من المؤكد أن التلفزيون المغربي، في بداية التسعينيات، استطاع مع إطلالة مليكة ملاك، بعمقها وذكائها وحضورها الثقافي، أن يرفع منسوب متابعة "البرنامج الحواري": "وجه وحدث"، لأنها عرفت دائما كيف تكون قوية في القضايا العامة التي تثيرها. لم تكن زاهدة في طرح الأسئلة الحقيقية، ولا في إثارة الشغب المعرفي، ولا في ركوب اللاتوقع لمحاصرة السياسيين الذين يختبئون خلف لغة الخشب والأرقام. وهو البرنامج الذي قالت عنه: "برنامج «وجه وحدث» أحدث عام 1993 حيث كانت الظرفية السياسية والاجتماعية التي يعيشها المغرب آنذاك جد حساسة، إذ كانت تشهد تحولا عميقا، وكانت جميع القوى السياسية «المعارضة» لها رغبة في المشاركة في الشأن السياسي، وكانت القناة الثانية آنذاك قناة خاصة، وكان الغرض من إعدادها هو إظهار الوجه الآخر للمغرب والصوت الآخر عبر التلفزيون، فجاء برنامج «وجه وحدث» ليعكس هذا التحول العميق عبر استضافة فاعلين في المشهد السياسي وتسليط الضوء على قضايا حساسة تعكس الواقع السياسي المغربي في هذه الفترة حتى سنة 1996 حيث تم توقيف برنامج وجه وحدث".
لقد كانت مليكة ملاك، وهي تطل علينا من خلال برنامجيها "وجه وحدث" و"في الواجهة"، تصر على احترام معاملات الذكاء لدى المتتبعين، وتحرص على تضعيف الاحترام والالتزام. بل استطاعت، رفقة مجموعة من زملائها، أن تدخل مفاهيم جديدة في اللغة الإعلامية، مما ساهم في التحول من وضع معين إلى وضع آخر أكثر انفتاحا على حرية الرأي والتعبير، في زمن كان المجال العام محكوما بقبضة نارية. ولعل التاريخ يحفظ لها أنها أدت الثمن حين استعمل إدريس البصري، الرجل القوي في الإعلام والداخلية، كل سلطاته من أجل إبعادها من التلفزيون. وهو ما تحقق له بالفعل. والسبب هو أنها استطافت في برنامجها «وجه وحدث» الأستاذ امحمد بوستة، الأمين العام لحزب الاستقلال. وكان أن سأله الزميل حسن نجمي، الحاضر وقتها كصحافي، كيف «توقعون ميثاق شرف مع ادريس البصري وهو رمز كل تزوير انتخابي في البلاد؟». وهي الكلمات التي أثارت غضب الوزير إدريس البصري، فكان أن أعطى أوامره بتوقيف البرنامج وتوقيف صاحبته، وعين محامين وهلم شوشرة، وكانت للواقعة تداعيات كبيرة ومتعددة، ولكن المهم هو أنه عندما جاء إلى مؤتمر الكونفدرالية ذات مؤتمر بدعوة من نوبير الأموي، وصعد إلى المنصة وجد مليكة مالك، قال لها «غادي ندعيك..، لأنك لما ذكرني نجمي بالاسم، وأهانني أمام زوجتي وأولادي وأمام المغاربة، لم تتدخلي، ولم تردي عليه، وتركتيه يتحدث، وأنت تبتسمين، ولم تقاطعيه .. كان عليك أن تقاطعيه ». غير أن الرائع في القضية هو أن المغرب ربح امرأة استثنائية بكل المقاييس، لا تتنازل عن ما تعتبره جوهريا ومبدئيا، رغم كل المتاعب التي جرها عليها تمسكها بالحرية. وهو ما تكلل بعودتها، أثناء حكومة التناوب التي ترأسها الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي، إلى القناة نفسها ببرنامج آخر بالمواصفات الإعلامية نفسها، يحمل عنوان "في الواجهة".
وتعتبر مليكة ملاك إعلامية وباحثة في السياسة، ذلك أنها خريجة "جامعة كيبيك" في العلوم السياسية، وهي من ألمع الصحافيات ومقدمي البرامج الحوارية في المغرب، حيث ما زالت تجربتها المهنية في "القناة الثانية" إلى حدود الآن حاضرة بقوة في ذاكرة المهتمين والمتتبعين، وهي تجربة امتدت عبر عشر سنوات قدمت خلالها برامج سياسية ناجحة، تعاطت مع قضايا ساهمت في التحول السياسي المغربي، إذ استضافت فيها سياسيين واقتصاديين ومثقفين بارزين. وظلت عُملتها الرائجة والرابحة، إلى حين توقف البرنامج بشكل نهائي، هو أن واجب الصحافي الأول هو إثارة القضايا التي تشغل الرأي العام، وإيصال الملفات التي يتوصل بها هذا الصحافي إلى المعنيين بالأمر..
والآن، مع كل هذا الزخم الإعلامي التي تجره وراءها هذه المرأة المغربية القديرة، ها هي تعيش محنة مادية وصراعا صحيا مع مرضها العضال، وحيدة داخل مكان إقامتها بحي أكدال بالعاصمة الرباط. حيث سبق لها أن أجرت، في الآونة الأخيرة، عمليتين جراحيتين، وهي الآن تعد تحليلات طبية من أجل إجراء عملية جراحية ثالثة، لعلاج المرض الذي ألم بها بشكل مفاجئ، مقابل وضعها المادي الذي لا يتيح لها مواصلة العلاج، بسبب عدم توفرها على التغطية الصحية. فهل هذا ما تستحقه هذه القامة التي نفخر بها؟ هل هذا ما تستحقه النساء العاليات اللواتي قدمن ما بوسعنا أن نرفع رؤوسنا به؟
الملف الصحي لمليكة يوجد حاليا فوق مكتب مصطفى الخلفي، غير أن وضعها الصحي الذي يشي بمضاعفات يفرض، الآن، "التفاتة ملكية شاملة تعيد الأمل والحياة من جديد إلى إعلامية أعطت الكثير للإعلام المغربي". فهذه السيدة لم تكن يوما من هؤلاء الذين يستعطفون أو يبحثون عن المال، كان امرأة مغربية من الزمن الجميل، وما زالت، وكانت مكتفية براتبها وأسرتها، وقد سبق لها أن قالت "علاقتي مع عائلتي أعتبرها من أحسن علاقاتي العامة· أنا أجد في أفراد عائلتي (6 أخوات وأخ) الصديق، والحب والحنان والسند· وأجد فيهم المساعد على جميع المستويات· أما زوجي (قبل أن يرحل إلى دار البقاء) فهو سندي، وصديقي ورفيق دربي فهو يعرف عني كل شيء: يعرف مليكة ملاك في أوقاتها المرحة وفي مراحل قلقها.. أما زينة، فهي مستقبلي وحاضري، لا أتصور دنياي بدونها فهي كل شيء. علاقتي بها علاقة أمومة وصداقة أيضا، فهي لا تخفي عني أي شيء، بالمقابل أحترم حياتها الشخصية التي لها حدودها، ولا أوجهها توجيها خارج حدود هذا حلال هذا حرام، وزينة تتميز بشخصية جميلة، وذكية لها قدرة خارقة على إخفاء ذكائها ولها شخصية محتشمة كذلك. فهي جمعت بين خصال والدها ووالدتها".
مليكة بحاجة لنا جميعا.. بحاجة إلى يد وطن تربت على رأسها بحنان وعرفان.