الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

محمد وراضي: ماذا عن البركات بين الأمطار والقحط المخيف؟

محمد وراضي: ماذا عن البركات بين الأمطار والقحط المخيف؟

إن من يربطون بين الأمطار وصلاة الاستسقاء، غاب عنهم -لا شك- فهم إرادة الله ومشيئته وعلمه بخصوص آلاف مؤلفة من آهات أو من تأوهات مخلوقاته. فصلاة الاستسقاء التي تدعو الدولة إلى إقامتها في أي وقت تختاره، ليست سوى دعوات تتكامل -إن شئنا- مع تلك التي لا يكف الفلاحون عن التقدم بها إلى الله عز وجل صباح مساء، كلما حل أوان بذر البذور أو زرع الزروع، حينما ترسل السماء بإذن ربها مطرا مدرارا يحيي الأمل في قلوب المزارعين، حتى قبل أن يمضوا في الحرث، لأنهم يتوقعون مواصلة نزول الغيث الذي لولاه، لاشتد وقع الحياة على الفلاحين، بل وعلى غيرهم من أبناء الوطن جميعهم أينما وجدوا. في الحواضر المغربية، أو في الحواضر الأجنبية كعمال يفيدون عوائلهم ماديا في الأحوال العادية. فكيف لا يفيدونهم في الحالات الطارئة التي تبدو أوضاعها حالكة سيئة أمامنا، إن لم يتداركنا رب العزة برحمته وعفوه وعطائه الذي لا نربطه نحن بالأنواء! ولا بأي موجود آخر غيره سبحانه.

نعم، كنا في السنوات الأخيرة نتمتع ببركات لها في اعتقاد العوام وفي اعتقاد الحكام على وجه التحديد أكثر من مصدر: بركة الصبيان التي تعني رأفة الله بهم وبوالديهم الكادحين لأجل إطعامهم ليل نهار. وبركة حملة القرآن وطلابه في الكتاتيب... وبركة مربيهم الموصوفين بأئمة المساجد على طول البلاد وعرضها... والذين لا يكفون عن قراءة القرآن كلما انتهوا من صلاة المغرب. وكلما انتهوا من صلاة الصبح، حيث الغالبية الساحقة من المواطنين تغط في نومها العميق! وبركة أولياء الله الصالحين المفترضين! الأحياء منهم والأموات! عمار الزوايا الذين يذكرون الله كل يوم أو كل ليلة كتنفيذ منهم لبرامج من تحديد شيوخهم في حلقات، تقشعر منها النفوس، وترتعد لها الأبدان.. وتنجذب إليها مئات العصاة المنقطعين عن التواصل مع الله منذ أزمان! دون نسيان دور شيوخ تلك الزوايا في التأثير على قلوب وعقول الحكام، وغيرهم من أبناء الأمة الإسلامية، وحتى غير الإسلامية القادمين من وراء البحار؟

وكيف لنا أن ننسى بركة أولياء الله الصالحين المدفونين بالمئات عبر التراب الوطني! والذين نميز من بينهم في الكتابات الصوفية: الأقطاب... والأبدال... والنقباء... والنجباء... والأفراد... وخاتم الأولياء...وبالتالي كيف ننسى دورهم الذي لم ينقطع بعد في إنزال الرحمات... وإلا فما الذي حمل المصريين على الاستغاثة بأبي العباس المرسي، تلميذ أبي الحسن الشاذلي الذي هو تلميذ عبد السلام بن مشيش؟ أوليس الشاذلي هو الذي قال: "ما من ولي لله كان أو هو كائن، إلا وقد أطلعني الله عليه وعلى اسمه ونسبه، وحظه من العلم بالله تعالى"؟

أوليس بسبب مثل هذه المقولات الجذابة يلتجئ المغاربة إلى زيارة الأضرحة للاستغاثة بأصحابها في المدلهمات، كالقحط والتوابع والزوابع؟ أوليس لأنهم عقلاء متدينون على بينة مما يقتضيه الدين من احترام لأولياء الله؟ خاصة وأن للأولياء كرامات تتجاوز حدود النظر العقلي إلى حد أنها تزدري المعقولات، القائمة على المنطق الجاف البعيد عن إدراك علوم الأحوال والمقامات، أو بعبارة واحدة جامعة عن إدراك علوم الحقيقة المقابلة لعلوم الشريعة؟

فلنتساءل إذن عن كل تلك البركات التي كانت حاضرة في الأعوام الماضية... تلك التي تجلب عند تنفيذها مسرات إلى القلوب لا حد لها ولا حصر! حتى بتنا نعتقد أن الغيث سوف يأتي فور أداء صلاة الاستسقاء؟ إما في اليوم الموالي لأدائها، وإما في اليوم الثالث أو الرابع في كافة الأحوال.

