عديدات هن النساء اللائي شاركن في مقاومة الاستعمار الغاشم الى جانب صنوهن الرجل ،فقدأفادت إحصائيات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، أن الحاملات لصفة مقاومة بلغ عددهن 446، 303 منهن نشطن في فترة مقاومة الاستعمار الإسباني والفرنسي، 56 شاركن في جيش التحرير بالشمال ، و87 شاركن في جيش التحرير بالجنوب ، ورغم أن المندوبية تؤكد وجود نساء كثيرات شاركن في المقاومة الى جانب الرجال ، إلا أن الإحصائيات التي تتوفر عليها تفيد بأنه وجدت 50 مقاومة بالعيون، 39 بخريبكة ، 37 بأكادير ، 30 بوجدة، 21 بالرباط ،13 بمراكش و11 بفاس، وغيرها من المدن من شمال البلاد إلى جنوبها .
ادن في تلك الفترة العصيبة من تاريخ المغرب ، توحدت جهود كل من المرأة والرجل في مقاومة المستعمر فألغي التمييز لأن هدفهما كان واحدا ألا وهو الرغبة في استقلال المغرب.
فباستحضارنا للذاكرة المغربية ،نجد أن النساء المغربيات كن حاضرات بقوة دافعن باستماتة مشهودة عن الوطن، فاحترفن المقاومة والجهاد وهن يجمعن بين عمل البيت وعمل مناهضة المعمر الغاشم. فمنهن من التحقن بالحركة الوطنية منذ انطلاقتها وتمردن ضد سياسة القهر والاستبداد من أجل نيل الحرية والاستقلال، منهن من قضين نحبهن، ومنهن من أمهلهن الأجل ليشهدن على مغرب يحيى عهدا جديدا تحت السيادة الوطنية.
فمن بين الخدمات التي كانت تقدمها المرأة المقاومة : الإسعاف والتمريض وتوفير المؤونة و الملجأ، ونقل السلاح والمعلومات، فتارة مساهمة بمالها ورأيها ومشورتها، وتارة أخرى فاعلة نشيطة في الميدان، غير مكثرتة باضطهادات المستعمر ولا بعقوباته القاسية.
ولا يزال أعضاء المقاومة وجيش التحرير المجايلين لهذه الحقبة التاريخية الحرجة يتذكرون جيدا مناضلة معروفة في أوساطهم، اشتهرت باسم " رحمة البهلولية " التي كان منزلها مقرا سريا يؤوي المناضلين الذين كانوا يعقدون فيه اجتماعاتهم. وما قدمته لهم من مساعدات في نقل الأسلحة التي كان يغنمها المقاومون من الغارات التي كانوا يشنونها على الثكنات العسكرية.
فمنذ بداية القرن العشرين ظهرت نساء أمازيغيات على مستوى الأحداث، وخاصة أولئك المقاومات للقوات الغازية واللواتي تصدين لها بكل بسالة وشجاعة ومن أمثلتهن:
ـ يطو زوجة موحا أوحمو الزياني، هذه السيدة التي غيرت زوجها من خاضع للقوات الفرنسية إلى بطل شرس قهر الفرنسيين وانتصر عليهم في معركة “الهري” الشهيرة.
ـ عدجوموح نموذج المرأة العطاوية التي شاركت بفعالية في معركة “بوغافر” بجبال صفرو فقاومت الجيوش الفرنسية سنة 1933 وقاتلت ببسالة حتى استشهدت.
ـ أخت البطل محمد الحراز التي شاركت في قتال الاسبان بالريف وتمكنت من اغتيال ضابط إسباني سنة 1927
أتناول اسما آخر، ويتعلق بـمليكة الفاسي، المتعلمة المتنورة التي تزعمت حركة النهوض بالمرأة المغربية، وطالبت بإدماج المرأة المغربية في الحياة العصرية. شخصية كمليكة كانت رمزا من رموز النضال النسائي المتعدد الأوجه، ورائدة الصحافة والكتابة النسائية بامتياز..كما كانت تلعب دور الوسيط بين الملك الراحل محمد الخامس والحركة الوطنية. وهي المرأة الوحيدة التي حظيت بشرف التوقيع على وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944 إلى جانب شخصيات وطنية بارزة.
