لن أستقبل سنة 2016 بالورود..
ولا بالمناديل
ولا بالفاكهة
أو البطائق البريدية..
لأن الثابت هو أن السنة الجديدة تكون جديدة..
في يومها الأول فقط لا غير.
أو بالتحديد، لا يكون جديدا في السنة الجديدة..
سوى آخر يوم من السنة التي نودعها
وهي هنا 2015..
وبعدها تتشابه الأيام مثل حبات الرمل..
مثل سبحة.
أو مثل وجوه الشمع..
أو القطط المشنوقة في غرف الليل..
تراجيدياتها تتشابه
وأفراحها
وشموسها
ونكباتها..
حنينها يزيد من تجاعيدها قليلا، ومن شيبها، بالنسبة للذين لم يكتشفوا بعد أن الشيب عيب أنتروبولوجي لمن لا يعرف كيف يستفيد من فنون التجميل العصرية وتدريم الأصابع المبرمج!..
وأقصى ما قد نطلبه هو أن تكون السنة القادمة استمرارا لطيفا لما سبق، وطبعة جديدة ومنقحة عن السنة القديمة.
لهذا تكون اللحظة لحظة توديع السنة التي تمضي أكثر ما تكون لحظة استقبال السنة التي تأتي..
و من حسن حظنا أن السنين الجديدة تكون من صناعة الأنبياء..
فالأنبياء يولدون ليصنعوا عيد ميلاد..
أما الحياة التي تبدأ منه، فهي تكون حياة الشعوب المؤمنة!
ومن سوء حظ الأنبياء أن أعياد ميلادهم تتأجج فيها العواطف باسمهم،
وتتأجج نيران العقيدة القاتلة باسمهم…
وباسمهم أيضا يتم استهداف كل مواقع الحياة في نهاية السنة.
ولهذا من سوء حظ الأنبياء أن أتباعهم يزيدون من قلق أتباعهم، في الشرق والغرب وما بين القارتين!
ولا شيء يضمن أن نحتفل بالأنبياء، شرقا وغربا بدون قفازات كبيرة للوقاية من الخوف والقنابل التقليدية.
ومن سوء حظ السنين الجديدة أن الخوف يكون هو الفصل الذي يرافق الضحكات، ويأتي بالمؤمنين، فرادى وجماعات مخفورين بوعول من نار وشظايا.. غير التي يقودها بابا نويل!
تقتضي النزاهة الفكرية أن نجعل من كائن افتراضي هو الخليفة أبو بكر رجل السنة:
فهو الذي أعيد تركيب الشرق باسمه، وباسمه أعيدت الشعوب باسمه إلى تجاربها في الخراب، وإلى دروسها في تعلم التخريب والاسلحة الجديدة.
ومن النزاهة أن نعطيه هذه الهالة التي يستحقها، التي حولت غرب الارض مشرقا، والعكس ليس دوما صحيحا!
من النزاهة المهنية أن نعطيه الهالة التي يستحقها عن جدارة في الدم، فقد استطاع أن يثبت أن سيكولوجيا الشعوب العربية الاسلامية المقهورة لقرون، لا تحتاج أن نبحث لها عن «لاشعور» أو «عقل باطني»، فهذا اللاشعور يعيش على السطح، وهو أول ما نصادفه عندما ننظر إليها، بدون إمعان الاطباء!
ومن النزاهة أيضا أن نقر بأن الفايسبوك، وطنيا كان هو التحول الرئيس في البلاد: فقد تحولت رقعة زرقاء محدودة في الشاشة إلى أكبر تجمع سياسي، يحرك الشوارع، ثم يقدم عروضا سياسية تتفاوض معها الدولة: فقد أطاح الفايسبوك بوزراء، لم تستطع كل الوصفات السحرية للأغلبية والمعارضة معا أن تفرض رحيلهم.
هذا الفايسبوك، الذي لم ينجح فيه إلا من جاءه بقلب سليم، وخابت فيه كل الاستراتيجيات الفردية الانعزالية، يستطيع أن يقدم عرضا سياسيا للدولة وأن تتجاوب معه في أقصى مطالبه! وأن يخضع لمزاجه، الحزب الأول في الانتخابات، ورئيسه وزراءه ووزيراته، ويمكن أن يخضع لسؤاله الحزب الأول في التجارب الحكومية منذ الاستقلال…
لهذا لن أودع سنة، جزء فيها افتراضي ولن أستقبل سنة جزء كبير منها، في الخليج العميق للمستقبل القادم لا محالة.
إنها صناعة «الأغلبية الزرقاء،» التي لا تعني الالتزام السياسي عبر الالتزام الانتخابي، أو لا تعتبر أن الالتزام الانتخابي هو الشكل الوحيد للالتزام السياسي، بل تتعداه إلى ما هو أكبر وأكثر ديمومة (الاقتراع لحظة واحدة كل خمس سنوات مع عرض سياسي يسمى البرنامج في هذه الفترة الطويلة، في حين يكون الالتزام في الاغلبية الزرقاء التزاما يوميا، وبعرض سياسي متفاعل مع المناخ العام ومستجدات الوضع).
وقد تم تعويض العجز الكبير في الحقل السياسي، على التجاوب الفعلي، بناء على معايير الديموقراطيات الناضجة في الغرب كلما استدعى الامر موقفا جريئا أو قطعيا، بحيوية ونشاط أزرقين يقدمان ما يجب تقديمه من حلول.
هنا تصنع الآلة الانسان السياسي ـالأوموفابر- homo faber كما ينظر له برتراند راسل...