الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

رشيد صفـَـر:رئيس مقاطعة وطبيب للأسنان..

رشيد صفـَـر:رئيس مقاطعة وطبيب للأسنان..

تعاقب على رئاسة مقاطعة الحي الحسني العديد من الأشخاص، الذين اختلفت مهنهم مابين رجل الأعمال والموظف والمنعش العقاري، والمهندس وغيرهم ... وبعد انتخابات 4 شتنبر الأخيرة تقلد المسؤولية الدكتور "أحمد جُدار" عن حزب العدالة والتنمية. يشهد كل من تحدثنا إليهم من مواطنين وسياسيين وأعضاء الحزب، أن الرجل يتميز بحسن الأخلاق وبالكياسة ويجيد التواصل، وليس ذلك بغريب على "طبيب أسنان" يفترض فيه تهدئة زبونه وتنويمه قبل اقتلاع "الضرس" الذي يستوجب ذلك..

ما يهم في السياسي ليس مهنته أو مستواه الثقافي أو الاجتماعي، لأن إطلاق صفتي النزاهة والكفاءة على الأشخاص انطلاقا من المهن، ليس دائما مجهرا لتأكيد حسن التدبير والسعي إلى الإصلاح وعدم عرقلته أو الإسهام في إقباره،  حتى لا يُقال كل فقير هو فاسد، وكل تاجر هو مرتش وكل عاطل ذمته معروضة للبيع والشراء، وكل فقير فكريا هو اعتباطيا بعيد عن النزاهة والصدق، قد نقول أنه لا يفهم أو لا يستوعب، لكن ليس ذلك حكما قاطعا لكونه مرتش أو متحالف مع الشيطان. فالجنة لن يدخلها فقط المثقف والعالم والغني والطبيب.

من حسن حظ سكان الحي الحسني بالبيضاء، أنهم اليوم سيجدون طبيبا للأسنان، في مكتب رئيس المقاطعة، وليس ذلك مجازا أو مزاحا، لتحويل المكتب لعيادة قلع وزرع الأسنان، لكن من حق السكان، أن يطالبوا رئيسهم الجديد بالالتزام بما يقوم به في عيادته ضمن ترتيبات ممارسته لمهنته، مثلا : عند الدخول إلى عيادته يطلب من الزبون فتح فمه، لذلك عليه أن لا يطلب من المشتكين إغلاق أفواههم في مكتبه، وعدم التعبير عن الضرر الذي يلحقهم وتتحمل مسؤوليته مجالس المقاطعة أو خلال البوح والاعتراض على ضرر يمكن أن يرفعه هذا المكتب عن المواطن وهو المكتب الذي تأسس بالناس وللناس.

طبيب الأسنان يرمم الأضراس والقواطع والأنياب، لذلك على رئيس المقاطعة أن يعمل على ترميم الطرقات والمباني الآيلة للسقوط، وأن يفتح "عيادة افتراضية لترميم أو اقتلاع المباني المعنية" بسيدي الخدير مثلا، الذي تهدد سكانه الجدران المتهالكة في صمت رهيب.

طبيب الأسنان، يساهم في استرجاع الابتسامة للمحيا، بتوضيب أسنان الفكين الأسفل والأعلى، لذلك على الرئيس إعادة الابتسامة لوجوه سكان الحي الحسني ليس فقط شكلا، بل عليه زرع البسمة في القلوب من خلال السهر على نظافة وأمن الحي، بالتنسيق والتعاون مع الجهات المسؤولة على مجالي الأمن والنظافة، وإيصال صوت الساكنة للمسؤولين و"النقر" على رؤوسهم يوميا لتنفيذ مهامهم بكل تفان، لكي ينعم الحي في النقاء والصفاء والأمن والهناء، لتتشابه كل أحياء الحي مع "حي الهناء"، على مستوى الأمن والنظافة، وليس ذلك بعزيز.. لأن المواطن يتأثر بالمحيط وبذور اليوم تعطي ثمارها في الغد القريب أو البعيد.

طبيب الأسنان يسخر كل طاقاته واجتهاده للقضاء على "سوسة" الأسنان والأضراس، لذلك على الرئيس القضاء على سوسة الرشوة والمحسوبية والزبونية واللامبالاة بدهاليز المقاطعة، فغالبا ما يقول طبيب الأسنان لصاحب الضرس "المُسوَّس" الذي فات عليه الأوان : "من الأحسن اقتلاع هذا الضرس"، لذلك يجب أن يملك الرئيس نفس القرار بجرأة، لاقتلاع كل مفسد "مُسَيَّسْ" أو غير "مُسيس" لكي ينقذ "فم الحي الحسني" من نتانته وخطره.

في عيادة طبيب الأسنان قاعة الانتظار مُكيفة والجلوس لا يستقيم إلا على أريكة مريحة، لذلك على قاعة انتظار مقابلة مع الرئيس، أن تتميز بنفس الظروف المريحة. الزبناء في العيادة معروفون، إذ تسجل المعلومات حولهم بدقة، لذلك على الرئيس أن يُسجل في لائحة الراغبين في مقابلته، معلومات دقيقة حولهم، للوقوف على حالتهم بشكل مدقق ومعرفة هل يستحقون فعلا ما يطالبون به، أم هم فقط متنكرون في أزياء ليست لهم، يستعيرونها من ظهور وجلود ومآسي المعوزين وذوي الاحتياجات الخاصة والأمر ينطبق على الامتيازات الاجتماعية كـ "الاستفادة من الباركينغ والمساعدات العمومية وما يُشابههما".

طبيب الأسنان يمكن أن يجعل الإنسان غير قادر على القضم أو "العض" باقتلاع كافة أسنانه وأضراسه بالطبع باتفاق وتراض في الحالات التي تستدعي ذلك.. لكن على الرئيس أن لا يقتلع "لسان" رؤساء الجمعيات والفاعلين في مجال الثقافة والفن، ولا نعني بذلك أنه سيوظف "الكُلاَّب بمعنى اللقاط" لقلع اللسان، لأن تهميش الجمعوي والفنان وعدم الإصغاء له هو بمثابة اقتلاع للسانه.

طبيب الأسنان هو من ميدان الطب وسيكون أعرف الناس بحال الطب العام بالحي الحسني، وهو بالمناسبة لا يُسعد لا المُعافى ولا المريض، وكما يعمل طبيب الأسنان على تنقية الفم المريض من الشوائب التي يمكن أن تؤثر على صحته، على مجلس المقاطعة بقيادة "طبيب الأسنان" تنقية المستشفيات العمومية بالمقاطعة من الرشوة واللامبالاة والاحتقار.. فتخيلوا معي هاتفا من رئيس مقاطعة "طبيب أسنان" لوزير الصحة أو مقابلة بينهما لتدارس مشاكل قطاع الصحة بالمنطقة.. فأهل مكة أدرى بشعابها.

يٌقال في مثل مأثور : في دولة غير ديموقراطية لا يفتح الناس أفواههم إلا عند طبيب الأسنان، وبعد الخروج يغلقون فمهم نهائيا.. لكن في الحي الحسني بالبيضاء، المواطنون يمنون النفس بفتح أفواههم أمام "أحمد جدار" ليس فقط في العيادة بل أيضا في مكتب رئاسة المقاطعة، وليس فتح الفم هنا مدعاة للتطاول على الاحترام الواجب له ولغيره أو طلب خدمة أو إجراء أو امتياز خارج القوانين المعمول بها... فقط من أجل الإصلاح والصلاح و إحقاق الحق.