ميليشيات و تنظيمات في ليبيا و سوريا و العراق و اليمن و نيجيريا و الصومال و مالي و مناطق أخرى من الساحل الإفريقي إضافة إلى أفغانستان، فهل هو الزمن الرديء زمن الميليشيات هذا الذي اكتوى بنيرانه العرب و المسلمون على الخصوص بشكل مباشر أو غير مباشر على إثر الأحداث المتلاحقة خلال سنة 2015؟
ميليشيات تعددت أسماؤها و انتماءاتها. فمنها من بايع داعش، على غرار بوكوحرام، و منها من تفرع كالقاعدة، بفصيلها القاعدة في المغرب الإسلامي الذي خرجت من صلبه مجموعة المرابطون، و منها من يتعاون مع بعض الحركات بشمال مالي كالبوليزاريو الذي يزودها بشباب من مخيمات تندوف، كما أكدت ذلك عدة تقارير إعلامية. فكيف التصدي لهذه المجموعات؟
لوحظ أن محاولات التصدي لداعش، في العراق و سوريا، و بوكوحرام، في نيجيريا، خلال سنة 2015، اعترتها، رغم الوسائل الضخمة التي أعلن عنها، مصالح تجار الأسلحة وتضارب المصالح السياسية لقوى إقليمية و دولية ليبقى الضحية في هذه الامعادلة جزء من الأمة العربية و الإسلامية كسوريا و العراق المهددين بالتقسيم، و نيجيريا المهددة كذلك بالتقسيم، مع إضافة اليمن كذلك، لأن الظاهر، في هذا الإطار، أن ميليشيات الحوثي و الرئيس السابق علي عبد الله صالح، المساندين من طرف إيران، لن يطمحون في أقل من تقسيم البلاد، لا قدر الله، إلا إذا فرض عليهم الأمر الواقع عسكريا.
فالتصدي لآفة الإرهاب الذي ابتليت به عدة مناطق من العالم، و خاصة المنطقة العربية، يستنزف ثروات كان بالإمكان توظيفها من أجل التنمية و التشغيل كون ظاهرة البطالة تعاني منها دولا أوروبية فما بالك بالدول النامية.
و كدول نامية، فالعديد من الدول الإفريقية و خاصة الموجودة في منطقة الساحل تعاني من المجموعات الإرهابية و الإجرامية التي تتاجر أيضا في الممنوعات و في البشر. فالمجهود الذاتي للدول المحيطة بنيجيريا مثلا للقضاء على بوكوحرام لازال لم يصل إلى النتيجة المرجوة بل، على العكس من ذلك، جرت الرياح بما لا تشتهي السفن إذ جر هذا المجهود المزيد من عمليات بوكوحرام الإرهابية على هذه الدول.
و يظهر أن القوى الكبرى أصبحت تتدخل في هذه الساحة فقط في حالة وجود مواطنيها لتعالج الموقف كما حدث قي شتنبر 2013 عندما هاجم مسلحون من حركة الشباب المجاهدين الصومالية أكبر مركز للتسوق في نيروبي، عاصمة كينيا، واحتجزوا رهائن بينهم عدد كبير من الأجانب العاملين في العاصمة، و هو ما حصل أيضا في نونبر 2015 في باماكو، عاصمة مالي، عندما هاجم مسلحون من مجموعة "المرابطون" فندقا يرتاده الأجانب العاملون في العاصمة و احتجزوا الجميع. فتمت معالجة الموقفين بتدخل قوات أجنبية آزرت القوات المحلية.
و هنا السؤال: هل كان من الممكن لهذه المجموعات و التنظيمات أن تستمر أو أن ترى النور أصلا لولا التمويل و التسليح الخارجي؟ و كيف تحولت البوليزاريو مثلا من مجموعة طلبة مغاربة معارضين إلى مجموعة انفصالية لولا التوجيه و الدعم و التسليح الخارجي؟
إن التصريح الذي أدلى به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حول تنظيم داعش، ليحمل أكثر من دلالة، في هذا الصدد.
لقد أعطيت أمثلة، يقول بوتين، متعلقة بمعلوماتنا عن تمويل أشخاص، من مختلف الدول، لأقسام مختلفة من داعش. و تم تحديد أن التمويل يأتي من 40 دولة، بما فيها من بعض دول "العشرين"، يضيف الرئيس الروسي في تصريح على هامش قمة دول العشرين المنعقدة يومي 15 و 16 نونبر 2015 في أنطاليا، جنوب غرب تركيا.
لذا، ففي ظل وضع معقد دوليا كانت سنة 2015، مع الأسف، حبلى بالأحداث المروعة في إفريقيا و أوروبا و دول عربية.
و إذا كان الناس عبر العالم قد اعتادوا على التفاؤل بمناسبة حلول السنة الميلادية الجديدة بتبادل الكلمات الجميلة، الطيبة، بمختلف اللغات، متمنين لبعضهم البعض غدا أفضل يمكن من تجاوز صعاب السنة التي يودعونها في بيئة نظيفة و عالم خالي من الحروب، فأين نحن كأمة عربية و إسلامية من هذه الأحلام التي بدأت تبتعد شيئا فشيئا منذ هجمات 11 شتنبر 2002 بأمريكا، و تداعياتها، إلى حدود السنة التي نودعها و التي تميزت على الخصوص بهجمات باريس الإجرامية الغير مسبوقة، و تداعياتها أيضا.
فالتدمير مستمر في سوريا و التخريب يتواصل في العراق و ليبيا، و تونس الشقيقة تتعافى شيئا فشيئا بأمل من مخلفات العمليات الإرهابية التي تعرضت لها، دون الحديث عن مواصلة التقتيل بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، و هو حديث ذو شجون.
إلا أن بريق أمل لاح في الأفق مضيئا، على أية حال، نهاية سنة 2015 بعد الاتفاق الذي تم التوصل اليه بين الفرقاء الليبيين يوم 17 دجنبر في الصخيرات، بالمغرب، برعاية الأمم المتحدة، و هو اتفاق من المؤمل أن يؤدي إلى حل المشاكل الأمنية والاقتصادية والسياسية في البلاد. و هو الإتفاق الذي وفر له المغرب خلال عدة أشهر من الاجتماعات ظروف النجاح قصد توفير الامن و الاستقرار في ليبيا و العيش الكريم لشعبها الشقيق و تجنيب منطقة شمال افريقيا التداعيات الأمنية للأزمة.
و من حسن الصدف أن احتفل المسلمون هذه السنة في العديد من الدول بعيد المولد النبوي الشريف يوم 24 دجنبر و هو نفس اليوم الذي احتفل فيه المسيحيون بعيد الميلاد، و هي صدفة تتحقق لأول مرة منذ أكثر من أربعة قرون و نصف لتذكر بالعلاقة بين الكتب السماوية عسى أن يستمر السعي نحو توطيد ثقافة الاعتدال و التسامح و الإخاء بين الناس مهما كان دينهم أو لون بشرتهم.
إرهاب هنا و هناك و دمار هنا و إسلاموفوبيا هناك: هذا هو حال اللوحة باختصار لكن... رغم نعرات الإسلاموفوبيا التي تطفو الآن على السطح في أمريكا و فرنسا، على الخصوص، إلا أن الانتماء للعروبة و الإسلام فينا لا يملك إلا التشبث بالأمل في تجاوز هذه الظرفية التاريخية و نحن القائلون منذ عصور خلت "ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل".