخرين، و يجب وضع ضمانات محددّة تؤّكد على حقوقهم كأقليات. وتساعد هذه الحقوق على وجه التعداد وليس الحصر في: حماية ثقافات وأديان ولغات الأقلّيات وتعزيزها؛ تيسير مشاركة هذه الأقلّيات على قدم المساواة في الحياة العامة وفي صنع القرارات التي تؤثّر فيها؛ حماية الأقليات من الأذى ومن التمييز. لذا، يمكن تلخيص أسس حقوق الأقليات في العناصر المحددة التالية: حماية الوجود؛ عدم التمييز؛ وحماية الهوية والمشاركة وهذا ما لا يتوفر بالمغرب ولا يتم التعاطي به مع الامازيغ، ومن زاوية أخرى فالتقرير اعتراف بالتمييز والتهميش الذي يطال الامازيغ والامازيغية وبالتالي فيجب النهوض بها وجبر الضرر للهوية والثقافة الامازيغية، وحقوق الإنسان الأمازيغي. الحقائق لا يجب العمل على تزويرها وحجبها باعتبار الأمازيغ أقلية وتقزيم مكانتهم بالمغرب. فالاعتراف بأمازيغية المغرب إنسانا ومجالا هو المدخل الأساسي للمصالحة، وكذلك يجب احترام الذكاء الجمعي للأمازيغ. ويجب احترام حقوق الإنسان والعمل على تطوير الامازيغية وتمتيع الإنسان الأمازيغي بكل حقوقه والقطيعة مع الماضي، ماضي التمييز والاحتقار. فمنظومة حقوق الانسان تتطور بأجيالها وما على الدولة إلا بالدفع بالأمازيغية ومنحها.
وكيم الزياني، فاعل أمازيغي، المنسق الوطني لحركة توادا ن ايمازغن
المخزن أصبح يتبنى شرعنة قتل الأمازيغية
في الحقيقة كان الإنصدام والاستغراب عنوانا للأرقام والنسب التي كشف عنها «المندوب السامي» أحمد الحليمي يوم الثلاثاء 13 أكتوبر 2015 في ندوته الصحفية بالرباط عن نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى الذي جرى سنة 2014 عند الفاعلين والباحثين الأمازيغيين وتنظيماتهما، ذلك في علاقة التقرير بكتابة ومقروئية اللغات وإستعمالها. وهو تقرير في حاجة إلى طرح تساؤلات وإستفسارات كبرى، نظرا للمغالطات والتناقضات التي يحملها. إذ فكيف لمجموعة من الأبحاث والدراسات أنجزها متخصصون في اللسانيات الأمازيغية والتي تثبت وتقر أن «نسبة الناطقين باللغة الأمازيغية تبلغ أكثر من 60 % بالمغرب»، ويأتي السيد المندوب الحليمي اليوم ليقول للمغاربة أن «نسبة الناطقين بالأمازيغية تبلغ 26.7 %»؟ هذا مع العلم أن «أسئلة إستمارة الإحصاء» لم يورد فيها أي سؤال موجه للمغاربة حول معرفة الحديث باللغة الأمازيغية أو النطق بها. بل كان السؤال متمحورا حول التصريح بـ«اللغة المحلية المستعملة» في التواصل اليومي، مما يمكن لنا القول إن النسب المفرزة من خلال هذا السؤال الوارد في الإستمارة والذي اعتمدت عليه «وزراة التخطيط» في تصريحها الأولي ورسميا بتلك أرقام ونسب، لا تعكس أبدا نسبة الناطقين بالأمازيغية في الواقع. وما دام السؤال يراد منه معرفة «اللغة المحلية المستعملة» وليس اللغات التي يتحدثها المواطن المغربي. فهناك فرق بين أن يورد سؤال في الاستمارة حول «استعمال اللغة المحلية» وتستعمل نتائجها في معرفة نسبة الناطقين. فهذا خلط وتحايل واضح من قبل المشرفين على عمليه الإحصاء وذات نية وخلفية واضحة من أجل قلب حقائق الواقع. فاستعمال «اللغة المحلية» في التواصل اليومي شيء، ومعرفة الحديث والنطق بها شيئا آخر. كما أن تقرير الحليمي هذا يروج لمغالطات يجب أن نقف عندها بكثير من الذكاء والحذر، ونربطها بالأبحاث العلمية اللسنية والأنتروبولوجية عامة بدل «القراءة المؤدلجة» لأسئلة مفخخة وغامضة من داخل «إستمارة الإحصاء» نفسها. فهل يعقل لنا قبول منطق الحليمي الذي يقول بأن من يستعمل «الدارجة المغربية» في تواصله اليومي غير ناطق بالأمازيغية؟ وبالتالي من يستعمل «الدارجة» غير أمازيغي؟ صراحة هذا عبث إيديولوجي من طرف الدولة وسياسة مقصودة مبتغاها ضرب كل ما له صلة بهذا المكون الثقافي الأصيل والأصلي للمغاربة. فإذا كان عدد «المستعملين -وليس الناطقين- للأمازيغية حسب الحليمي 26.7 % والباقي يستعمل الدارجة المغربية»، فهذا يعني لا وجود عندنا لمن يستعمل «اللغة العربية الفصحى» في التواصل اليومي، وأن هذه الأخير مجرد لغة للمؤسسات والتعليم والإعلام وليست لغة التداول اليومي عند الشعب، ولذلك يجب إعادة نظر في السياسة اللغوية للبلاد لأنها لا تعكس حقيقة الواقع، والكف عن جريمة تعريب شعب ذات لغته الأصلية والأم في سياساتها العمومية. أما نسبة الكتابة والقراءة بالأمازيغية حسب الإحصاءات التي قدمها الحليمي، والتي حصرت في 2.8 % من المتعلمين فوق 10 سنوات وبجميع الأحرف وليس بحرفها تيفناغ حسب «إستمارة الإحصاء 2014»، هو رقم يضرب شعارات الدولة نفسها عرض الحائط في ما يخص التزاماتها للنهوض بالأمازيغية بدءا من «خطاب أجدير 17 أكتوبر 2001»، كما يعري حقيقة السياسة التي اتبعتها الدولة لإدماج هذه اللغة في المنظومة التعليمية، ابتداء من الموسم الدراسي 2003-2004. إذا بهذا المعدل الذي قال به الحليمي (2.8 نسبة القراءة والكتابة الأمازيغية)، ألا يمكن اعتبار هذا الأخير معبرا حقيقيا عن فشل وإفشال «قضية تدريس الأمازيغية بالمغرب» من خلال السياسية الارتجالية المتبعة من قبل القائمين على الدولة والحكومة والوزارة الوصية وشركائها؟ فكيف بعد مرور أكثر من 12 سنة من إدماج الأمازيغية في المنظومة التربوية لم نتجاوز نسبة القراءة والكتابة بها حتى 3 % من المتعلمين البالغ من عمرهم أكثر من 10 سنوات؟ هذا مع العلم أن إدراج الأمازيغية من قبل الوزارة بتنسيق مع المعهد كان له أفق تعميم الأمازيغية في أفق 2010 بسلك الإبتدائي، واليوم لم تتجاوز نسبة التعميم حسب أرقام الوزارة نفسها حتى 12 % من مجموع مدارس التعليم الإبتدائي على المستوى الوطني. أليس هذا عبثا بالأمازيغية وتزويرا مقصودا لجعل أبنائها أقلية في بلادهم؟ ألا يدل هذا عن غياب أدنى ارادة سياسية لدى السلطات العليا والحكومة للنهوض الحقيقي والفعلي بالأمازيغية بل ونيتها الواضحة لإقبار الأمازيغية؟ ألا يعتبر هذا ميزا وتمييزا واضحا بين المكونات اللغوية والثقافية بالمغرب؟ إذن، نحن اليوم أمام معطيات قديمة-جديدة، تحتاج للتمعن فيها من قبل الفاعلين الأمازيغيين وتقديم أجوبة لها شافعة. فاليوم لم تعد «الأمازيغية مقصية بقرار سياسي على هامش المؤسسات»، بل الأمازيغية اليوم يوجه لها ضربات الإقصاء السياسي واللغوي والثقافي والهوياتي من داخل المؤسسات وبالمؤسسات، مما يمكن لنا الحديث عن شرعنة إقصاء الأمازيغية من قبل المخزن، وما نتائج تقرير الحليمي إلا جزء من هذه السياسة الجديدة والمشرعنة بالقانون ضد الأمازيغية في شموليتها. وما أرقام مندوبية الحليمي إلا السياسة الواضحة من هذا النوع، تستعمل لطمس حقيقة أمازيغية المغرب، وإقبار مقصود لوجود الشعب الأمازيغي من خلال تزوير فادح لحقائق الواقع اللغوية والثقافية بالبلاد. وأمام هذا يجب على إمازيغن سحب كل الثقة من مثل هكذا إحصاءات مزورة لا تتوفر فيها الموضوعية والحياد العلمي والعملي، ومن كل سياسة المؤسسات التي تشرعن إقصاء الأمازيغية في شموليتها، وفي دولة ترتكن إلى «الإيديولوجيا المخزنية العمياء» و«هويتها القاتلة» التي تتخذ من تعريب الإنسان والمحيط شعارا ومن التزوير الفادح للتاريخ مسلكا لتثبيت حكمها وسلطتها السياسية في الإمكان الأمازيغي والشمالي الإفريقي.