الأحد 19 مايو 2024
فن وثقافة

"سابقة في مهرجان مراكش: فيلم "الجبل البكر" أخرج رئيس لجنة التحكيم "فرنسيس فورد كوبولا" عن تحفظه وأثنى على مخرجه

 
 
"سابقة في مهرجان مراكش: فيلم "الجبل البكر" أخرج رئيس لجنة التحكيم "فرنسيس فورد كوبولا" عن تحفظه وأثنى على مخرجه

عبر التاريخ الطويل للمهرجانات السينمائية العالمية، لم يقف، من قبل، رئيس للجنة التحكيم كي يصفق طويلا لفيلم مشارك في المسابقة الرسمية ، بل وينهض من مكانه ويذهب لمعانقة وتقبيل بطل الشريط، حادثة شهدها قصر المؤتمرات بمدينة مراكش في اطار فعاليات الدورة الخامسة عشر لمهرجانها السينمائي الدولي مع المخرج العالمي فرانسيس فورد كوبولا، الذي كسر التقاليد المرعية للسينما العالمية وأكد ان الانتصار للإبداع لا يعرف الحدود أو التحفظ و قمع المشاعر الصادقة في التعبير عن مكنوناتها الجلية البعيدة عن التصنع و التحذلق المكشوف (حتى و لو جاهد المتحذلقون و السينمائيون المزيفون في إخفائها)، انتصار لفيلم ايسلندي دانماركي مصنوع بكثير من الحرفية و الرؤية الفنية الهادفة / العميقة في نفس الآن ، من خلال التعبير عن قضايا الإنسان و الإنسانية والمشاعر الأكثر بدائية بكل صدق وإبداعية ..
"
الجبل البكر" أو "حكاية عملاق خجول" للمخرج الفرنسي داكوري كاري، فيلم يعالج موضوع الجوهر الإنساني باعتباره "الأهم"، مقارنة مع الشكل الخارجي. حيث تدور أحداثه حول قصة "فوسي" وهو رجل خجول ذو 45 عاماً، يعيش حياة كئيبة، بسبب ضخامة جسده، و يتصرف كالأخرق الذي لا يعرف ما يجري و يدور من حوله ، علاقاته جد محدودة و تصرفاته صبيانية ، تصرفات لا تخرج عن دائرة الخضوع لوصايا الأم و الوفاء للشغل كحامل للحقائب في المطار و الخروج و الدخول بكل انضباط و طواعية للقوانين المرسومة و المحددة في الحياة العامة و تقبل انتقاد و سخرية الآخرين بكل أريحية ، لكن تحت ضغوط متواصلة من قبل والدته وصديقها الانتهازي، يسعى لاستكشاف سبل اجتماعية جديدة، ويوافق على مضض لحضور دروس الرقص ، من اجل تطوير قدراته الفكرية و يفتح أبواب السعادة الغائبة اللامرئية، حيث سيلتقي هناك بشابة غريبة الأطوار تشتغل في محل بيع الزهور الخاصة، لتنتقل بعدها إلى عاملة قمامة، ومع توالي الأحداث يقع "فوسي" في حب هذه الفتاة لتتغير حياته رأساً على عقب. وتجعله في النهاية يتصرف كإنسان سوي، إنسان يتخذ القرار بنفسه، ليختار الرحيل بعيدا للبحث عن سعادته، رحيل على متن طائرة متجهة لمصر من اجل قضاء عطلة والابتسامة مرسومة على الشفتين، ابتسامة لم يتعود من قبل على إظهارها أو الإحساس بفتنتها الدالة على الفرح والسعادة.
قوة الفيلم لا تعود فقط للحكاية المتضمنة المروية بكل عناية وحرفية أو للأسلوب السينمائي الوفي للبساطة أو نقل الأحداث بسلاسة أو للمشاعر الإنسانية الغامرة الصادقة، بل تعود وبالدرجة  الأولى للأداء الرفيع للممثل كونارجونسون، أداء هادئ هدوء متاعب الحياة المتربصة قبل أن تداهم الفرد و تهد سعادته.، و حضور طاغي رغم محدودية الحوارات و اقتصاد في الحركات جد مدروس ..
أداء و حضور (لهذا الممثل الضخم بجثته الكبير بموهبته) جعلا من الفيلم جوهرة فيلمية إنسانية عميقة، جوهرة تركت أثرها السينمائي على الجمهور المراكشي، مثلما تركت من قبل أثرها على كل جماهير المهرجانات السينمائية عبر العالم بل و على لجان التحكيم المختلفة التي منحته جوائز عديدة رفيعة.

"فوسي"  الممثل الذي لعب دور الرجل خجول ذو 45 عاماً في فيلم " الجبل البكر" أو "حكاية عملاق خجول" للمخرج الفرنسي داكوري كاري