في المقام ذاته أستحضر وجها آخر من الوجوه اللامعة في تاريخ المقاومة النسائية بالمغرب، كوجه ثريا الشاوي التي تعرضت للاعتقال وعمرها لا يتعدى سبع سنوات بعدما لفـق لها المستعمر الفرنسي تهمة تحريض التلاميذ على مقاطعة الدراسة احتجاجا على أحداث العنف التي وقعت سنة 1944. عبقرية ثريا اللافتة للأنظار جعلتها تحرز الرتبة الأولى في صفها الدراسي بمدرسة الطيران بتيط مليل نواحي البيضاء، المدرسة التي كانت حكرا على الفرنسيين، والتي حصلت على شهادتها سنة 1951، فكانت بذلك أول امرأة عربية تقود طائرة في سماء المغرب. وعندما عاد السلطان الراحل محمد الخامس والأسرة الملكية من المنفى، كانت طائرتها ترمي المناشير فوق سماء العدوتين الرباط وسلا مرحبة بمقدم الملك. ثريا التي طالتها أيادي الغدر الفرنسي وأطفأت شمعة حياتها وهي لا تزال في عمر الزهور يوم الفاتح من مارس 1956، كانت يومها تستعد لحضور أول اجتماع للإعلان عن تأسيس النادي الملكي للطيران. وكعرفان على نبوغها اللافح ، قام على شاهد قبرها مؤبنوها بكتابة العبارة التالية : " الآنسة ثريا الشاوي شهيدة الوطن "
لن أقف عند هذا الحد في سرد أسماء النساء اللواتي قاومن المعمر بشراسة ، قبل أن أقف إجلالا واحتراما وتقديرا للأرواح الطاهرة للمقاومات اللواتي لم يشملهن التاريخ باهتمامه، منهن من آثرن السرية على الشهرة، ومنهن من تناقلت أخبارهن بين الناس كالنار في الهشيم، وأخريات سليلات شخصيات كبيرة. هؤلاء النسوة اللائي أدَّين واجبهن حيال عقيدتهن وثوابتهن ووطنيتهن حبا في بلدهن، ورغبة أكيدة منهن على تحريره من يد المعمر ونيل حريته واستقلاله.
من بين باقة هؤلاء العظيمات، انتقيت شخصية أخرى تعد مضرب المثل في التضحية والنضال الوطني في مواجهة الاستعمار الاسباني في شمال المغرب بتطوان، والفرنسي بالجنوب، والدولي في طنجة. إنها المقاومة " فاما "، التي انتقلت من المقاومة في سبيل الوطن إلى الانخراط في العمل السياسي بعد الاستقلال. المغربية التي رزئت في أشقائها السبعة على يد المعمر الذي أذاقها ورفاق دربها في النضال والمقاومة صنوف التعذيب، وهي تثور على استبداد الاستعمار وعلى الجهل وإقصاء المرأة من الانخراط في النضال والمقاومة ، فكانت بذلك نموذجا للمرأة المناضلة رمز القوة والصلابة .
وارتباطا بالمقاومة ومناهضة المستعمر،اجد نفسي مضطرة لدكر اسماء نساء لم يبخلن عن وطنهن فبدلن الغالي و النفيس من اجل تحرير المغرب من براثن المعمر وهن : خديجة البلغمي أرملة الشهيد علال بن عبد الله، بريكة بنت العربي زوجة المجاهد عبد الرحمان الروداني ،محجوبة الشدرة زوجة المجاهد الكبير إدريس بن بوبكر.
وأخيرا أجعل مسك ختام مقالي هدا حول المقاومة النسائية بالمغرب اسما سطر مساره بماء الذهب في سجل التاريخ الحديث، يتعلق الأمر بالأميرة لالة عائشة كريمة السلطان محمد الخامس وشقيقة الراحل الحسن الثاني، البارعة في فن الخطابة منذ أول إشراقة لشمسها في سماء طنجة سنة 1947، حينما سمع المغاربة حنجرتها وهي تصدح بالتعبير عن رغبة الشعب في الاستقلال، وهي تضع أولى لبنات عملها الحركي من أجل النهوض بأوضاع المرأة المغربية.