فكان أن أصبح توقع الأمطار بعد الصلاة التي يحضرها رئيس الحكومة رفقة بعض من معاونيه الملتحين ومن غير الملتحين، نتوقعها لأن الإسلاميين الحكوميين حملوا معهم البركات في شاحات إلى مقر أعمالهم، كي يجودوا بها على كافة المواطنين، بدون مقابل يذكر، من طنجة إلى الكويرة... لكن بركاتهم هذه، وبركات كل من ذكرناهم من الأحياء والأموات، تأخر مفعولها حتى الآن على الأقل (27/12/2015م).

ربما إن لم تنفع صلاة الاستسقاء الجماعية فيما نحن بصدده... سوف تنزل الأمطار ببركة ما تعبد به المغاربة على المستوى الرسمي والشعبي بمناسبة عيد المولد النبوي الذي لم يحتفل به رسول الله للتذكير قيد حياته! ولا أوصى المؤمنين أن يحتفلوا به!

فلنحضر إذن، ولنستعن ببركة البوصيري الشاذلي الطريقة... خاصة حينما يردد المداحون بردته التي أدرك فيها المدى في إطراء رسول الله إلى حد قوله: إنه سيد الكونين والثقلين. يقصد سيد الدنيا وسيد الآخرة من جهة، وسيد الجن والإنس من جهة ثانية (وكأن الله في هذه الحالة ليس بسيدها على الإطلاق!). وسيد مثله صلى الله عليه وسلم، لا بد أن يكون "علم اللوح والقلم" من ضمن علومه كما أخبرنا البوصيري الصوفي الغارق في علوم الحقيقة، المدبر عن علوم الشريعة! ثم إن رسولنا لكل هذه الصفات والمقامات، هو المساعد الوحيد للحق سبحانه حتى أخرج الكون من العدم؟ إذ "لولاه لم تخرج الدنيا من العدم" على حد تعبير من تتلى بردته وهمزيته في المناسبات الرسمية والشعبية؟؟؟

وعن أساتذته، أخذ البوصيري كل مزاعمه في امتداح نبينا عليه السلام. فصح أن نجعلهم وسطاء بيننا وبين الله تعالى في كل ما يحل بنا من نكبات الدهر. دون أن ننسى قبل الختام بأن الأنواء (=التنبؤات الجوية) مهما تكن لا تمطر ذهبا ولا فضة ولا ماء صافيا زلالا! وأن الأرصاد الجوية مهما صحت تنبؤاتها، لا ينبغي اعتمادها لضمان نزول الغيث لدى المسلمين المخلصين الصادقين. ودون أن ننسى تدخلا في موضوع التوقعات الجوية لأستاذنا المصري المسيحي الراحل في الفلسفة: نجيب بلدي. فقد أفهمنا من منطلق الإيمان بأن كل ظاهرة من الظواهر الطبيعية التي تؤدي إلى نزول المطر متى توفرت مجتمعة، ليست هي التي تتحكم في نزوله من عدمه. فظاهرة واحدة من تلك الظواهر قد تتأخر (كالضغط الجوي المنخفض) فيصبح التوقع المتنبأ به في خبر كان!!! معناه أن الطبيعة ليست في يد البشر (الأعاصير والزلازل الخ!)، ربما بدا لنا ذلك، لكن الواقع يكذب. ونحن شهود عيان على ما نقول.

المهم أن صلاة الاستسقاء الأخيرة لم ينزل على إثرها الغيث، لا بعد يوم ولا بعد ثلاثة، ولا بعد أسبوع. فمنه وحده عز وجل نرجو أن يرحمنا كفلاحين وكغير فلاحين، وكدواب وكأنعام... إنه وحده القادر على إغاثتنا وانتشالنا من شقوتنا وبؤسنا وطول انتظارنا، مع تأكيدنا لعزمنا مستقبلا على تجنب اقتناص مناسبات الدعوة إلى أداء صلاة الاستسقاء معتمدين -كما قلنا- على الأنواء التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

"لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين". بقدرتك، وعفوك، وصفحك، وإرادتك، وعلمك، ومغفرتك، ومثوبتك، إذ لو أنهم "آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون"!!!